صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وفي تقليم أظفاره ، وحف شاربه ، وحلق عانته قولان : ( أحدهما ) : يفعل ذلك ; لأنه تنظيف ، فشرع في حقه كإزالة الوسخ ( والثاني ) : يكره ، وهو قول [ ص: 140 ] المزني ; لأنه قطع جزء منه فهو كالختان ، قال الشافعي : ولا يحلق شعر رأسه ، قال أبو إسحاق إن لم يكن له جمة حلق رأسه ; لأنه تنظيف ، فهو كتقليم الأظفار ، والمذهب الأول ; لأن حلق الرأس يراد للزينة لا للتنظيف ) .


( الشرح ) في قلم أظفار الميت ، وأخذ شعر شاربه ، وإبطه ، وعانته قولان : ( الجديد ) أنها تفعل ( والقديم ) لا تفعل وللأصحاب طريقان : ( أحدهما ) : أن القولين في الاستحباب والكراهة ( أحدهما ) : يستحب ( والثاني ) : يكره ، وهذه طريقة المصنف هنا ، وشيخه القاضي أبي الطيب في تعليقه ، وصاحب الحاوي ، والغزالي في الوسيط والخلاصة ، وصاحب التهذيب ، والروياني في الحلية ، وآخرين من الأصحاب . قال صاحب الحاوي : القول الجديد : أنه مستحب وتركه مكروه وقطع المصنف في التنبيه ، والجرجاني في التحرير ، باستحبابه ( والطريق الثاني ) : أن القولين في الكراهة وعدمها ( أحدهما ) : يكره ( والثاني ) : لا يكره ولا يستحب قطعا ، وبهذا الطريق قال الشيخ أبو حامد والمحاملي والبندنيجي وابن الصباغ والشاشي وآخرون وهو ظاهر نص الشافعي في الأم ، فإنه قال : من الناس من كره أخذه ، ومنهم من رخص فيه .

وأما قول الرافعي : لا خلاف أن هذه الأمور لا تستحب ، وإنما القولان في الكراهة ( فمردود ) بما قدمته من إثبات الخلاف في الاستحباب مع جزم من جزم ، وعجب قوله هذا مع شهرة هذه الكتب ، لا سيما الوسيط والمهذب والتنبيه .

وأما الأصح من القولين فصحح المحاملي أنه لا يكره ، وقطع به في كتابه المقنع وصحح غيره الكراهة ، وهو المختار ونقله البندنيجي عن نص الشافعي في عامة كتبه ، منها الأم ومختصر الجنائز والقديم ، وقد قال الشافعي في مختصر المزني : من أصحابنا من رأى حلق الشعر وتقليم الأظفار ، ومنهم من لم يره . قال الشافعي : وتركه أعجب إلي . هذا نصه وهو صريح في ترجيح تركه ولم يصرح الشافعي في شيء من كتبه باستحبابه جزما ، إنما حكى اختلاف شيوخه في استحبابه وتركه ، واختار هو تركه ، فمذهبه تركه وما سواه [ ص: 141 ] ليس مذهبا له ، فيتعين ترجيح تركه ويؤيده أيضا أن الشافعي قال في المختصر والأم : ويتتبع الغاسل ما تحت أظافير الميت بعود حتى يخرج الوسخ . قال القاضي أبو الطيب في تعليقه : قال أصحابنا : هذا تفريع من الشافعي على أنه يترك أظافيره ، وأما إذا قلنا : تزال فلا حاجة إلى العود ، فحصل أن المذهب أو الصواب ترك هذه الشعور والأظفار ; لأن أجزاء الميت محترمة فلا تنتهك بهذا ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم في هذا شيء فكره فعله ، وإذا جمع الطريقان حصل ثلاثة أقوال : ( المختار ) : يكره ( والثاني ) : لا يكره ولا يستحب .

( والثالث ) : يستحب ، وممن استحبه سعيد بن المسيب وابن جبير والحسن البصري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ، وممن كرهه مالك وأبو حنيفة والثوري والمزني وابن المنذر والجمهور ، ونقله العبدري عن جمهور العلماء . قال أصحابنا : وإذا قلنا : تزال هذه الشعور ، فللغاسل أن يأخذ شعر الإبط والعانة بالمقص أو الموسى أو النورة ، فإن نوره غسل موضع النورة ، هذا هو المذهب والمنصوص في الأم ، وبه قطع الجمهور ، وفيه وجه أنه يتعين النورة في العانة لئلا ينظر إلى عورته ، وبهذا قطع البندنيجي والمحاملي في المجموع . ووجه ثالث أنه يستحب النورة في العانة والإبط جميعا ، وبه جزم صاحب الحاوي ، والمذهب التخيير كما سبق ، لكن لا يمس ولا ينظر من العورة إلا قدر الضرورة .

وأما الشارب فاتفق الأصحاب على أنه إذا قلنا يزال أزاله بالمقص كما يزيله في الحياة . قال المحاملي وغيره : يكره حف الشارب في حق الحي والميت جميعا ، ولكن يقصه بحيث لا تنكشف شفته .

وأما قول المصنف حف شاربه ، فمراده قصه لا حقيقة الحف ، كما قاله أصحابنا ، وإذا قلنا : يزيل هذه الشعور والأظفار استحب إزالتها قبل الغسل ، صرح به المحاملي وابن الصباغ وغيرهما . قال ابن الصباغ في أول باب غسل الميت : يفعلها [ ص: 142 ] قبل غسله ، قال : وقد أخل المزني بالترتيب فذكره بعد الغسل وكان ينبغي أن يذكره قبله . قلت : وكذا عمل المصنف وجمهور الأصحاب ذكروه بعد الغسل ، وكأنهم تأسوا بالمزني رحمه الله ، ولا يلزم من هذا أنهم يخالفون في استحباب تقديمه ، وقد أشار المصنف إلى تقديمه بقوله قبل هذا : ويتتبع ما تحت أظفاره إن لم يكن قلمها .

وأما شعر الرأس فقال الشافعي رحمه الله لا يحلقه . قال أصحابنا رحمهم الله : إن كان لا يعتاد حلق رأسه بأن كان ذا جمة وهي الشعر المسترسل الذي نزل إلى المنكبين لم يحلق بلا خلاف ، وإن كان عادته حلقه فطريقان : ، المذهب وبه قطع الجمهور لا : يحلق .

( الثاني ) : على القولين في الأظفار والشارب والإبط والعانة ، وهذا التفصيل الذي ذكرته بين المعتاد وغيره هو المعروف في المذهب ، وكلام المصنف محمول عليه .

وأما ختان من مات قبل أن يختن ففيه ثلاث طرق ( المذهب ) وبه قطع المصنف والجمهور لا يختن .

( والطريق الثاني ) : فيه قولان : كالشعر والظفر ، حكاه الدارمي ( والثالث ) : فيه ثلاثة أوجه : حكاه صاحب البيان ، الصحيح : لا يختن ، والثاني : يختن : والثالث : يختن البالغ دون الصبي ; لأنه وجب على البالغ دون الصبي ( والصحيح ) الجزم بأنه لا يختن مطلقا ; لأنه جزء فلم يقطع كيده المستحقة في قطع سرقة أو قصاص ، فقد أجمعوا أنها لا تقطع ، ويخالف الشعر والظفر فإنهما يزالان في الحياة للزينة ، والميت يشارك الحي في ذلك ، والختان يفعل للتكليف به ، وقد زال بالموت ، والله أعلم .

( فرع ) في الشعور المأخوذة من شاربه وإبطه وعانته وأظفاره وما انتتف من تسريح رأسه ولحيته وجلدة الختان إذا قلنا : يختن وجهان : ( أحدهما ) : يستحب أن يصر كل ذلك معه في كفنه ويدفن . وبهذا قطع القاضي حسين وصاحبه البغوي والغزالي في الوسيط والخلاصة وصاحب العدة والرافعي وغيرهم . وأشار إليه المصنف في كتابه في الخلاف .

( والثاني ) : يستحب أن لا يدفن معه بل يوارى في الأرض غير القبر . [ ص: 143 ] وهذا اختيار صاحبه . فإنه حكى عن الأوزاعي استحباب دفنها معه . ثم قال : والاختيار عندنا أنها لا تدفن معه ; لأنه لم يرد فيه خبر ولا أثر والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية