صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وأما اللبن في ضرع الشاة الميتة فهو نجس ; لأنه ملاق للنجاسة فهو كاللبن في إناء نجس . وأما البيض في جوف الدجاجة الميتة فإن لم يتصلب قشره فهو كاللبن ، وإن تصلب قشره لم ينجس كما لو وقعت بيضة في شيء نجس ) .


( الشرح ) أما مسألة اللبن فهو نجس عندنا بلا خلاف ، هذا حكم لبن الشاة وغيرها من الحيوان الذي ينجس بالموت ، فأما إذا ماتت امرأة وفي [ ص: 300 ] ثديها لبن - فإن قلنا ينجس الآدمي بالموت - فاللبن نجس كما في الشاة . وإن قلنا بالمذهب : إن الآدمي لا ينجس بالموت فهذا اللبن طاهر ; لأنه في إناء طاهر ، وقد ذكر الروياني المسألة في آخر باب بيع الغرر . والله أعلم .

وأما البيضة ففيها ثلاثة أوجه حكاها الماوردي والروياني والشاشي وآخرون أصحها وبه قطع المصنف والجمهور : إن تصلبت فطاهرة ، وإلا فنجسة .

( والثاني ) : طاهرة مطلقا .

( والثالث ) : نجسة مطلقا ، وحكاه المتولي عن نص الشافعي ، وهذا نقل غريب شاذ ضعيف . قال صاحبا الحاوي والبحر : ولو وضعت هذه البيضة تحت طائر فصارت فرخا كان الفرخ طاهرا على الأوجه كلها كسائر الحيوان . ولا خلاف أن ظاهر هذه البيضة نجس ، وأما البيضة الخارجة في حياة الدجاجة فهل يحكم بنجاسة ظاهرها ؟ فيه وجهان ، حكاهما الماوردي والروياني والبغوي وغيرهم بناء على الوجهين في نجاسة رطوبة فرج المرأة ، وكذا الوجهان في الولد الخارج في حال الحياة ، ذكرهما الماوردي والروياني . وأما إذا انفصل الولد حيا بعد موتها فعينه طاهرة بلا خلاف ، ويجب غسل ظاهره بلا خلاف . واذا استحالت البيضة المنفصلة دما فهل هي نجسة أم طاهرة ؟ وجهان ، ولو اختلطت صفرتها ببياضها فهي طاهرة بلا خلاف ، وسنعيد المسألة في باب إزالة النجاسة مبسوطة - إن شاء الله تعالى - . والدجاجة والدجاج بفتح الدال وكسرها لغتان ، والفتح أفصح . والله أعلم .

( فرع ) قد ذكرنا أن اللبن في ضرع الميتة نجس ، هذا مذهبنا وقول مالك وأحمد ، وقال أبو حنيفة : هو طاهر ، واحتج له بأنه يلاقي نجاسة باطنية فكان طاهرا كاللبن من شاة حية ، فإنه يخرج من بين فرث ودم ، قالوا : ولأن نجاسة الباطن لا حكم لها ، بدليل أن المني طاهر عندكم ويخرج من مخرج البول . واحتج أصحابنا بأنه ملاق لنجاسة فهو كلبن في إناء نجس . وأجابوا عن قولهم : إن اللبن يلاقي الفرث والدم بأنا لا نسلم الملاقاة ; لأن الفرث في الكرش ، والدم في العروق ، واللبن بينه وبينهما حجاب رقيق ، وأما قولهم نجاسة الباطن لا حكم لها فغير مسلم ، بل لها حكم إذا انفصل [ ص: 301 ] ما لاصقها ، ولهذا لو ابتلع جوزة وتقايأها صارت نجسة الظاهر . وأما المني فقال ابن الصباغ : إن سلمنا أن مخرجه مخرج البول فالفرق أنه عفي عنه لعموم البلوى به ، وتعذر الاحتراز عنه ، بخلاف اللبن في الشاة الميتة وأما مسألة البيض في دجاجة ميتة فقد ذكرنا فيها ثلاثة أوجه لأصحابنا ، وحكي تنجيسها عن علي بن أبي طالب وابن مسعود ومالك رضي الله عنهم ، وطهارتها عن أبي حنيفة . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية