صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وأولى الناس بالصلاة عليه الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم على ترتيب العصبات ، لأن القصد من الصلاة الدعاء للميت ودعاء هؤلاء أرجى للإجابة ، فإنهم أفجع بالميت من غيرهم فكانوا بالتقديم أحق فإن اجتمع أخ من أب وأم وأخ من أب ، فالمنصوص أن الأخ من الأب والأم أولى . ومن أصحابنا من قال فيه قولان : ( أحدهما ) : هذا ( والثاني ) : أنهما سواء ; لأن الأم لا مدخل لها في التقديم في الصلاة على الميت فكان في الترجيح بها قولان : كما نقول في ولاية النكاح ومنهم من قال : الأخ من الأب والأم أولى قولا واحدا لأن الأم - وإن لم يكن لها مدخل في التقديم - إلا أن لها مدخلا في الصلاة على الميت ، فرجح بها قولا واحدا ، كما نقول في الميراث يقدم بها الأخ من الأب والأم على الأخ من الأب حين كان لها مدخل في الميراث ، وإن لم يكن لها مدخل في التعصيب قال الشافعي رحمه الله : وإن اجتمع وليان في درجة قدم الأسن لأن دعاءه أرجى إجابة ، فإن لم ( يحمد ) الأسن قدم الأقرأ الأفقه ; لأنه أفضل وصلاته أكمل فإن استويا أقرع بينهما ; لأنهما تساويا في التقديم فأقرع بينهما ، وإن اجتمع حر وعبد هو أقرب إليه من الحر فالحر أولى من أهل الولاية والعبد ليس من أهل الولاية ، وإن اجتمع الوالي والولي المناسب ففيه قولان : قال في القديم : الوالي أولى لقوله صلى الله عليه وسلم [ ص: 175 ] { لا يؤم الرجل في سلطانه } وقال في الجديد : الولي أولى ; لأنه ولاية تترتب فيها العصبات فقدم الولي على الوالي ، كولاية النكاح ) .


( الشرح ) قوله : لقوله : صلى الله عليه وسلم { لا يؤم الرجل في سلطانه } رواه مسلم وسبق بيانه في باب صفة الأئمة . وقوله قال الشافعي رحمه الله : فإن لم يحمد الأسن هو بياء مضمومة ثم حاء مهملة ساكنة ثم ميم مفتوحة ، أي : لم يكن محمود الطريقة ، بأن يكون فاسقا أو مبتدعا هكذا فسره الأصحاب ، زاد المحاملي في التجريد : أو جاهلا ، زاد المحاملي أيضا في المجموع : أو يهوديا أسلم ، وفي هذا إشارة إلى ما ذكره غيره أنه إنما يقدم بالسن في الإسلام كسائر الصلوات ، لكن في تسمية هذا غير محمود الحال نظر ( وقوله ) ; لأنها ولاية تترتب فيها العصبات ، فقدم فيه الولي على الوالي ، كولاية النكاح احتراز من إقامة حدود الله تعالى . أما أحكام الفصل ففيه مسائل : ( إحداها ) : إذا اجتمع الولي المناسب والوالي فقولان مشهوران : ( القديم ) : أن الوالي أولى ، ثم إمام المسجد ثم الولي ( والجديد ) : الصحيح أن الولي مقدم على الوالي وإمام المسجد ، وممن صرح بتقديم إمام المسجد على الولي تفريعا على القديم صاحب التهذيبوالرافعي ، واحتجوا للقديم بحديث { لا يؤم الرجل في سلطانه } وللجديد بأنها ولاية تترتب فيها العصبات ، فقدم الولي على الوالي كالنكاح ، وحملوا الحديث على غير صلاة الجنازة ، وممن قال بتقديم الوالي علقمة والأسود والحسن البصري وسويد بن غفلة ومالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق قال ابن المنذر : هو قول أكثر أهل العلم ، قال : وبه أقول ، قال : وروي عن علي ولا يثبت عنه ، وممن قال بتقديم الولي الضحاك وأبو يوسف .

( الثانية ) قال أصحابنا : القريب الذي يقدم الذكر ، فلا يقدم غير الولي القريب عليه ، إلا أن يكون القريب أنثى فيقدم الرجل الأجنبي عليها ، إذ لا إمامة لها حتى يقدم الصبي المميز الأجنبي على المرأة القريبة ، وكذا الرجل أولى بإمامة النساء من المرأة في سائر الصلوات ; لأن إمامته أكمل .

( الثالثة ) : أولى الأقارب الأب ، ثم الجد أب الأب وإن علا ، ثم الابن ، ثم [ ص: 176 ] ابن الابن وإن سفل ثم الأخ للأبوين وللأب ، وهل يقدم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب ؟ فيه طريقان حكاهما المصنف والأكثرون : ( أصحهما ) : وبه قطع الشيخ أبو حامد وآخرون وهو المذهب والمنصوص تقديمه كما في الميراث ، ; لأن الأم لها مدخل في صلاة الجنازة قال الشيخ أبو حامد : نص الشافعي في القديم والجديد على تقديم الأخ من الأبوين ( والطريق الثاني ) : فيه قولان : ( أحدهما ) : يستويان ( والثاني ) : تقديمه كالقولين في ولاية النكاح ; لأن الأم لا مدخل لها في الإمامة ، فعلى المذهب المقدم بعدهما ابن الأخ للأبوين ، ثم الأب ، ثم العم للأبوين ، ثم للأب ، ثم ابن العم للأبوين ثم للأب ، ثم عم الأب ، ثم بنوه ، ثم عم الجد ، ثم بنوه على ترتيب الإرث ، قال أصحابنا : ولو اجتمع عمان أو ابنا عم أحدهما لأبوين والآخر لأب ففيه الطريقان قال القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والمتولي وغيرهم : ولو اجتمع ابنا عم أحدهما أخ لأم ففيه الطريقان : ( المذهب ) : تقديمه فإن لم يكن عصبة من النسب قدم المعتق ثم عصبته . هكذا جزم به الشيخ أبو حامد والقاضي حسين وابن الصباغ والمتولي وآخرون وهو ظاهر ، ومفهوم من كلام المصنف ، معلوم من قوله على ترتيب العصبات والمولى من العصبات وله حكمهم في ولاية النكاح والإرث وغير ذلك ثم بعد العتق ، وعصباته تقدم ذوو الأرحام فيقدم أب الأم ثم الأخ للأم ثم الخال ثم العم للأم . قال القاضي حسين وغيره : ولو اجتمع جد مملوك وأخ لأم حر فأيهما أولى ؟ فيه وجهان : ولم يرجح واحدا منهما والأصح ترجيح الحر .

( الرابعة ) : إذا اجتمع اثنان في درجة كابنين أو أخوين أو عمين أو ابني أخ ونحو ذلك وتنازعا في الإمامة فقد نص في المختصر أن الأسن أولى ; لأن دعاءه أرجى إجابة . وقال : في سائر الصلوات الأفقه والأقرأ أولى من الأسن فقال المصنف والجمهور : المسألتان على ما نص عليه ، وهذا هو المذهب وفرقوا بأن المقصود هنا الدعاء ودعاء الأسن أقرب إلى الإجابة ; لأنه أخشع غالبا وأحضر قلبا والمراد في سائر الصلوات مراعاة ما يطرأ فيها مما يحتاج إلى فقه ومراعاة أقوالها وأفعالها وقيل : فيهما قولان : بالنقل والتخريج .

( أحدهما ) : يقدم الأسن فيهما .

( الثاني ) : يقدم الأفقه والأقرأ فيهما . هكذا قاله إمام الحرمين [ ص: 177 ] والغزالي في البسيط . قال إمام الحرمين : وهذا الذي ذكرناه من طرد القولين في المسألتين ذكره العراقيون ولم يذكره المراوزة . بل جزموا بتقديم الأفقه والأقرأ في غير الصلاة على الميت . وذكروا في صلاة الميت ، الطريقين . وتابعه على هذا النقل عن العراقيين الغزالي في البسيط والوسيط . ، وهذا الذي نقله عن العراقيين ليس في كتبهم المشهورة ، بل جمهورهم قرروا النص ، وطائفة يسيرة منهم ذكروا الطريقين في صلاة الجنازة مع ترجيحهم القول المنصوص فيها ، وهو تقديم الأسن ، وجزموا بتقديم الأفقه والأقرأ في غير الجنازة . وممن قطع بتقرير النص منهم الشيخ أبو حامد شيخهم وإمامهم ، وأصحابه الثلاثة القاضي أبو الطيب في تعليقه ، وصاحب الحاوي والمحاملي في التجريد والمقنع والجرجاني وآخرون ، وممن ذكر الطريقين في الجنازة منهم وجزم بتقديم الأفقه والأقرأ في غيرها المحاملي في المجموع وابن الصباغ ونصر المقدسي والشاشي ، فهؤلاء أئمة العراقيين ، ولم يذكر أحد منهم التخريج إلى غير صلاة الجنازة كما نقله عنهم إمام الحرمين والله أعلم .

قال أصحابنا : وإنما يقدم بالسن الذي مضى في الإسلام ، فلا يقدم شيخ مضى معظم عمره في الكفر وأسلم من قريب على شاب نشأ في الإسلام ، كما سبق بيانه في باب صفة الأئمة . قال أصحابنا رحمهم الله : ولا يشترط في هذا السن الشيخوخة بل يقدم أكبر الشابين على أصغرهما . قال أصحابنا : وإذا قلنا بالمذهب وهو تقديم الأسن فاستويا في السن قدم الأفقه ثم الأقرأ ، كما في سائر الصلوات ، وسبق هناك وجه بتقديم الأورع ووجه بتقديم الأقرأ ، وكل ذلك يجيء هنا إذا استويا في السن . قال الشافعي والمصنف والأصحاب : فإن كان هناك أسن ولكنه غير محمود الحال كما سبق شرحه قدم الأفقه والأقرأ ، وصار هذا كالمعلوم ، فإن استويا من كل وجه أقرع بينهما ; لأنه لا مزية لأحدهما فقدم بالقرعة .

( الخامسة ) : إذا استوى اثنان في درجة وأحدهما حر والآخر رقيق ، فالحر أولى بلا خلاف ، ولو اجتمع رقيق فقيه ، وحر غير فقيه ، فوجهان مشهوران : . [ ص: 178 ] أصحهما : ) يقدم الحر ( والثاني ) : الرقيق . قال إمام الحرمين والغزالي : ولعل التسوية بينهما أولى لتعارض الفضيلتين ، ولو اجتمع حر بعيد وعبد قريب كأخ هو عبد وعم حر فثلاثة أوجه : ( أصحها ) : وبه قطع المصنف وسائر العراقيين ، والمتولي وغيره من الخراسانيين الحر أولى ; لأنها ولاية والحر أهلها دون العبد ( والثاني ) : العبد أولى لقربه ، حكاه الفوراني وإمام الحرمين والغزالي والبغوي وآخرون من الخراسانيين ( والثالث ) : هما سواء وأشار إلى اختياره إمام الحرمين والغزالي . قال أصحابنا : والمكاتب والعبد القريبان أولى من الحر الأجنبي ، والرجل الأجنبي وإن كان عبدا أولى من المرأة القريبة ، والصبيان أولى من النساء . قال إمام الحرمين رحمه الله : والذي ذكر تصريحا وتلويحا أن الخال وكل متمسك بقرابة فهو مقدم على الأجانب ، وإن كان الخال عبدا مفضولا ، ولو اجتمع عبد بالغ وصبي حر فالعبد أولى بلا خلاف ، صرح به القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والمتولي وغيرهم . قالوا : لأن العبد مكلف فهو أحرص على تكميل الصلاة ; ولأن الصلاة خلف العبد مجمع على جوازها ، واختلف العلماء في جوازها خلف الصبي .

( فرع ) إذا اجتمع وليان في درجة أحدهما أفضل كان أولى كما سبق ، فإن أراد أن يستنيب أجنبيا ففي تمكينه منه وجهان : حكاهما صاحب العدة ( الأقيس ) : أنه لا يمكن إلا برضاء الآخر . قال ولو غاب الولي الأقرب ووكل من يصلي فنائبه أحق من البعيد الحاضر ، خلافا لأبي حنيفة .

( فرع ) قال أصحابنا : لا حق للزوج في الإمامة في صلاة الجنازة . هكذا صرح به الشيخ أبو حامد شيخ الأصحاب والشيخ نصر المقدسي وصاحب البيان وآخرون . وشذ عنهم صاحب العدة فقال : الزوج أولى بالإمامة عليها من المولى المعتق ، خلافا لأبي حنيفة في رواية دليلنا أنه أشد شفقة وأتم إرثا ، وهذا الذي قاله صاحب العدة شاذ مخالف لما قاله الأصحاب .

( فرع ) لو أوصى الميت أن يصلي عليه أجنبي ، فهل يقدم الموصى له على أقارب الميت ؟ فيه طريقان : ( أصحهما ) : وبه قطع جمهور الأصحاب لا يقدم . ولا تصح هذه الوصية ; لأن الصلاة عليه حق للقريب وولاته فلا [ ص: 179 ] تنفذ وصيته بإسقاطها ، كما لو أوصى إلى أجنبي بتزويج بنته ولها عصبة فإنه لا تصح وصيته .

( والطريق الثاني ) : فيه وجهان حكاهما الرافعي عن الشيخ أبي محمد الجويني أنه خرجه على الوجهين : فيمن أوصى أجنبيا في أمور أولاده ولهم جد ( الصحيح ) : لا يصح ( والثاني ) : يصح فعلى هذا تصح وصيته إلى من يصلي عليه ويقدم على القريب . قال الرافعي : وبهذا أفتى محمد بن يحيى صاحب الغزالي ، والمشهور في المذهب بطلان هذه الوصية ، هذا مذهبنا . قال صاحب الحاوي : ويقدم الوصي على القريب ، يحكى هذا عن عائشة وأم سلمة وأنس بن مالك وابن سيرين وأحمد قال : وهو قياس قول مالك ، قال : وقال الشافعي وسائر الفقهاء : الأولياء أولى من الموصى له ، قال : وهو نظير مسألة الوصية بتزويج بنته . وحكى ابن المنذر تقديم الوصي عن سعيد بن زيد وأنس وزيد بن أرقم وأبي برزة وأم سلمة وابن سيرين وأحمد وإسحاق ، واحتج لهم بأن أبا بكر الصديق وصى أن يصلي عليه عمر فصلى ، ووصى عمر أن يصلي عليه صهيب فصلى ، ووصت عائشة أن يصلي عليها أبو هريرة فصلى ، وكذلك غيرهم رضي الله عنهم واحتج أصحابنا بأن الصلاة حق للقريب فلا تنفذ الوصية بإسقاطه كالإرث ، وغيره . والجواب عن وصايا الصحابة رضي الله عنهم أن أولياءهم أجازوا الوصية والله أعلم .

( فرع ) إذا لم يحضر الميت عصبة له ، ولا ذوو رحم ، ولا معتق بل حضره أجانب قدم الحر على العبد في الصلاة عليه ، ويقدم البالغ ، وإن كان عبدا على الصبي ، وإن كان حرا كما سبق ، فإن اجتمع رجال أحرار قدم أحقهم بالإمامة في سائر الصلوات على ما سبق تفصيله في بابه ، فإن استووا وتنازعوا أقرع بينهم ، وإن لم يحضر إلا عبد قدم من يقدم في ، سائر الصلوات ، فإن استووا وتنازعوا أقرع ، صرح به المتولي وغيره .

( فرع ) قد ذكرنا أن أحق الأقارب بالصلاة عليه أبوه ، ثم جده ، ثم ابنه ، ثم ابن ابنه ، وإن سفل ، ثم الأخ على الترتيب السابق ، وأشار إمام الحرمين [ ص: 180 ] إلى وجه بعيد غريب أن الأخ مقدم على الابن ، مأخوذ من ولاية النكاح والمشهور الذي نص عليه الشافعي ، واتفق عليه الأصحاب في كل طرقهم ، يقدم الابن وبنوه على الأخ ، وقد نقل القاضي أبو الطيب في تعليقه الإجماع على تقديم الابن على الأخ ، وقال مالك رحمه الله : الابن أولى من الأب والأخ ، وابن الأخ أولى من الجد . دليلنا القياس على ولاية النكاح والله أعلم .

( فرع ) إذا ماتت امرأة ولها ابن وزوج فحق الصلاة عليها للابن دون الزوج وبه قال مالك والليث ، وقال أبو حنيفة رحمه الله : زوجها أولى من ابنها منه ، فإن كان ابنها من غيره فهو أحق من زوجها ، قال : وابن العم أحق من الزوج ، وقال الشعبي : الولي أحق من الزوج ، وقال ابن أبي ليلى : الزوج أحق ، دليلنا على أبي حنيفة أن الابن عصبة وأكمل شفقة فقدم ، واحتجوا بأن الابن يلزمه طاعة أبيه فلا يتقدم عليه ، والجواب أن هذا ينتقض بالجد مع الأب فإن الابن مقدم عليه مع أنه يلزمه طاعته .

التالي السابق


الخدمات العلمية