صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ومن مرض استحب له أن يصبر لما روي : " { أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ادع الله أن يشفيني فقال إن شئت دعوت الله فشفاك ، وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك ، قالت : أصبر ولا حساب علي } " ويستحب أن يتداوى لما روى أبو الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 98 ] قال : " { إن الله تعالى أنزل الداء والدواء ، وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بالحرام } " ويكره أن يتمنى الموت لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا بد متمنيا فليقل : اللهم أحيني ما دامت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي } " ) .


( الشرح ) حديث المرأة التي طلبت رواه البغوي بلفظه من رواية أبي هريرة ورواه البخاري ومسلم من رواية ابن عباس " { أن امرأة سوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة أصرع ، وإني أتكشف فادع الله لي ، فقال : إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ، فقالت : أصبر } " . وأما حديث أنس فرواه البخاري ومسلم .

وأما حديث أبي الدرداء فرواه أبو داود في سننه في كتاب الطب بإسناد فيه ضعف ، ولم يضعفه أبو داود ، وقد قدمنا أن ما لم يضعفه فهو عنده صحيح أو حسن . قال أصحابنا وغيرهم : يستحب للمريض ومن به سقم وغيره من عوارض الأبدان أن يصبر ، وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة على فضل الصبر ، وقد جمعت جملة من ذلك في باب الصبر في أول كتاب رياض الصالحين ويكفي في فضيلته قوله تعالى ( { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } ) .

ويستحب التداوي لما ذكره المصنف مع غيره من الأحاديث المشهورة في التداوي وإن ترك التداوي توكلا فهو فضيلة .

ويكره تمني الموت لضر في بدنه أو ضيق في دنياه ونحو ذلك للحديث المذكور ، ولا يكره لخوف فتنة في دينه ، ذكره البغوي في شرح السنة وآخرون ، وهو ظاهر مفهوم من حديث أنس المذكور ، وقد جاء عن كثيرين من السلف تمني الموت للخوف على دينه .

( فرع ) في جملة من الأحاديث الواردة في الدواء والتداوي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء } " رواه البخاري .

وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه [ ص: 99 ] قال " { لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل } " رواه مسلم .

وعن أسامة بن شريك قال " { أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رءوسهم الطير فسلمت ثم قعدت فجاء الأعراب من هاهنا وها هنا فقالوا : يا رسول الله نتداوى ؟ قال : تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير الهرم } رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم بأسانيد صحيحة . قال الترمذي حديث حسن صحيح . وعن أبي سعيد { أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن بطن أخي قد استطلق فقال اسقه العسل ، فأتاه فقال : قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا ، فقال : اسقه عسلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثالثة أو الرابعة : صدق الله وكذب بطن أخيك ، اسقه عسلا } " رواه البخاري ومسلم .

وعن أبي هريرة { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للشونيز عليكم بهذه الحبة السوداء فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام ، يريد به الموت } " رواه البخاري ومسلم وعن سعيد بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين } " رواه البخاري ومسلم وعن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " { التلبينة مجمة لفؤاد المريض وتذهب بعض الحزن } " رواه البخاري ومسلم التلبينة حساء من دقيق ، ويقال له التلبين أيضا لأنه يشبه بياض اللبن .

وأما حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم { لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله يطعمهم ويسقيهم } " فضعيف ضعفه البخاري والبيهقي وغيرهما وضعفه ظاهر ، وادعى الترمذي أنه حسن . وسنذكر في آخر باب الأطعمة إن شاء الله تعالى جملا تتعلق بالتداوي ونحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية