صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ويستحب للغاسل إذا رأى من الميت ما يعجبه أن يتحدث به . وإن رأى ما يكره لم يجز أن يتحدث به . لما روى أبو رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من غسل ميتا فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة } ) .


( الشرح ) حديث أبي رافع رواه الحاكم في المستدرك ، قال : هو صحيح على شرط مسلم وأبو رافع اسمه مسلم وقيل : إبراهيم . وقيل : ثابت وقيل : هرمز توفي في خلافة علي رضي الله عنه وقيل غير ذلك ، وهذا الحكم الذي قاله المصنف قاله جمهور الأصحاب . وقال صاحب البيان رحمه الله : لو كان الميت مبتدعا مظهرا لبدعته ، ورأى الغاسل ما يكره فالذي يقتضيه القياس أن يتحدث به في الناس ; للزجر عن بدعته ، وهذا الذي قاله صاحب البيان متعين لا عدول عنه ، والحديث وكلام الأصحاب خرجا على الغالب ، وقد جاءت نصوص في هذا وعكسه ، وسنوضحها إن شاء الله في آخر باب التعزية ، والله أعلم .

( فرع ) في مسائل تتعلق بالباب : ( إحداها ) : يجوز للجنب والحائض غسل الميت بلا كراهة وكرههما الحسن وابن سيرين ، وكره مالك الجنب . دليلنا أنهما طاهران كغيرهما .

[ ص: 146 ] الثانية ) : قد سبق في باب إزالة النجاسة أن الآدمي هل ينجس بالموت ؟ قولان : سواء المسلم والكافر ( أصحهما ) : لا ينجس ( والثاني ) : ينجس ، وأما غسالته فإن قلنا : لا ينجس بالموت فطاهرة ، وإن قلنا : ينجس فالقياس أنها نجسة ونقل الدارمي عن أبي إسحاق المروزي أن غسالته طاهرة ، سواء قلنا بطهارة الآدمي أم بنجاسته ، قال الدارمي : في هذا نظر .

( الثالثة ) : ذكرنا أنه يستحب أن يغسل الميت ثلاثا ، فإن لم يحصل الإنقاء بها زاد حتى يحصل الإنقاء ، قال السرخسي : قال القفال : وإذا حصل الإنقاء بالثلاث لا بأس أن يزيد عليها إذا بلغ به وترا آخر ، بخلاف طهارة الحي ، فإنه يمنع من الزيادة على ثلاث ، والفرق أن طهارة الحي محض تعبد ، وهنا المقصود التنظيف وإزالة الشعث .

( الرابعة ) : سبق أن مذهبنا استحباب المضمضة في غسل الميت والاستنشاق ، وبه قال مالك وأحمد وداود وابن المنذر وقال أبو حنيفة لا يشرعان وحكاه ابن المنذر عن سعيد بن جبير والنخعي والثوري . دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم " { وابدأن بمواضع الوضوء منها } " ومذهبنا استحباب تسريح شعر الميت ، قال العبدري : وقال أبو حنيفة وسائر الفقهاء : لا يسرح . دليلنا حديث أم عطية السابق في أول الباب ، ومذهبنا استحباب الكافور في الغسلة الأخيرة ، وفي غيرها الخلاف السابق . قال العبدري : وبهذا قال عامة الفقهاء وقال أبو حنيفة : لا يستحب دليلنا حديث أم عطية . ومذهبنا استحباب غسل الميت ثلاثا فإن لم يحصل الإنقاء زدنا حتى يحصل ويستحب بعده الإيتار وبهذا قال جمهور العلماء . وقال مالك : لا تقدير للاستحباب دليلنا حديث أم عطية رضي الله عنها .

التالي السابق


الخدمات العلمية