صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( والسنة أن لا يركب ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم ما ركب في عيد ولا جنازة } فإن ركب في الانصراف لم يكن به بأس ، لما روى جابر بن سمرة رضي الله عنه أن { النبي صلى الله عليه وسلم : صلى على جنازة ، فلما انصرف [ ص: 239 ] أتي بفرس معرورى فركبه } والسنة أن يمشي أمام الجنازة لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي بين يديها وأبو بكر وعمر وعثمان } ولأنه شفيع الميت ، والشفيع يتقدم على المشفوع له ، والمستحب أن يمشي أمامها قريبا منها ، لأنه إذا بعد لم يكن معها ) .


( الشرح ) حديث : ما ركب في عيد ولا جنازة غريب .

وحديث جابر بن سمرة رواه مسلم بلفظه .

وحديث ابن عمر رواه الشافعي في الأم ، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم ، وإسناده صحيح إلا أنه ليس في رواية أكثرهم ذكر عثمان ، وهو في بعض روايات الشافعي والنسائي والبيهقي وروي هكذا موصولا عن الزهري عن سالم عن ابن عمر ، وروي مرسلا عن الزهري " أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر " والذي وصله سفيان بن عيينة وهو إمام ، ولم يذكر أبو داود وابن ماجه إلا روايتي الوصل ، وذكر الترمذي والنسائي والبيهقي الروايتين . قال الترمذي : أهل الحديث كأنهم يرون المرسل أصح ، ثم روي عن ابن المبارك أنه قال : المرسل في ذلك أصح ، قال النسائي : وصله خطأ بل الصواب مرسل . وأما الأحاديث التي جاءت بالمشي خلفها فليست ثابتة . قال البيهقي رحمه الله : الآثار في المشي أمامها أصح وأكثر . وقوله " فرس معرورى " هو بضم الميم وإسكان العين وفتح الراء الأولى وفتح الثانية منونة . هكذا وقع في المهذب ، وكذا هو في صحيح مسلم وغيره من كتب الحديث وفي رواية لمسلم " بفرس عرى " وكلاهما صحيح من حيث اللغة ومن حيث الرواية . وهذه الجنازة التي ركب في الانصراف منها جنازةأبي الدحداح ويقال ابن الدحداح . وفي رواية الترمذي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن { النبي صلى الله عليه وسلم تبع جنازة ابن الدحداح رضي الله عنه ماشيا ورجع على فرس } قال الترمذي : حديث حسن . وقوله " ولأنه إذا بعد لم يكن معها " معناه أن الفضيلة لمن هو معها ، لا لمن سبقها إلى المقبرة ، فإن ذلك لا يكون له ثواب متبعيها ; لأنه ليس معها . وقد ثبت [ ص: 240 ] في صحيح البخاري وغيره { من تبع جنازة وكان معها حتى يفرغ من دفنها رجع بقيراطين } .

( أما الأحكام ) فقال أصحابنا رحمهم الله : يكره الركوب في الذهاب مع الجنازة إلا أن يكون له عذر كمرض أو ضعف ونحوهما ، فلا بأس بالركوب ، واتفقوا على أنه لا بأس بالركوب في الرجوع .

قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله : والأفضل أن يمشي قدامها وأن يكون قريبا منها ، وكلما قرب منها فهو أفضل ، وسواء كان راكبا أم ماشيا فالأفضل قدامها ولو تقدم عليها كثيرا ، فإن كان بحيث ينسب إليها بأن يكون التابعون كثيرين حصل له فضيلة اتباعها ، وإن كان بحيث لا ينسب إليها لكثرة بعده وانقطاعه عن تابعيها لم تحصل له فضيلة المتابعة ، ولو مشى خلفها حصل له فضيلة أصل المتابعة ولكن فاته كمالها .

( فرع ) في مذاهب العلماء قد ذكرنا أن مذهبنا أن السير أمامها أفضل ، سواء الراكب والماشي ، وبه قال جماهير العلماء . منهم : أبو بكر وعمر وعثمان وابن عمر والحسن بن علي وأبو قتادة وأبو هريرة وابن الزبير والقاسم بن محمد وسالم وشريح وابن أبي ليلى والزهري ومالك وأحمد وداود ، وقال أبو حنيفة : خلفها أفضل وبه قال الأوزاعي وإسحاق ، وقال الثوري : يسير الراكب خلفها والماشي حيث شاء منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية