صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن سبق إلى المقبرة فهو بالخيار ، إن شاء قام حتى توضع الجنازة ، وإن شاء قعد ، لما روى علي رضي الله عنه قال { : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الجنائز حتى توضع ، وقام الناس معه ، ثم قعد بعد ذلك وأمرهم بالقعود } ) .


[ ص: 241 ] الشرح ) حديث علي رضي الله عنه صحيح ، رواه مسلم في صحيحه بمعناه ، قال { قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في الجنازة ثم قعد } وفي رواية لمسلم أيضا { قام فقمنا وقعد فقعدنا } ورواه البيهقي من طرق كثيرة في بعضها كما رواه مسلم ، وفي بعضها كما وقع في المهذب بحروفه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قام مع الجنازة حتى توضع وقام الناس معه ، ثم قعد وأمرهم بالقعود } وفي رواية أن عليا رضي الله عنه { رأى ناسا قياما ينتظرون الجنازة أن توضع فأشار إليهم بدرة معه أو سوط : أن اجلسوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلس بعد ما كان يقوم } وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه في سبب القعود قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد ، فمر حبر من اليهود فقال : هكذا نفعل ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : اجلسوا خالفوهم } رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي ، وإسناده ضعيف . أما حكم المسألة : فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمر بالقيام لمن مرت به جنازة حتى تخلفه أو توضع وأمر من تبعها أن لا يقعد عند القبر حتى توضع } ثم اختلف العلماء في نسخه ، فقال الشافعي وجمهور أصحابنا : هذان القيامان منسوخان فلا يؤمر أحد بالقيام اليوم ، سواء مرت به أم تبعها إلى القبر ، ثم قال المصنف وجماعة : هو مخير بين القيام والقعود ، وقال آخرون من أصحابنا : يكره القيام لها إذا لم يرد المشي معها ، ممن صرح بكراهته سليم الرازي في الكفاية والمحاملي وصاحب العدة والشيخ نصر المقدسي ، قال المحاملي في المجموع : القيام للجنازة مكروه عندنا وعند الفقهاء كلهم قال : وحكي عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه أنه كان يقوم لها ، وخالف صاحب التتمة الجماعة فقال : يستحب لمن مرت به جنازة أن يقوم لها ، وإذا كان معها لا يقعد حتى توضع ، وهذا الذي قاله صاحب التتمة هو المختار ، فقد صحت الأحاديث بالأمر بالقيام ، ولم يثبت في القعود شيء إلا حديث علي رضي الله عنه وهو ليس صريحا في النسخ ، بل ليس فيه نسخ لأنه محتمل القعود لبيان الجواز والله أعلم . [ ص: 242 ] فرع ) : في مذاهب العلماء في ذلك . قد ذكرنا مذهبنا في ذلك وبه قال مالك وأحمد ، وقال أبو حنيفة : يكره له القعود حتى توضع الجنازة ، وبه قال الشعبي والنخعي وداود .

التالي السابق


الخدمات العلمية