صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( والمستحب أن يكون الكفن أبيض لحديث عائشة رضي الله عنها والمستحب أن يكون حسنا ، لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه } " وتكره المغالاة فيه لما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سلبا سريعا } " والمستحب أن يبخر الكفن ثلاثا لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { إذا جمرتم الميت فجمروه ثلاثا } " ) .


[ ص: 155 ] الشرح ) حديث عائشة رضي الله عنها سبق بيانه أنه في الصحيحين وحديث علي رضي الله عنه رواه أبو داود بإسناد حسن ولم يضعفه .

وحديث جابر الأول رواه مسلم ، وحديثه الآخر رواه أحمد بن حنبل في مسنده ، والحاكم في المستدرك والبيهقي وإسناده صحيح ، قال الحاكم هو صحيح على شرط مسلم ، ولكن روى البيهقي عن يحيى بن معين أنه قال : لم يرفعه إلا يحيى بن آدم . قال يحيى بن معين : ولا أظنه إلا غلطا ، قلت : كأن يحيى بن معين فرعه على قاعدة أكثر المحدثين أن الحديث إذا روي مرفوعا وموقوفا حكم بالوقف ، والصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول ومحققو المحدثين أنه يحكم بالرفع ; لأنها زيادة ثقة ، ولفظ رواية الحاكم والبيهقي " { إذا أجمرتم الميت فأوتروا } " قال البيهقي . وروى " { جمروا كفن الميت ثلاثا } " ولفظ رواية أحمد " { إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا } " .

( وقوله ) : يكون الكفن أبيض أي : ثيابا بيضا ، والإجمار التبخر ، وقوله : صلى الله عليه وسلم فليحسن كفنه - هو بفتح الفاء - كذا ضبطه الجمهور وحكى القاضي عياض عن بعض الرواة إسكان الفاء أي : فعل التكفين من الإشباع ، والعموم ، والأول هو الصحيح ، أي : يكون الكفن حسنا ، وسأذكر إن شاء الله تعالى قريبا معنى تحسينه .

( أما الأحكام ) ففيها مسائل : ( إحداها ) : يستحب أن يكون الكفن أبيض لحديث عائشة المذكور والحديثين السابقين في باب هيئة الجمعة .

( الثانية ) يستحب تحسين الكفن ، قال أصحابنا : والمراد بتحسينه بياضه ونظافته ، وسوغه وكثافته ، لا كونه ثمينا ، لحديث النهي عن المغالاة ، وتكره المغالاة فيه للحديث . قال القاضي حسين والبغوي الثوب الغسيل أفضل من الجديد ، ودليله حديث عائشة قالت : نظر أبو بكر رضي الله عنه إلى ثوب كان يمرض فيه فقال " اغسلوا هذا وزيدوا عليه ثوبين ، وكفنوني فيها ، قلت : إن هذا خلق ، قال : الحي أحق بالجديد من الميت ، إنما هو للمهلة " رواه البخاري - والمهلة بضم الميم وكسرها وفتحها - هي دم الميت [ ص: 156 ] وصديده ، ونحوه . قال أصحابنا رحمهم الله : ويجوز تكفين كل إنسان فيما يجوز له لبسه في الحياة فيجوز من القطن والصوف والكتان والشعر والوبر وغيرها ، وأما الحرير فيحرم تكفين الرجل فيه ، وأما المرأة فالمشهور القطع بجواز تكفينها فيه ; لأنه يجوز لها لبسه في الحياة ، لكن يكره تكفينها فيه ; لأن فيه سرفا ويشبه إضاعة المال ، بخلاف اللبس في الحياة فإنه تجمل للزوج ، وحكى صاحب البيان في زيادات المهذب وجها أنه لا يجوز ، وأما المعصفر والمزعفر فلا يحرم تكفينها فيه بلا خلاف ولكن يكره على المذهب وبه قطع الأكثرون وحكى صاحبا العدة والبيان وجهين : ثانيهما لا يكره ، قالا : وهو مذهب أبي حنيفة قال أصحابنا : ويعتبر في الكفن المباح حال الميت ، فإن كان مكثرا من المال فمن جياد الثياب ، وإن كان متوسطا فأوسطها ، وإن كان مقلا فخشنها ، هذه عبارة الشيخ أبي حامد والبندنيجي وغيرهما .

( الثالثة ) : يستحب تبخير الكفن إلا في حق المحرم والمحرمة ، قال أصحابنا : صفة ذلك أن يجعل الكفن على عود وغيره ، ثم يبخر كما يبخر ثياب الحي حتى تعبق بها رائحة الطيب ، قال أصحابنا ، ويستحب أن يكون الطيب عودا ويكون العود غير مطيب بالمسك ، فإن كان مطيبا به جاز ، ويستحب تطييبه ثلاثا للحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية