صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( إذا مات محرم لم يقرب مطيب ولم يلبس المخيط ولم يخمر رأسه لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن { النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي خر من بعيره اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما ولا تقربوه طيبا ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا } وإن ماتت معتدة عن وفاة ، ففيه وجهان ( أحدهما ) : لا تقرب الطيب لأنها ماتت والطيب يحرم عليها ، فلم يسقط تحريمه بالموت كالمحرمة ( والثاني ) : تقرب الطيب ; لأنه حرم عليها في العدة حتى لا يدعو ذلك إلى نكاحها وقد زال هذا المعنى بالموت ) .


( الشرح ) حديث ابن عباس رواه البخاري ومسلم رحمهما الله ، وسبق بيانه في أول الباب ، قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله : إذا مات المحرم والمحرمة حرم تطييبه ، وأخذ شيء من شعره أو ظفره وحرم ستر رأس الرجل وإلباسه مخيطا ، وعقد أكفانه ، وحرم ستر وجه المحرمة ، وكل هذا لا خلاف فيه ، ويجوز إلباس المرأة القميص والمخيط ، كما في الحياة ، ولو قال المصنف : يجب تجنيبه ما يجب عليه اجتنابه في حياته لكان أحسن ، بل هو الصواب الذي لا بد منه .

[ ص: 165 ] قال الشافعي رحمه الله في الأم : ولا يعقد على الرجل ثوب ، ولا يلبس قميصا ولذا قال الشيخ أبو حامد والمحاملي والجرجاني والأصحاب : لا يعقد عليه ثوب كما لا يلبس قميصا في الحياة ، ، وهذا لا خلاف فيه ، وهو جار على القاعدة التي سنذكرها إن شاء الله تعالى في باب الإحرام ، أنه يحرم عليه عقد الرداء ولا يحرم عقد الإزار ، وهذا الذي ذكرناه من تحريم الطيب سواء فيه الرجل والمرأة ، كما ذكرنا ، وسواء الطيب في بدنه وأكفانه ، والماء الذي يغسل به ، وهو الكافور ، فكله حرام . ونقل القاضي أبو الطيب في كتابه " المجرد " أن الشافعي نص في الجامع الكبير أنه لا يطرح الكافور في مائه ، واتفق الأصحاب عليه ، وأما التجمير وهو التبخير عند غسله فلا بأس به ، كما لا يمنع المحرم من الجلوس عند العطار ، قال أصحابنا : فإن طيبه إنسان أو ألبسه مخيطا عصى الفاعل ولا فدية عليه . كما لو قطع طرفا من أطراف الميت عصى ولا غرم عليه .

وأما إذا ماتت معتدة محدة فهل يحرم تطييبها ؟ فيه وجهان : ذكر المصنف دليلهما ( أحدهما ) : وهو قول أبي إسحاق المروزي : يحرم ( والثاني ) : وهو . الصحيح باتفاق الأصحاب : لا يحرم ، قال المتولي : هو قول عامة أصحابنا إلا أبا إسحاق المروزي ، قال الماوردي والمحاملي في التجريد : وليست مسألة المعتدة منصوصة للشافعي رحمه الله ، وقول المصنف معتدة عن وفاة ، يحترز به معتدة رجعية وغيرها ممن لا حداد عليها ، وأما البائن فإن قلنا بالضعيف من القولين أن عليها الإحداد فهي كالمتوفى عنها ، فيكون فيها الوجهان ، ولو قال المصنف : معتدة حادة أو محدة كما ذكرناه وقاله غيره ، لكان أحسن وأعم ، لتدخل البائن على القول الضعيف وكأنه ترك هذا القول لضعفه فلم يحترز عنه .

( فرع ) قال القاضي أبو الطيب في تعليقه : هل يبطل صوم الإنسان بالموت ؟ كما تبطل صلاته به أم لا تبطل كما لا يبطل حجه ؟ بل يبقى حكمه ويبعث يوم القيامة ملبيا ؟ فيه وجهان لأصحابنا : والأصح : بطلانه وهو ظاهر كلام الأصحاب .

[ ص: 166 ] فرع ) في مذاهب العلماء في غسل المحرم وتكفينه قد ذكرنا أن مذهبنا تحريم تطييبه وإلباسه مخيطا وستر رأسه . وبه قال عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وابن عباس وعطاء والثوري وأحمد وإسحاق وداود وابن المنذر . وقالت عائشة وابن عمر وطاوس والأوزاعي وأبو حنيفة ومالك : يطيب ويلبس المخيط كسائر الموتى . دليلنا الحديث المذكور .

( فرع ) في مسائل تتعلق بالباب إحداها إذا نبش القبر وأخذ الكفن قال صاحب التتمة يجب تكفينه ثانيا سواء كفن من ماله أو من مال من عليه نفقته أو من بيت المال ; لأن العلة في المرة الأولى الحاجة وهي موجودة . وقال صاحب الحاوي : إذا كفن من ماله ثم اقتسم الورثة التركة . ثم نبش وسرق الكفن وترك عريانا استحب للورثة أن يكفنوه ثانيا ولا يلزمهم ذلك ; لأنه لو لزمهم ثانيا للزمهم إلى ما لا يتناهى ، ولوكفن ثم أكله سبع واستغنى عن كفنه فلمن يكون الكفن ؟ فيه تفصيل وخلاف يأتي إن شاء الله في باب السرقة حيث ذكره المصنف .

( الثانية ) : قال الصيمري وغيره : لا يستحب أن يعد الإنسان كفنا ; لئلا يحاسب عليه ، وهذا الذي قاله صحيح إلا إذا كان من جهة يقطع بحلها أو من أثر بعض أهل الخير من العلماء ، أو العباد ، ونحو ذلك ، فإن ادخاره حينئذ حسن ، وقد ثبت في صحيح البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن { النبي صلى الله عليه وسلم كان عليه بردة فطلبها رجل منه فأعطاه إياها فقال له الصحابة : ما أحسنت سألته وعلمت أنه لا يرد ، قال : إني والله ما سألته لألبسه ، إنما سألته ليكون كفني ، قال سهل : فكانت كفنه } " .

( الثالثة ) ذكرنا أن مذهبنا استحباب تكفين البالغ والصبي في ثلاثة أثواب وبه قال جمهور العلماء ، قال ابن المنذر : وكان سويد بن غفلة يكفن [ ص: 167 ] في ثوبين ، قال : وقال أبو حنيفة النعمان : يكفن في ثوبين ، وكان ابن عمر يكفن في خمسة . ( وأما ) الصبي فقال ابن المنذر : قال ابن المسيب يكفن في ثوب ، وقال أحمد وإسحاق في خرقة ، فإن كفن في ثلاثة فلا بأس ، وعن الحسن وأصحاب الرأي ثوبين ، واختار ابن المنذر ثلاثة .

( وأما ) المرأة فذكرنا أن مذهبنا أنه يستحب تكفينها في خمسة أثواب ، قال ابن المنذر : وبه قال أكثر العلماء ، منهم الشعبي وابن سيرين والنخعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي ، وقال عطاء ثلاثة أثواب درع وثوب تحته ولفافة فوقهما وقال سليمان بن موسى : درع وخمار ولفافة .

التالي السابق


الخدمات العلمية