صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وينبغي أن يكون حسن الظن بالله تعالى ، لما روى جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى } " ) .


[ ص: 100 ] الشرح ) حديث جابر رواه مسلم ، وفيه زيادة في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل وفاته بثلاثة أيام ، ومعنى يحسن الظن بالله تعالى أن يظن أن الله تعالى يرحمه ، ويرجو ذلك ، ويتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله سبحانه وتعالى ، وعفوه ورحمته وما وعد به أهل التوحيد ، وما ينشره من الرحمة لهم يوم القيامة كما قال سبحانه وتعالى في الحديث الصحيح " { أنا عند ظن عبدي بي } " هذا هو الصواب في معنى الحديث ، وهو الذي قاله جمهور العلماء وشذ الخطابي فذكر معه تأويلا آخر أن معناه أحسنوا أعمالكم حتى يحسن ظنكم بربكم ، فمن حسن عمله حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنه ، وهذا تأويل باطل نبهت عليه لئلا يغتر به . واتفق أصحابنا وغيرهم على أنه يستحب للمريض ومن حضرته أسباب الموت ومعاناته أن يكون حسن الظن بالله تعالى ، بالمعنى الذي ذكرناه ، راجيا رحمته ، وأما في حال الصحة ففيه وجهان لأصحابنا حكاهما القاضي حسين وصاحبه المتولي وغيرهما ( أحدهما ) يكون خوفه ورجاؤه سواء ( والثاني ) يكون خوفه أرجح ، قال القاضي : هذا الثاني هو الصحيح هذا قول القاضي ( والأظهر ) أن الأول أصح ، ودليله ظواهر القرآن العزيز ، فإن الغالب فيه ذكر الترغيب والترهيب مقرونين كقوله تعالى ( { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } ) .

( { إن الأبرار لفي نعيم ، وإن الفجار لفي جحيم } ) .

( { فأما من أوتي كتابه بيمينه } ) .

( { وأما من أوتي كتابه بشماله } ) ونظائره مشهورة وقال " { فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون } " وقال " { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } . وقد تتبعت الأحاديث الصحيحة الواردة في الخوف والرجاء ، وجمعتها في كتاب رياض الصالحين ، فوجدت أحاديث الرجاء أضعاف الخوف ، مع ظهور الرجاء فيها ، وبالله التوفيق . [ ص: 101 ] ويستحب للحاضر عند المحتضر أن يطمعه في رحمة الله تعالى ، ويحثه على تحسين ظنه بربه سبحانه وتعالى ، وأن يذكر له الآيات والأحاديث في الرجاء وينشطه لذلك ، ودلائل ما ذكرته كثيرة في الأحاديث الصحيحة ، وقد ذكرت منها جملة في كتاب الجنائز من كتاب الأذكار ، وفعله ابن عباس لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم عند احتضاره ، وبعائشة أيضا ، وفعله ابن عمرو بن العاص بأبيه وكله في الصحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية