صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وإن ذبح حيوان لا يؤكل نجس بذبحه كما ينجس بموته ; لأنه ذبح لا يبيح أكل اللحم فنجس به كما ينجس بالموت ، كذبح المجوسي ) .


( الشرح ) مذهبنا أنه لا يطهر بذبح ما لا يؤكل شعره ولا جلده ولا شيء من أجزائه ، وبه قال مالك وأحمد وداود ، وقال أبو حنيفة يطهر جلده ، واختلف أصحابه في طهارة لحمه ، واتفقوا أنه لا يحل أكله ، وحكى القاضي أبو الطيب وابن الصباغ عن مالك طهارة الجلد بالذكاة . قال ابن الصباغ : إلا جلد الخنزير فإن مالكا وأبا حنيفة وافقا على نجاستهما ، واحتج لأبي حنيفة بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { دباغ الأديم ذكاته } " فشبه الدباغ بالذكاة والدباغ يطهره فكذا الذكاة ; ولأنه جلد يطهر بالدباغ فطهر بالذكاة كالمأكول ، ولأن ما طهر جلد المأكول طهر غيره كالدباغ . واحتج أصحابنا بأشياء أحسنها ما ذكره المصنف وفيه كفاية . فإن قالوا : هذا منتقض بذبح الشاة المسمومة فإنه لا يبيح أكلها ويفيد [ ص: 302 ] طهارتها ، فالجواب أن أكلها كان مباحا وإنما امتنع لعارض وهو السم حتى لو قدر على رفع السم بطريق أبيح الأكل ، ودليل آخر وهو أن المقصود الأصلي بالذبح أكل اللحم ، فإذا لم يبحه هذا الذبح فلأن لا يبيح طهارة الجلد أولى . وأما الجواب عما احتجوا به من حديث : " { دباغ الأديم ذكاته } " - فمن أوجه على تقدير صحته : ( أحدها ) : أنه عام في المأكول وغيره فنخصه بالمأكول بدليل ما ذكرنا .

( والثاني ) : أن المراد أن الدباغ يطهره .

( الثالث ) : ذكره القاضي أبو الطيب أن الأديم إنما يطلق على جلد الغنم خاصة ، وذلك يطهر بالذكاة بالإجماع فلا حجة فيه للمختلف فيه . والجواب عن قياسهم على الدباغ من وجهين : ( أحدهما ) : أن الدباغ موضوع لإزالة نجاسة حصلت بالموت ، وليس كذلك الذكاة ، فإنها تمنع عندهم حصول نجاسة .

( والثاني ) : أن الدباغ إحالة ، ولهذا لا يشترط فيه فعل ، بل لو وقع في المدبغة اندبغ ، بخلاف الذكاة فإنها مبيحة فيشترط فيها فعل فاعل بصفة في حيوان بصفة . والله أعلم .

( فرع ) مذهبنا أنه لا يجوز ذبح الحيوان الذي لا يؤكل لأخذ جلده ولا ليصطاد على لحمه النسور والعقبان ونحو ذلك ، وسواء في هذا الحمار الزمن والبغل المكسر وغيرهما ، وممن نص على المسألة القاضي حسين ذكرها في تعليقه في باب بيع الكلاب قبيل كتاب السلم ، قال : وقال أبو حنيفة : يجوز ذبحه لجلده ، وحكى غيره عن مالك روايتين أصحهما عنه جوازه . والثانية تحريمه ، وهما مبنيتان على تحريم لحمه عنده

( فرع ) اتخذ حوضا من جلد نجس ووضع فيه قلتين أو أكثر من الماء فالماء طاهر والإناء نجس ، وفي كيفية استعماله كلام سبق في موضعه ، وإن كان دون قلتين فنجس ، ونظيره لو ولغ كلب في إناء فيه ماء فإن كان قلتين فهو ماء طاهر في إناء نجس ، وإلا فهما نجسان . قال القاضي أبو الطيب في تعليقه : ولا نظير لهاتين المسألتين . والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية