صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( والسنة أن لا تقام الجمعة بغير إذن السلطان فإن فيه افتئاتا عليه ، فإن أقيمت من غير إذنه جاز .

لما روي " أن عليا رضي الله عنه صلى العيد وعثمان رضي الله عنه محصور " ولأنه فرض لله - تعالى - لا يختص بفعله الإمام فلم يفتقر إلى إذنه كسائر العبادات ) .


( الشرح ) هذا المنقول عن علي وعثمان رضي الله عنهما صحيح رواه مالك الموطأ في باب صلاة العيد ، ورواه الشافعي في الأم بإسناده الصحيح ، وروى البيهقي عن الشافعي أنه قال في القديم : ولا يعلم عثمان أمره بذلك ( وقوله ) : ولأنه فرض لله احتراز من فسخ البيع وغيره بالعيب وغيره ( وقوله ) : لا يختص بفعله الإمام ، احتراز من إقامة الحد ، وقال القلعي : هو منتقض به وليس كما قال .

( أما حكم المسألة ) فقال الشافعي والأصحاب : يستحب أن لا تقام الجمعة إلا بإذن السلطان أو نائبه ، فإن أقيمت بغير إذنه ولا حضوره جاز وصحت هكذا جزم به المصنف والأصحاب ، ولا نعلم فيه خلافا ، عندنا إلا ما ذكره [ ص: 450 ] صاحب البيان ، فإنه حكى قولا قديما أنها لا تصح إلا خلف الإمام أو من أذن له الإمام ، وهذا شاذ ضعيف .

( فرع ) في مذاهب العلماء في اشتراط السلطان أو إذنه في الجمعة ذكرنا أن مذهبنا أنها تصح بغير إذنه وحضوره ، وسواء كان السلطان في البلد أم لا ، وحكاه ابن المنذر عن مالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، وقال الحسن البصري والأوزاعي وأبو حنيفة : لا تصح الجمعة إلا خلف السلطان أو نائبه أو بإذنه ، فإن مات أو تعذر استئذانه جاز للقاضي ووالي الشرطة إقامتها ، ومتى قدر على استئذانه لا تصح بغير إذنه .

واحتج له بأنها لم تقم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن إلا بإذن السلطان أو نائبه ، ولأن تجويزها بغير إذنه يؤدي إلى فتنة .

واحتج أصحابنا بقصة عثمان وعلي المذكورة في الكتاب ، وهي صحيحة كما سبق ، وكان ذلك بحضرة جمهور الصحابة ، ولم ينكره أحد ، والعيد والجمعة سواء في هذا المعنى .

وبالقياس على الإمامة في سائر الصلوات .

( والجواب ) عن احتجاجهم بما أجاب به الشيخ أبو حامد والماوردي والأصحاب بأن الفعل إذا خرج للبيان اعتبر فيه صفة الفعل لا صفات الفاعل ، ولهذا لا تشترط النبوة في إمام الجمعة ، وكون الناس في الأعصار يقيمون الجمعة بإذن السلطان لا يلزم منه بطلانها إذا أقيمت بغير إذنه .

( وقولهم ) : يؤدي إلى فتنة لا نسلمه ; لأن الافتئات المؤدي إلى فتنة إنما يكون في الأمور العظام ، وليست الجمعة مما تؤدي إلى فتنة .

( فرع ) قال الشافعي في الأم ومختصر المزني : تصح الجمعة خلف كل إمام صلاها من أمير ومأمور ومتغلب ، وغير أمير .

قال الشيخ أبو حامد والماوردي والأصحاب : أراد بالأمير السلطان وبالمأمور نائبه ، وبالمتغلب الخارجي ، وبغير الأمير آحاد الرعية ، فتصح الجمعة خلف جميعهم ، ثم قال الشافعي بعد هذا : صلى علي وعثمان محصور ، فاعترض عليه بعض الحاسدين ، وقال : مقتضى كلامه أن عليا متغلب ، قال الشيخ أبو حامد والأصحاب : كذب هذا المعترض وجهل ; لأن الشافعي إنما مثل بذلك ليستدل لصحة الجمعة خلف غير الأمير والمأمور ، ومراده أن عليا لم يكن أميرا في حياة عثمان والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية