صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن وجد بعض الميت غسل وصلي عليه ; لأن عمر رضي الله عنه صلى على عظام بالشام ، وصلى أبو عبيدة على رءوس ، وصلت الصحابة رضي الله عنهم على يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ، ألقاها طائر بمكة من وقعة الجمل ) .


( الشرح ) أبو عبيدة رضي الله عنه هذا هو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح ، وعتاب بفتح العين المهملة وأسيد بفتح الهمزة ، وهذه الحكاية عن يد عبد الرحمن رويناها في كتاب الأنساب للزبير بن بكار ، قال : وكان الطائر نسرا وكانت وقعة الجمل في جمادى سنة ست وثلاثين ، واتفقت نصوص الشافعي رحمه الله والأصحاب على أنه إذا وجد بعض من تيقنا موته غسل وصلي عليه ، وبه قال أحمد ، وقال أبو حنيفة رحمه الله : لا يصلى عليه إلا إذا وجد أكثر من نصفه ، وعندنا لا فرق بين القليل والكثير ، قال أصحابنا رحمهم الله : وإنما نصلي عليه إذا تيقنا موته .

فأما إذا قطع عضو من حي ، كيد سارق ، وجان وغير ذلك فلا يصلى عليه ، وكذا لو شككنا في العضو هل هو منفصل من حي أو ميت ؟ لم نصل عليه ، هذا هو المذهب الصحيح ، وبه قطع الأصحاب في كل الطرق إلا صاحب الحاوي ومن أخذ عنه ، فإنه ذكر في العضو المقطوع من الحي وجهين : في وجوب غسله والصلاة عليه : ( أحدهما ) : يغسل ويصلى عليه كعضو الميت ( وأصحهما ) : لا يغسل ولا يصلى عليه ، ونقل المتولي رحمه الله الاتفاق على أنه لا يغسل ولا يصلى عليه ، فقال : لا خلاف أن اليد المقطوعة في السرقة والقصاص لا تغسل ولا يصلى عليها ، ولكن تلف في خرقة وتدفن ، وكذا الأظفار المقلومة والشعر المأخوذ من الأحياء لا يصلى على شيء منها ، لكن يستحب دفنها ، قال : وكذا إذا شككنا في موت صاحب العضو فلا يغسل ولا يصلى عليه ، وهذا الذي سبق في الصلاة على بعض الذي تيقنا موته هو في العضو . [ ص: 213 ]

أما إذا وجدنا شعر الميت أو ظفره أو نحوهما فوجهان مشهوران : حكاهما القاضي أبو الطيب في تعليقه والبندنيجي وصاحب الشامل والتتمة وصاحب البيان وآخرون ، وأشار إليهما المصنف في تعليقه في الخلاف .

( أحدهما ) : وهو الذي رجحه البندنيجي رحمه الله لا يغسل ولا يصلى عليه ، بل يدفن ( وأصحهما ) : وبه قال الأكثرون يغسل ، ويصلى عليه كالعضو ; لأنه جزء ، قال الرافعي رحمه الله : هذا الثاني أقرب إلى كلام الأكثرين قال : لكن قال صاحب العدة رحمه الله : إن لم يوجد إلا شعرة واحدة لم يصل عليها في ظاهر المذهب ، قال القاضي أبو الطيب رحمه الله : ولو قطعت أذنه فألصقها موضعها في حرارة الدم ثم افترسه سبع ووجدنا أذنه لم نصل عليه ; لأن انفصالها كان في الحياة هذا كلام القاضي رحمه الله ، ويجيء فيها الوجه السابق عن الحاوي ، قال أصحابنا رحمهم الله : ومتى صلى في هذه الصور فلا بد من تقدم غسله ، ثم يوارى بخرقة ويصلى عليه ويدفن . قال أصحابنا رحمهم الله : والدفن لا يختص بعضو من علم موته ، بل كل ما ينفصل من الحي من عضو وشعر وظفر وغيرهما من الأجزاء ، يستحب دفنه وكذلك توارى العلقة والمضغة تلقيهما المرأة ، وكذا يوارى دم الفصد والحجامة قال أصحابنا رحمهم الله : ولو وجد بعض الميت أو كله ولم نعلم أنه مسلم أم كافر ، فإن كان في دار الإسلام غسل وصلي عليه ; لأن الغالب فيها المسلمون كما حكمنا بإسلام اللقيط فيها ، وممن صرح بالمسألة الشيخ أبو حامد والمحاملي في التجريد في آخر باب الشهيد ، وابن الصباغ والمتولي وآخرون . قال أصحابنا رحمهم الله : ومتى صلى على عضو الميت نوى الصلاة على جملة الميت لا على العضو وحده ، هذا هو المشهور ، وممن صرح به الروياني والرافعي وذكر صاحب الحاوي وجهين :

( أحدهما ) : هذا ( والثاني ) : يصلى على العضو خاصة قال : والوجهان : فيما إذا لم يعلم جملته صلى عليها ، فإن علم ذلك صلى على العضو وحده وجها واحدا ، وهذا الذي قاله شاذ ضعيف ، والله أعلم . [ ص: 214 ] في مذاهب العلماء فيما إذا وجد بعض الميت قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يصلى عليه سواء قل البعض أم كثر ، وبه قال أحمد رحمه الله ، وقال داود : لا يصلى عليه مطلقا ، وقال أبو حنيفة رحمه الله : أن وجد أكثر من نصفه غسل وصلي عليه وإن وجد النصف فلا غسل ولا صلاة ، قال مالك رحمه الله : بل لا يصلى على اليسير منه . .

التالي السابق


الخدمات العلمية