صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ويكره استعمال أواني الذهب والفضة لما روى حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تشربوا في آنية الذهب [ ص: 303 ] والفضة ولا تأكلوا في صحافهما ، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة } " ، وهل يكره كراهة تنزيه أو تحريم ؟ قولان : قال في القديم : كراهة تنزيه ; لأنه إنما نهى عنه للسرف والخيلاء والتشبه بالأعاجم ، وهذا لا يوجب التحريم ، وقال في الجديد : يكره كراهة تحريم وهو الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم " : { الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في جوفه نار جهنم } " ، فتوعد عليه النار فدل على أنه محرم . وإن توضأ منه صح الوضوء ; لأن المنع لا يختص بالطهارة فأشبه الصلاة في الدار المغصوبة ، ولأن الوضوء هو جريان الماء على الأعضاء ، وليس في ذلك معصية وإنما المعصية في استعمال الظرف دون ما فيه ، فإن أكل أو شرب منه لم يكن المأكول والمشروب حراما ; لأن المنع لأجل الظرف دون ما فيه . وأما اتخاذها ففيه وجهان : أحدهما : يجوز ; لأن الشرع ورد بتحريم الاستعمال دون الاتخاذ . والثاني : لا ، وهو الأصح ; لأن ما لا يجوز استعماله لا يجوز اتخاذه كالطنبور والبربط . وأما أواني البلور والفيروزج وما أشبههما من الأجناس المثمنة ففيه قولان : روى حرملة أنه لا يجوز ; لأنه أعظم في السرف من الذهب والفضة ، فهو بالتحريم أولى ، وروى المزني أنه يجوز وهو الأصح ; لأن السرف غير ظاهر ; لأنه لا يعرفه إلا الخواص من الناس ) .


( الشرح ) قد جمع هذا الفصل جملا من الحديث في اللغة والأحكام ويحصل بيانها بمسائل : ( إحداها ) : حديث حذيفة في الصحيحين لكن لفظه فيهما : " { لا تشربوا في آنية الذهب والفضة } " إلخ فذكر فيه الذهب والفضة ، ووقع في أكثر نسخ المهذب الفضة فقط ، وفي بعضها الذهب والفضة ، وأما الصحاف فجمع صحفة كقصعة وقصاع والصحفة دون القصعة ، قال الكسائي : القصعة ما تسع ما يشبع عشرة ، والصحفة ما يشبع خمسة . وأما راويه فهو أبو عبد الله حذيفة بن اليمان ، واليمان لقب واسمه حسيل بضم الحاء وفتح السين المهملتين وآخره لام ، ويقال : حسل بكسر الحاء وإسكان السين ، واليمان صحابي شهد هو وابنه حذيفة أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل المسلمون يومئذ اليمان رضي الله عنه خطأ ، وكان حذيفة من [ ص: 304 ] فضلاء الصحابة والخصيصين برسول الله صلى الله عليه وسلم توفي بالمدائن سنة ست وثلاثين ، بعد وفاة عثمان بأربعين ليلة . وأما قوله : " { الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر } " فهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم من رواية أم سلمة رضي الله عنها ولفظه فيهما : " { الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم } " ، وفي رواية لمسلم : { إن الذي يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب } ، وفي رواية له : " { من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نارا من جهنم } " . وقوله صلى الله عليه وسلم يجرجر بكسر الجيم الثانية بلا خلاف ، ونارا بالنصب على المشهور الذي جزم به المحققون ، وروي بالرفع على أن النار فاعلة ، والصحيح الأول ، وهو الذي اختاره الزجاج والخطابي والأكثرون ، ولم يذكر الأزهري وآخرون غيره ، ويؤيده رواية مسلم : نارا من جهنم ، ورويناه في مسند أبي عوانة وفي الجعديات من رواية عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم : " { الذي يشرب في الفضة إنما يجرجر في جوفه نارا } " كذا هو في الأصول نارا بالألف من غير ذكر جهنم . وأما معناه فعلى رواية النصب الفاعل هو الشارب مضمر في يجرجر ، أي يلقيها في بطنه بجرع متتابع يسمع له صوت لتردده في حلقه ، وعلى رواية الرفع تكون النار فاعلة ، معناه أن النار تصوت في جوفه ، وسمي المشروب نارا لأنه يئول إليها كما قال الله تعالى : ( { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا } ) ، وأما جهنم - عافانا الله منها ومن كل بلاء وسائر المسلمين - فقال الواحدي : قال يونس وأكثر النحويين : هي عجمية لا تنصرف للتعريف والعجمة ، وقال آخرون : هي عربية لا تنصرف للتأنيث والتعريف ، وسميت بذلك لبعد قعرها ، يقال : بئر جهنام إذا كانت عميقة القعر ، وقال بعض اللغويين : مشتقة من الجهومة وهي الغلظ سميت به لغلظ أمرها في العذاب . المسألة الثانية في لغات الفصل : سبق منها ما يتعلق بالحديثين ، وأما السرف فقال أهل اللغة : هو مجاوزة الحد ، قال الأزهري : هو مجاوزة القدر [ ص: 305 ] المحدود لمثله ، وأما الخيلاء فبضم الخاء والمد من الاختيال ، قال الواحدي : الاختيال مأخوذ من التخيل وهو التشبه بالشيء ، فالمختال يتخيل في صورة من هو أعظم منه تكبرا . وقوله : والتشبه بالأعاجم يعني بهم الفرس من المجوس وغيرهم ، وكان هذا غالبا في الأكاسرة . وأما الطنبور فبضم الطاء والباء ، والبربط بفتح الباءين الموحدتين وهو العود والأوتار ، وهو فارسي ومعناه بالفارسية صدر البط وعنقه ; لأن صورته تشبه ذلك . قال الإمام أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد الخضر الجواليقي في كتابه المعرب : هو معرب ، وتكلمت به العرب قديما ، وهو من ملاهي العجم ، قال الجواليقي : والطنبور معرب وقد استعمل في لفظ العرب ، قال : والطنبار لغة فيه . وأما الفيروزج فبفتح الفاء وضم الراء وفتح الزاي . والبلور بكسر الباء وفتح اللام هذا هو المشهور ، ويقال بفتح الباء وضم اللام ، وممن حكي عنه هذا الثاني أبو القاسم الحريري ، وهاتان اللفظتان أيضا عجميتان . والله أعلم .

المسألة الثالثة في أحكام الفصل : فاستعمال الإناء من ذهب أو فضة حرام على المذهب الصحيح المشهور ، وبه قطع الجمهور ، وحكى المصنف وآخرون من العراقيين والقاضي حسين وصاحباه المتولي والبغوي قولا قديما أنه يكره كراهة تنزيه ولا يحرم ، وأنكر أكثر الخراسانيين هذا القول ، وتأوله بعضهم على أنه أراد أن المشروب في نفسه ليس حراما ، وذكر صاحب التقريب أن سياق كلام الشافعي في القديم يدل على أنه أراد أن عين الذهب والفضة الذي اتخذ منه الإناء ليست محرمة ، ولهذا لم يحرم الحلي على المرأة ، ومن أثبت القديم فهو معترف بضعفه في النقل والدليل . ويكفي في ضعفه منابذته للأحاديث الصحيحة كحديث أم سلمة وأشباهه ، وقولهم في تعليله : إنما نهي عنه للسرف والخيلاء ، وهذا لا يوجب التحريم . ليس بصحيح بل هو موجب للتحريم ، وكم من دليل على تحريم الخيلاء ، قال القاضي أبو الطيب : هذا الذي ذكروه للقديم موجب للتحريم كما أوجب تحريم الحرير ، والمعنى فيهما واحد .

واعلم أن هذا القديم لا تفريع عليه ، وما ذكره الأصحاب ونذكره تفريع على الجديد ، وحكى أصحابنا عن داود أنه قال : إنما يحرم الشرب دون [ ص: 306 ] الأكل والطهارة وغيرهما . وهذا الذي قاله غلط فاحش ، ففي حديث حذيفة وأم سلمة من رواية مسلم التصريح بالنهي عن الأكل والشرب كما سبق ، وهذان نصان في تحريم الأكل وإجماع من قبل داود حجة عليه ، قال أصحابنا : أجمعت الأمة على تحريم الأكل والشرب وغيرهما من الاستعمال في إناء ذهب أو فضة ، إلا ما حكي عن داود ، وإلا قول الشافعي في القديم ، ولأنه إذا حرم الشرب فالأكل أولى ; لأنه أطول مدة وأبلغ في السرف . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " { الذي يشرب في آنية الفضة } " ولم يذكر الأكل فجوابه من أوجه : ( أحدها ) : أنه مذكور في رواية مسلم كما سبق .

( الثاني ) : أن الأكل مذكور في رواية حذيفة وليس في هذا الحديث معارضة له .

( والثالث ) : أن النهي عن الشرب تنبيه على الاستعمال في كل شيء ; لأنه في معناه كما قال الله تعالى : ( { لا تأكلوا الربا } ) ، وجميع أنواع الاستيلاء في معنى الأكل بالإجماع ، وإنما نبه به لكونه الغالب . والله أعلم .

الرابعة : قال أصحابنا وغيرهم من العلماء : يستوي في تحريم استعمال إناء الذهب والفضة الرجال والنساء ، وهذا لا خلاف فيه لعموم الحديث وشمول المعنى الذي حرم بسببه ، وإنما فرق بين الرجال والنساء في التحلي لما يقصد فيهن من غرض الزينة للأزواج والتجمل لهم .

الخامسة : قال أصحابنا : يستوي في التحريم جميع أنواع الاستعمال من الأكل والشرب والوضوء والغسل والبول في الإناء ، والأكل بملعقة الفضة والتجمر بمجمرة فضة إذا احتوي عليها ، قالوا : ولا بأس إذا لم يحتو عليها وجاءته الرائحة من بعيد ، وينبغي أن يكون بعدها بحيث لا ينسب إليه أنه متطيب بها ، وتحرم المكحلة ، وظرف الغالية وإن صغر على الصحيح الذي قطع به الجمهور ، وحكى إمام الحرمين عن والده أبي محمد ترددا في جواز ذلك إذا كان من فضة . قال الإمام : والوجه القطع بتحريمه ، وأطلق الغزالي خلافا في استعمال الإناء الصغير كالمكحلة ولم يخصه بالفضة ، وكلامه محمول على ما ذكر شيخه وهو التخصيص بالفضة ، ويحرم تزيين الحوانيت والبيوت والمجالس بأواني الذهب والفضة على المذهب الصحيح المشهور ، وحكى إمام الحرمين أن [ ص: 307 ] شيخه حكى فيه وجهين ، قال الإمام : والوجه القطع بالتحريم للسرف ، واتفقوا على تحريم استعمال ماء الورد من قارورة الفضة . قال القاضي حسين في تعليقه : والحيلة في استعماله منها أن يصبه في يده اليسرى ثم يصبه من اليسري في اليمنى ويستعمله فلا يحرم ، وكذا قال البغوي في فتاويه : لو توضأ من إناء فضة فصب الماء على يده ثم صبه منها على محل الطهارة جاز . قال : وكذا لو صب الماء في يده ثم شربه منها جاز فلو صب الماء على العضو الذي يريد غسله فهو حرام ; لأنه استعمال ، وذكر صاحب الحاوي نحو هذا فقال : من أراد التوقي عن المعصية في الأكل من إناء الذهب والفضة فليخرج الطعام إلى محل آخر ثم يأكل من ذلك المحل فلا يعصي ، قال : وفعل مثل هذا الحسن البصري ، وحكى القاضي حسين مثله عن شيخه القفال المروزي ، ودليله ظاهر ; لأن فعله هذا ترك للمعصية فلا يكون حراما ، كمن توسط أرضا مغصوبة فإنه يؤمر بالخروج بنية التوبة ، ويكون في خروجه مطيعا لا عاصيا . والله أعلم .

السادسة : لو توضأ أو اغتسل من إناء الذهب صح وضوءه وغسله بلا خلاف ، نص عليه الشافعي - رحمه الله - في الأم ، واتفق الأصحاب عليه ، ودليله ما ذكره المصنف ، وقوله : كالصلاة في الدار المغصوبة ، هكذا عادة أصحابنا يقيسون ما كان من هذا القبيل على الصلاة في الدار المغصوبة ، وسبب ذلك أنهم نقلوا الإجماع على صحة الصلاة في الدار المغصوبة قبل مخالفة أحمد - رحمه الله - ، ومثل هذا لو توضأ أو تيمم بماء أو بتراب مغصوب ، أو ذبح بسكين مغصوب ، أو أقام الإمام الحد بسوط مغصوب - صح الوضوء والتيمم والذبح والحد ، ويأثم . والله أعلم . وأما قول المصنف : ولأن الوضوء هو جريان الماء على الأعضاء ففيه تصريح منه بما اتفق عليه الأصحاب من أنه لا يصح الوضوء حتى يجري الماء على العضو ، وأنه لا يكفي إمساسه والبلل وستأتي المسألة مبسوطة في باب صفة الوضوء - إن شاء الله تعالى - ، وبهذا الذي ذكرناه من صحة الوضوء من إناء الذهب والفضة قال مالك وأبو حنيفة وجماهير العلماء ، وقال داود : لا يصح .

السابعة : إذا أكل أو شرب من إناء الفضة أو الذهب عصى بالفعل ، [ ص: 308 ] ولا يكون المأكول والمشروب حراما ، نص عليه الشافعي في الأم واتفق الأصحاب عليه ، ودليله ما ذكره المصنف . والله أعلم .

الثامنة : هل يجوز اتخاذ الإناء من ذهب أو فضة وادخاره من غير استعمال فيه خلاف حكاه المصنف هنا وفي التنبيه ، والماوردي والقاضي أبو الطيب والأكثرون وجهين ، وحكاه الشيخ أبو حامد والمحاملي في كتابيه المجموع والتجريد والبندنيجي وصاحب العدة والشيخ نصر المقدسي قولين ، وذكر صاحبا الشامل والبحر وصاحب البيان أن أصحابنا اختلفوا في حكايته ، فبعضهم حكاه قولين ، وبعضهم وجهين ، واتفقوا على أن الصحيح تحريم الاتخاذ ، وقطع به بعضهم وهو مذهب مالك وجمهور العلماء ; لأن ما لا يجوز استعماله لا يجوز اتخاذه كالطنبور ، ولأن اتخاذه يؤدي إلى استعماله فحرم كإمساك الخمر . قالوا : لأن المنع من الاستعمال لما فيه من السرف والخيلاء وذلك موجود في الاتخاذ ، وبهذا يحصل الجواب عن قول القائل الآخر : إن الشرع ورد بتحريم الاستعمال دون الاتخاذ ، فيقال : عقلنا العلة في تحريم الاستعمال وهي السرف والخيلاء وهي موجودة في الاتخاذ . والله أعلم .

قال أصحابنا : ولو صنع الإناء صانع أو كسره كاسر - فإن قلنا : يجوز اتخاذه - وجب للصانع الأجرة وعلي الكاسر الأرش ، وإلا فلا .

التاسعة : هل يجوز استعمال الأواني من الجواهر النفيسة كالياقوت والفيروزج والعقيق والزمرد وهو بالزاي المعجمة وفتح الراء وضمها والزبرجد وهو بالدال المهملة والبلور وأشباهها ؟ فيه قولان أصحهما باتفاق الأصحاب الجواز ، وهو نصه في الأم ومختصر المزني ، وبه قال مالك ، ودليل القولين مذكور في الكتاب ، وإذا قلنا بالأصح : إنه لا يحرم فهو مكروه ، ولو اتخذ إناء من هذه الجواهر النفيسة ولم يستعمله قال المحاملي : إن قلنا يجوز استعماله فالاتخاذ أولى ، وإلا فكاتخاذ إناء ذهب أو فضة في جميع الأحكام . قال أصحابنا : وما كانت نفاسته بسبب الصنعة لا لجوهره كالزجاج المخروط وغيره لا يحرم بلا خلاف ، هكذا صرحوا في جميع الطرق بأنه لا خلاف فيه ، وأشار صاحب البيان إلى وجه تحريمه وهو غلط ، والصواب من حيث المذهب ، والدليل الجزم بإباحته ، ونقل صاحب الشامل الإجماع على ذلك ، قال [ ص: 309 ] أصحابنا : وكذا لو اتخذ لخاتمه فصا من جوهرة مثمنة فهو مباح بلا خلاف ، قال أصحابنا : وكذا لا يكره لبس الكتان النفيس والصوف ونحوه ، قال صاحبا الحاوي والبحر : الإناء المتخذ من طيب رفيع كالكافور المرتفع والمصاعد والمعجون من مسك وعنبر يخرج فيه وجهان : ( أحدهما ) : يحرم استعماله لحصول السرف .

( والثاني ) : لا ، لعدم معرفة أكثر الناس له ، قالا : وأما غير المرتفع كالصندل والمسك فاستعماله جائز قطعا .

( فرع ) قد ذكر المصنف أن البلور كالياقوت وأن في جواز استعماله القولين ، وقد علق في ذهن كثير من المبتدئين وشبههم أن المصنف خالف الأصحاب في هذا ، وأنهم قطعوا بجواز استعمال إناء البلور لأنه كالزجاج ، وهذا الذي علق بأذهانهم وهم فاسد ، بل صرح الجمهور بجريان القولين في البلور ، وممن صرح بذلك شيخ الأصحاب الشيخ أبو حامد في تعليقه ، وأبو علي البندنيجي والمحاملي في المجموع والتجريد والقاضي أبو الطيب وصاحب الشامل وأبو العباس الجرجاني في كتابيه التحرير والبلغة والشيخ نصر المقدسي وصاحب البيان وآخرون من العراقيين والقاضي حسين وصاحب الإبانة والغزالي في الوجيز وصاحب التتمة والتهذيب والروياني في كتابيه البحر والحلية وصاحب العدة وآخرون من الخراسانيين ، وإنما خالفهم صاحب الحاوي فقطع بجوازه ، وقال إمام الحرمين : ألحق شيخي البلور بالزجاج ، وألحقه الصيدلاني والعراقيون بالجواهر النفيسة فيكون على القولين . فحصل أن الجمهور من أصحابنا في الطريقتين ، على طرد القولين في البلور ، ولم يخالف فيه إلا صاحب الحاوي والشيخ أبو محمد . والله أعلم .

( فرع ) إذا باع إناء ذهب أو فضة قال القاضي أبو الطيب : البيع صحيح ; لأن المقصود عين يصح بيعها ، هكذا أطلق القاضي هنا ، ونقل أبو علي البندنيجي في جامعه هنا اتفاق الأصحاب عليه ، وينبغي أن يبنى على الاتخاذ ، فإن جوزناه صح البيع ، وإن حرمناه كان حكمه حكم ما إذا باع جارية مغنية تساوي ألفا بلا غناء ، وألفين بسبب الغناء وذكرها إمام الحرمين في أواخر [ ص: 310 ] كتاب الصداق في فروع تتعلق به . قال : قال الشيخ أبو علي : إن باعها بألف صح ، وإن باعها بألفين فثلاثة أوجه : ( أحدها ) : لا يصح البيع ، قاله أبو بكر المحمودي ; لئلا يصير الغناء مقابلا بمال .

( والثاني ) : إن قصد المشتري بالمغالاة في ثمنها غناءها لم يصح البيع ، وإن لم يقصده صح ، قاله الشيخ أبو زيد .

( والثالث ) : يصح بكل حال ولا يختلف الحكم بالمقصود والأغراض قاله أبو بكر الأودني ، قال الإمام : وهذا هو القياس السديد . والله أعلم .

( فرع ) إذا خلل رجل أو امرأة أسنانه أو شعره بخلال فضة أو اكتحلا بميل فضة فهو حرام كما سبق في المكحلة

التالي السابق


الخدمات العلمية