صفحة جزء
[ ص: 27 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( والسنة إذا فرغ من الصلاة أن يخطب لما روى ابن عمر رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبا بكر وعثمان رضي الله عنهما كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة } والمستحب أن يخطب على منبر لما روى جابر رضي الله عنه قال : " { شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم الأضحى فلما قضى خطبته نزل عن منبره } " ويسلم على الناس إذا أقبل عليهم كما قلنا في خطبة الجمعة ، وهل يجلس قبل الخطبة ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) لا يجلس ; لأن في الجمعة [ إنما ] يجلس لفراغ المؤذن من الأذان ، وليس في العيدين أذان ( والثاني ) يجلس وهو المنصوص في الأم لأنه يستريح بها ، ويخطب خطبتين يفصل بينهما بجلسة ، ويجوز أن يخطب من قعود لما روى أبو سعيد الخدري { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم العيد على راحلته } " ولأن صلاة العيد يجوز قاعدا فكذلك خطبتها بخلاف الجمعة ، والمستحب أن يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع ، لما روي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه قال : ( هو من السنة ) ويأتي ببقية الخطبة على ما ذكرناه في الجمعة من ذكر الله تعالى وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم والوصية بتقوى الله تعالى وقراءة القرآن ، فإن كان في عيد الفطر علمهم صدقة الفطر ، وإن كان في عيد الأضحى علمهم الأضحية ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته { لا يذبحن أحد حتى يصلي } ويستحب للناس استماع الخطبة لما روي عن ابن مسعود أنه قال يوم عيد " من شهد الصلاة معنا فلا يبرح حتى يشهد الخطبة " فإن دخل رجل والإمام يخطب ، فإن كان في المصلى استمع الخطبة ولا يشتغل بصلاة العيد ; لأن الخطبة من سنن العيد ويخشى فواتها ; والصلاة لا يخشى فواتها فكان الاشتغال [ بالخطبة ] أولى وإن كان في المسجد ففيه وجهان : قال أبو علي بن أبي هريرة ، يصلي تحية المسجد ولا يصلي صلاة العيد ; لأن الإمام لم يفرغ من سنة العيد فلا يشتغل بالقضاء وقال أبو إسحاق المروزي : يصلي العيد ; لأنها أهم من تحية المسجد وآكد ، وإذا صلاها سقط بها التحية فكان الاشتغال بها أولى كما لو حضر وعليه مكتوبة )


( الشرح ) حديث ابن عمر رضي الله عنهما رواه البخاري ومسلم ، وحديث جابر رواه البخاري ومسلم بمعناه ، ولفظهما قال جابر " { قام النبي [ ص: 28 ] صلى الله عليه وسلم يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة ثم خطب ، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن } فقوله نزل معناه عن المنبر وأما حديث عبيد الله فرواه الشافعي في الأم بإسناد ضعيف ، ومع ضعفه فلا دلالة فيه على الصحيح ; لأن عبيد الله تابعي ، والتابعي إذا قال : من السنة فيه وجهان لأصحابنا حكاهما القاضي أبو الطيب ( أصحهما ) وأشهرهما أنه موقوف ( والثاني ) مرفوع مرسل ، فإن قلنا موقوف فهو قول صحابي لم يثبت انتشاره فلا يحتج به على الصحيح كما سبق ، وإن قلنا : مرفوع فهو مرسل لا يحتج به ، وأما قوله : لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته " { لا يذبحن أحد حتى يصلي } " فهو ثابت في الصحيحين بمعناه من رواية البراء بن عازب وجندب بن عبد الله رضي الله عنهم ( أما الأحكام ) فيسن بعد صلاة العيد خطبتان على منبر ، وإذا صعد المنبر أقبل على الناس وسلم عليهم وردوا عليه كما سبق في الجمعة ، ثم يخطب كخطبتي الجمعة في الأركان والصفات ، إلا أنه لا يشترط القيام فيهما ، بل يجوز قاعدا ومضجعا مع القدرة على القيام والأفضل قائما ، ويسن أن يفصل بينهما بجلسة كما يفصل في خطبتي الجمعة وهل يستحب أن يجلس قبل الخطبتين أول صعوده إلى المنبر ، كما يجلس قبل خطبتي الجمعة ؟ فيه الوجهان المذكوران في الكتاب ( أصحهما ) باتفاق الأصحاب يستحب وهو المنصوص في الأم وذكر المصنف دليل هذا كله ، واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يستحب أن يكبر في أول الخطبة الأولى تسع تكبيرات نسقا ، وفي أول الثانية سبعا

قال الشافعي والأصحاب : ولو أدخل بين هذه التكبيرات الحمد والتهليل والثناء جاز وذكر الرافعي وجها أن صفة هذه التكبيرات كصفة التكبيرات المرسلة والمقيدة التي سنوضحها إن شاء الله تعالى ( واعلم ) أن هذه التكبيرات ليست من نفس الخطبة ، وإنما هي مقدمة لها وقد نص الشافعي وكثيرون من الأصحاب على أنهن لسن من نفس الخطبة ، بل مقدمة لها ، قال البندنيجي : يكبر قبل الأولى تسع تكبيرات وقبل الثانية سبعا ، قال الشيخ أبو حامد : هو ظاهر نص الشافعي ، ولا يغتر [ ص: 29 ] بقول المصنف وجماعة : يستفتح الأولى بتسع تكبيرات ، فإن كلامهم متأول على أن معناه يفتتح الكلام قبل الخطبة بهذه التكبيرات ، لأن افتتاح الشيء قد يكون ببعض مقدماته التي ليست من نفسه ، فاحفظ هذا فإنه مهم خفي ، قال الشافعي والأصحاب : فإن كان في عيد الفطر استحب للخطيب تعليمهم أحكام صدقة الفطر ، وفي الأضحى أحكام الأضحية ، ويبينها بيانا واضحا يفهمونه ويستحب للناس استماع الخطبة ، وليست الخطبة ولا استماعها شرطا لصحة صلاة العيد ، لكن قال الشافعي : لو ترك استماع خطبة العيد أو الكسوف أو الاستسقاء أو خطب الحج ، أو تكلم فيها أو انصرف وتركها ، كرهته ولا إعادة عليه

ولو دخل إنسان والإمام يخطب للعيد ، فإن كان في المصلى جلس واستمع الخطبة ، ولم يصل التحية ، ثم إذا فرغ الإمام فله الخيار إن شاء صلى العيد في الصحراء ، وإن شاء في بيته أو غيره ، هكذا قطع به الجمهور ، ونقلوا الاتفاق عليه ، وقال البندنيجي عن نصه في المختصر قال : ونص في البويطي أنه يصلي العيد قبل أن يدنو من المصلى ، ثم يحضر ويستمع الخطبة ، والمشهور الأول ، فأما إن كان في المسجد فوجهان مشهوران ذكر المصنف دليلهما ( أصحهما ) عند جمهور الأصحاب يصلي العيد ، وتندرج التحية فيه ، وبهذا قال أبو إسحاق المروزي ، وممن صححه الشيخ أبو حامد ، وصاحب الحاوي والقاضي أبو الطيب في المجرد والدارمي والبندنيجي والمحاملي والبغوي وغيرهم ( والثاني ) قاله ابن أبي هريرة يصلي التحية ويؤخر صلاة العيد ، وبهذا قطع سليم الرازي في الكفاية ، وصححه صاحب البيان وهذا الخلاف إنما هو في الأفضل ، هل يصلي التحية ؟ أم العيد ؟ ولا خلاف أنه مأمور بأحدهما ; لأن المسجد لا يجلس فيه إلا بعد صلاة ، فإن صلى التحية - قال أبو إسحاق المروزي والقاضي أبو الطيب وصاحب الشامل وسائر الأصحاب : فالمستحب أن يصلي العيد بعد فراغ الإمام في المسجد ، ولا يؤخرها إلى بيته ، بخلاف ما إذا أدرك الإمام بالمصلى فإنه مخير بين أن [ ص: 30 ] يصلي العيد في المصلى بعد فراغ الإمام ، وبين أن يرجع إلى بيته يصلي ، نص عليه الشافعي قالوا : والفرق أن المصلى لا مزية له على بيته ، وأما المسجد فهو أشرف البقاع ، فكانت صلاته فيه أفضل من بيته ، قال صاحب الشامل وغيره : ويخاف سائر النوافل حيث قلنا : فعلها في البيت أفضل ; لأن هذه الصلاة تسن لها الجماعة ، فكان فعلها في المسجد أولى كالفرائض بخلاف المصلى فإنما استحببناها فيه للإمام لتكثر الجماعة وذلك المعنى مفقود في حق المنفرد ، وهذا كله تفريع على المذهب وهو صحة صلاة العيد للمنفرد وفيه خلاف ذكره المصنف بعد هذا والله أعلم

( فرع ) إذا فرغ الإمام من الصلاة والخطبة ، ثم علم أن قوما فاتهم سماع الخطبة استحب أن يعيد لهم الخطبة ، سواء كانوا رجالا أم نساء ، وممن صرح به من أصحابنا البندنيجي والمتولي ، واحتجوا له بحديث ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم العيد فرأى أنه لم يسمع النساء فأتاهن فذكرهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة } " رواه البخاري ومسلم

( فرع ) لو خطب قبل صلاة العيد فهو مسيء ، وفي الاعتداد بالخطبة احتمال لإمام الحرمين الصحيح بل الصواب أنه لا يعتد بها ، لقوله صلى الله عليه وسلم { صلوا كما رأيتموني أصلي } " وقياسا على السنة الراتبة بعد الفريضة إذا قدمها عليها ، وهذا الذي صححته هو ظاهر نص الشافعي في الأم ، فإنه نص في الأم ونقله أيضا القاضي أبو الطيب في التجريد عن نصه في الأم قال : قال : فإن بدأ بالخطبة قبل الصلاة رأيت أن يعيد الخطبة بعد الصلاة ، فإن لم يفعل لم يكن عليه إعادة صلاة ولا كفارة ، كما لو صلى ولم يخطب هذا نصه بحروفه ، وهو ظاهر في أن الخطبة غير محسوبة ، ولهذا قال : كما لو صلى ولم يخطب

( فرع ) قال الشافعي في الأم : أكره للمساكين إذا حضروا العيد المسألة في حال الخطبتين ، بل ينكفون عن المسألة حتى يفرغ الإمام من الخطبتين ، قال : فإن سألوا فلا شيء عليهم فيها إلا ترك الفضل في الاستماع

[ ص: 31 ] فرع ) قال أصحابنا : الخطب المشروعة عشر ، خطبة الجمعة والعيدين ، والكسوفين والاستسقاء ، وأربع خطب في الحج ، وكلها بعد الصلاة إلا خطبة الجمعة وخطبة الحج يوم عرفة ، وكلها يشرع فيها خطبتان إلا الثلاث الباقية من الحج فإنهن فرادى ، قال أصحابنا : والفرق بين خطبة الجمعة والعيد في التقدم على الصلاة والتأخر من أوجه ذكرناها في باب الجمعة

التالي السابق


الخدمات العلمية