صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وأما المضبب بالذهب فإنه يحرم قليله وكثيره { لقوله صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير : إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها } " فإن اضطر إليه جاز لما روي { أن عرفجة بن أسعد أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه ، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب } ) .


( الشرح ) أما الحديث الأول فحديث صحيح رواه الترمذي من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " { حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم } " قال الترمذي : حديث حسن صحيح . ورواه أبو داود والنسائي وغيرهما من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه بإسناد حسن ، وليس في رواية أبي داود والنسائي ( حل لإناثها ) ، ووقع في رواية لغيرهما ، ورواه البيهقي وغيره من رواية عقبة بن عامر بلفظه في المهذب . والله أعلم . وأما حديث عرفجة فحديث حسن أيضا رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بإسناد جيد ، قال الترمذي وغيره : هو حديث حسن ، وينكر على المصنف قوله ( روي ) بصيغة تمريض في حديث حسن ، وقد تقدم ذكرنا التنبيه على هذا في مقدمة الكتاب وبعدها ، وراوي حديث عرفجة هذا هو عرفجة رضي الله عنه .

[ ص: 311 ] وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " إن هذين حرام " أي حرام استعمالهما في التحلي ونحوه ، والحل بكسر الحاء هو الحلال . وقوله : " يوم الكلاب " هو بضم الكاف وتخفيف اللام وهو يوم معروف من أيام الجاهلية كانت لهم فيه وقعة مشهورة ، والكلاب اسم لماء من مياه العرب كانت عنده الوقعة فسمي ذلك اليوم يوم الكلاب ، وقيل : عنده وقعتان مشهورتان ، يقال : فيهما الكلاب الأول والكلاب الثاني ، وقوله : " من ورق " هو بكسر الراء وهو الفضة وهذا لا خلاف فيه ، ممن صرح به ابن قتيبة ثم الخطابي وخلائق لا يحصون كلهم مصرحون بأنه ورق بكسر الراء ويوضحه أنه في رواية النسائي : " اتخذ أنفا من فضة ، " وكذا رواه الشافعي في الأم في باب ما يوصل بالرجل والمرأة من أبواب الطهارة ، وكذا رواه المصنف في المهذب في باب ما يكره لبسه .

واعلم أن كل ما كان على فعل مفتوح الأول مكسور الثاني جاز إسكان ثانيه مع فتح أوله وكسره فيصير فيه ثلاثة أوجه : كورق وورق وورق وكتف وكتف وكتف وورك وورك وأشباهه ، فإن كان الحرف الثاني أو الثالث حرف حلق جاز فيه أربعة أوجه : الثلاثة المذكورة ، والرابع بكسر أوله وثانيه كفخذ وفخذ وفخذ وفخذ . وحروف الحلق العين والغين والحاء والخاء والهاء والهمزة . وهذا إنما أذكره وإن كان ظاهرا لكثرة تكرره في هذا الكتاب وغيره فقد يتكلم به إنسان على بعض الأوجه الجائزة فيغلطه فيه من لا يعرف هذه القاعدة ، وقد رأيت ذلك . وبالله التوفيق .

وأما عرفجة الراوي فهو بفتح العين المهملة ، وأسعد بفتح الهمزة والعين ، وهو عرفجة بن أسعد بن كرب بن صفوان التميمي العطاردي رضي الله عنه .

أما حكم المسألة : فاعلم أن المضبب هو ما أصابه شق ونحوه فيوضع عليه صفيحة تضمه وتحفظه ، وتوسع الفقهاء في إطلاق الضبة على ما كان للزينة بلا شق ونحوه ، ثم المضبب بالذهب فيه طريقان : الصحيح منهما القطع بتحريمه سواء كثرت الضبة أو قلت لحاجة أو لزينة ، وبهذا قطع المصنف [ ص: 312 ] وصاحب الحاوي والجرجاني في كتابيه . والشيخ نصر في كتابه الكافي والعبدري في الكفاية وغيرهم من العراقيين ، ونقله البغوي عن العراقيين . والطريق الثاني وقاله الخراسانيون : إنه كالمضبب بالفضة على الخلاف والتفصيل المذكور فيه ، ونقله الرافعي عن معظم الأصحاب ; لأنه لما استويا في الإناء فكذا في الضبة ، والمختار الطريق الأول للحديث ، فإنه يقتضي تحريم الذهب مطلقا ، وأما ضبة الفضة فإنما أبيحت لحديث قبيعة السيف وضبة القدح وغير ذلك ، ولأن باب الفضة أوسع فإنه يباح منه الخاتم وغيره . والله أعلم . وأما قول المصنف : إن اضطر إلى الذهب جاز استعماله فمتفق عليه ، وقال أصحابنا : فيباح له الأنف والسن من الذهب ومن الفضة ، وكذا شد السن العليلة بذهب وفضة جائز ، ويباح أيضا الأنملة منهما ، وفي جواز الأصبع واليد منهما وجهان حكاهما المتولي أحدهما : يجوز كالأنملة وبه قطع القاضي حسين في تعليقه ، وأشهرهما لا يجوز وبه قطع الفوراني والروياني وصاحبا العدة والبيان ; لأن الأصبع واليد منهما لا تعمل عمل الأصلية بخلاف الأنملة . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية