صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( تجوز الصلاة على الميت الغائب لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن { النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي لأصحابه وهو بالمدينة وصلى عليه وصلوا خلفه } وإن كان الميت معه في البلد لم يجز أن يصلي عليه حتى يحضر عنده ; لأنه يمكنه الحضور من غير مشقة ) .


( الشرح ) حديث أبي هريرة رضي الله عنه رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة . وروياه من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، ورواه مسلم من رواية عمران بن حصين والنجاشي رضي الله عنه بفتح النون وتشديد [ ص: 211 ] الياء واسمه أصحمة . بهمزة مفتوحة ثم صاد ساكنة ثم حاء مفتوحة مهملتين . هكذا جاء في الصحيح وقيل : صحمة وقيل : غيره ، والنجاشي اسم لكل من ملك الحبشة . كما سمي كل خليفة للمسلمين أمير المؤمنين . ومن ملك الروم قيصر . والترك خاقان ، والفرس كسرى . والقبط فرعون ومصر العزيز والله أعلم . ومذهبنا جواز الصلاة على الميت الغائب عن البلد سواء كان في جهة القبلة أم في غيرها . ولكن المصلي يستقبل القبلة ولا فرق بين أن تكون المسافة بين البلدين قريبة أو بعيدة ولا خلاف في هذا كله عندنا .

( أما ) إذا كان الميت في البلد فطريقان : ( المذهب ) : وبه قطع المصنف والجمهور : لا يجوز أن يصلي عليه حتى يحضر عنده ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على حاضر في البلد إلا بحضرته } ; ولأنه لا مشقة فيه بخلاف الغائب عن البلد .

( والطريق الثاني ) : حكاه الخراسانيون أو أكثرهم فيه وجهان : ( أصحهما ) : هذا ( والثاني ) : يجوز كالغائب . فإن قلنا : لا يجوز قال الرافعي : ينبغي أن لا يكون بين الإمام والميت أكثر من مائتي ذراع أو ثلاثمائة تقريبا . قال : وحكي هذا عن الشيخ أبي محمد الجويني .

( فرع ) في مذاهبهم في الصلاة على الغائب عن البلد ذكرنا أن مذهبنا جوازه ومنعها أبو حنيفة . دليلنا حديث النجاشي وهو صحيح لا مطعن فيه وليس لهم عنه جواب صحيح بل ذكروا فيه خيالات أجاب عنها أصحابنا بأجوبة مشهورة : ( منها ) قولهم : إنه طويت الأرض فصار بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ( وجوابه ) أنه لو فتح هذا الباب لم يبق وثوق بشيء من ظواهر الشرع لاحتمال انحراف العادة في تلك القضية مع أنه لو كان شيء من ذلك لتوفرت الدواعي بنقله . وأما حديث العلاء بن زيد ، ويقال : ابن زيد عن أنس { أنهم كانوا في تبوك فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بموت معاوية بن معاوية في ذلك اليوم ، وأنه قد نزل عليه سبعون ألف ملك يصلون عليه ، فطويت الأرض للنبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهب فصلى عليه ، ثم رجع } فهو حديث [ ص: 212 ] ضعيف ضعفه الحفاظ منهم البخاري في تاريخه والبيهقي ، واتفقوا على ضعف العلاء هذا وأنه منكر الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية