صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وهل يجوز أكله ؟ ينظر . فإن كان من حيوان يؤكل . ففيه قولان ، قال في القديم : لا يؤكل لقوله صلى الله عليه وسلم { إنما حرم من الميتة أكلها } وقال في الجديد : يؤكل لأنه جلد طاهر من حيوان مأكول فأشبه جلد [ ص: 284 ] المذكى ، وإن كان من حيوان لا يؤكل لم يحل أكله لأن الدباغ ليس بأقوى من الذكاة ، والذكاة لا تبيح ما لا يؤكل لحمه ، فلأن لا يبيحه الدباغ أولى ، وحكى شيخنا أبو حاتم القزويني عن القاضي أبي القاسم بن كج أنه حكى وجها آخر أنه يحل لأن الدباغ عمل في تطهيره كما عمل في تطهير ما يؤكل فعمل في إباحته بخلاف الذكاة ) .


( الشرح ) : الحديث المذكور ثابت في الصحيحين وهو تمام حديث ابن عباس المذكور في أول الفصل فإنه صلى الله عليه وسلم قال : { هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به ؟ قالوا : إنها ميتة قال : إنما حرم أكلها } وفي رواية النسائي : { إنما حرم الله أكلها } وهذان القولان في حل أكله مشهوران أصحهما عند الجمهور : القديم ، وهو التحريم للحديث ، وهذه المسألة مما يفتى فيه على القديم ، وقد تقدم بيان المسائل التي يفتى فيها على القديم في مقدمة الكتاب . وصححت طائفة الجديد وهو حل الأكل ، منهم القفال في شرح التلخيص والفوراني والروياني والجرجاني في كتابه البلغة وقطع به في التحرير ، ويجاب لهؤلاء عن الحديث بأن المراد تحريم أكل اللحم فإنه المعهود ، هذا حكم جلد المأكول . فأما جلد ما لا يؤكل فالمذهب الجزم بتحريمه ، وبه قطع جماعات منهم القاضي أبو الطيب والمحاملي والدارمي والبغوي وغيرهم ، والوجه الآخر ضعيف وحكى الفوراني عن شيخه القفال أنه قال : لا فرق بين المأكول وغيره ففي الجميع القولان وهذا ضعيف . وقول المصنف : فلأن لا يبيحه الدباغ أولى ، هذه اللام في قوله " فلأن " مفتوحة وهي لام الابتداء كقولك : لزيد قائم أو اللام الموطئة للقسم ، وهي كثيرة التكرار في هذا الكتاب وغيره من كتب الفقه وغيرها . وإنما ضبطتها لأن كثيرا من المبتدئين يكسرونها وذلك خطأ ، وأما الشيخ أبو حاتم فاسمه محمود بن الحسن كان حافظا للمذهب له مصنفات في الأصول والمذهب والخلاف والجدل ، وهو القزويني بكسر الواو منسوب إلى قزوين بكسر الواو المدينة المعروفة بخراسان ، وأما ابن كج فبفتح الكاف وبعدها جيم مشددة اسمه يوسف بن أحمد بن كج له مصنفات كثيرة نفيسة فيها نقول غريبة ومسائل غريبة مهمة لا تكاد توجد لغيره ، تفقه على [ ص: 285 ] أبي الحسين بن القطان وحضر مجلس الداركي ، قتله اللصوص ليلة السابع والعشرين من رمضان سنة خمس وأربعمائة بالدينور ، قال المصنف في الطبقات : جمع ابن كج رئاسة العلم والدنيا ، ورحل إليه الناس من الآفاق رغبة في علمه وجوده ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية