صفحة جزء
[ ص: 249 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ومن مات في البحر ولم يكن بقرب ساحل ، " فالأولى أن يجعل بين لوحين ويلقى في البحر لأنه ربما وقع في ساحل فيدفن ، فإن كان أهل الساحل كفارا ألقي في البحر ) .


( الشرح ) قال أصحابنا رحمهم الله : إذا مات مسلم في البحر ومعه رفقة ، فإن كان بقرب الساحل وأمكنهم الخروج به إلى الساحل ، وجب عليهم الخروج به ، وغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ، قالوا : فإن لم يمكنهم لبعدهم من الساحل أو لخوف عدو ، أو سبع أو غير ذلك لم يجب الدفن في الساحل ، بل يجب غسله وتكفينه والصلاة عليه ، ثم يجعل بين لوحين ويلقى في البحر ليلقيه إلى الساحل فلعله يصادفه من يدفنه . قال الشافعي في الأم : فإن لم يجعلوه بين لوحين ويلقوه إلى الساحل بل ألقوه في البحر رجوت أن يسعهم ، هذا لفظه ، ونقل الشيخ أبو حامد وصاحب الشامل أن الشافعي رحمه الله قال : لم يأثموا إن شاء الله تعالى ، وهو معنى قوله : رجوت أن يسعهم ، فإن كان أهل الساحل كفارا - قال الشافعي في الأم : جعل بين لوحين وألقي في البحر ، وقال المزني رحمه الله يثقل بشيء لينزل إلى أسفل البحر لئلا يأخذه الكفار فيغيروا سنة المسلمين فيه ; قال المزني : إنما قال الشافعي إنه يلقى إلى الساحل إذا كان أهل الجزائر مسلمين أما إذا كانوا كفارا فيثقل بشيء حتى ينزل إلى القرار ، قال أصحابنا : والذي نص عليه الشافعي من الإلقاء إلى الساحل أولى ، لأنه يحتمل أن يجده مسلم فيدفنه إلى القبلة ، وأما على قول المزني فيتيقن ترك دفنه بل يلقيه للحيتان ، هذا الذي ذكرناه هو المشهور في كتب الأصحاب . قال الشيخ أبو حامد وابن الصباغ : إن المزني ذكر مذهبه هذا في جامعه الكبير وأنكر القاضي أبو الطيب في تعليقه على الأصحاب نقلهم هذا عن المزني ، وقال : طلبت هذه المسألة في الجامع الكبير فوجدتها على ما قاله الشافعي في الأم ، وذكرها صاحب المستظهري كما ذكرها المصنف فكأنهما اختارا مذهب المزني ، قال أصحابنا رحمهم الله : والصحيح ما قاله الشافعي [ ص: 250 ] والله أعلم .

وروى البيهقي بإسناد صحيح عن أنس أن أبا طلحة رضي الله عنهما ركب البحر فمات فلم يجدوا له جزيرة إلا بعد سبعة أيام فدفنوه فيها ولم يتغير .

التالي السابق


الخدمات العلمية