صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( إذا دفن الميت قبل الصلاة صلي على القبر ، لأن الصلاة تصل إليه في القبر وإن دفن من غير غسل أو إلى غير القبلة ولا يخش عليه الفساد في نبشه نبش وغسل ووجه إلى القبلة ، لأنه واجب مقدور على فعله فوجب فعله . وإن خشي عليه الفساد لم ينبش ; لأنه تعذر فعله فسقط كما يسقط وضوء الحي واستقبال القبلة في الصلاة إذا تعذر ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : يحرم الدفن قبل الصلاة عليه ، فإن ارتكبوا الحرام ودفنوه ، أو لم يحضره من تلزمه الصلاة ودفن لم يجز نبشه للصلاة ; [ ص: 267 ] بل تجب الصلاة عليه في القبر ، لأن الصلاة على الغائب جائزة ، وعلى القبور ، للأحاديث الصحيحة السابقة في الصلاة على القبر والغائب ، وقد سبقت هذه المسألة في فصل الصلاة على القبر ، هذا إذا دفن وهيل عليه التراب ، فأما إذا أدخل اللحد ولم يهل التراب فيخرج ويصلى عليه ، نقله الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق عن نص الشافعي ، قال : والفرق بين الحالتين من وجهين ( أحدهما ) قلة المشقة وكثرتها ( والثاني ) أن إخراجه بعد إهالة التراب نبش على الحقيقة ، وهو ممنوع وقبل أن يهال ليس بنبش . قال أبو محمد رحمه الله : وقال بعض أصحابنا : إذا أراد الصلاة عليه وهو في اللحد قبل أن يهال التراب رفعت لبنة مما يقابل وجهه لينظر بعضه ، قال أبو محمد : وهذا خلاف نص الشافعي ، والصحيح ما نص عليه ، هذا كلام أبي محمد ( قلت ) : وهذا النص نص عليه في عيون المسائل عن الربيع عن الشافعي رحمه الله .

أما إذا دفن بلا غسل فيأثمون بلا خلاف إن تمكنوا من غسله ، وكان ممن يجب غسله فالصحيح أنه إن تغير وخشي فساده لو نبش لم يجز نبشه لما فيه من إنهاك حرمته ، وإن لم يتغير وجب نبشه وغسله ، ثم الصلاة عليه لأنه واجب مقدور عليه فوجب فعله ، وبهذا التفصيل قطع المصنف وجماهير الأصحاب في الطريقتين . وحكى إمام الحرمين وغيره عن صاحب التقريب أنه حكى قولا للشافعي أنه لا يجب النبش للغسل ، وإن لم يتغير ، بل يكره نبشه ولا يحرم ، وحكى صاحب الحاوي وآخرون وجها أنه يجب نبشه للغسل ، وإن تغير وفسد ، قال الرافعي : ما دام منه جزء من عظم وغيره . واتفق الذين حكوا هذا الوجه على ضعفه وفساده ، أما إذا دفن إلى غير القبلة فقال المصنف وجمهور الأصحاب : الدفن إلى القبلة واجب كما سبق ، قالوا : فيجب نبشه وتوجيهه إلى القبلة إن لم يتغير ، وإن تغير سقط فلا ينبش لما ذكره المصنف ، هذه طريقة الأصحاب من العراقيين والخراسانيين إلا القاضي أبا الطيب فقال في كتابه المجرد : لا يجب التوجيه إلى القبلة ، بل هو سنة ، فإذا ترك استحب نبشه ، ولا يجب . وهذا شاذ ضعيف وسبقت المسألة مبسوطة في هذا الباب .

أما إذا دفن بلا تكفين فوجهان مشهوران ( أحدهما ) ينبش كما ينبش [ ص: 268 ] للغسل ( وأصحهما ) لا ينبش ، وبه قطع المحاملي في المقنع والسرخسي في الأمالي وآخرون لا ينبش لأن المقصود ستره ، وقد حصل ، ولأن في نبشه هتكا لحرمته والله أعلم .

ولو دفن في أرض مغصوبة استحب لصاحبها تركه ، فإن أبى فله إخراجه وإن تغير وتفتت وكان فيه هتك لحرمته ، إذ لا حرمة للغاصب { وليس لعرق ظالم حق } واتفق أصحابنا على هذا .

ولو دفن في ثوب مغصوب أو مسروق فثلاثة أوجه مشهورة حكاها إمام الحرمين وآخرون ( أصحها ) ينبش كما لو دفن في أرض مغصوبة ، وبهذا قطع البغوي وآخرون ، وصححه الغزالي والمتولي والرافعي ونقله السرخسي عن نص الشافعي .

( والثاني ) لا يجوز نبشه بل يعطى صاحب الثوب قيمته لأن الثوب صار كالهالك بخلاف الأرض ، ولأن خلع الثوب أفحش في هتك حرمته من رد الأرض ، وبهذا قطع القاضي أبو الطيب في تعليقه وابن الصباغ والعبدري ، وهو قول الداركي وأبي حامد ، ونقله الشيخ أبو حامد والمحاملي في كتابيه عن الأصحاب مطلقا .

( والثالث ) إن تغير الميت وكان في نبشه هتك لحرمته لم ينبش وإلا نبش ، وصححه صاحب العدة والشيخ نصر المقدسي ، واختاره الشيخ أبو حامد والمحاملي لأنفسهما بعد حكايتهما عن الأصحاب ما قدمته ، واختاره أيضا الدارمي .

، ولو كفن الرجل في ثوب حرير ، قال الرافعي : في نبشه هذه الأوجه ، ولم أر هذا لغيره ، وفيه نظر ، وينبغي أن يقطع بأنه لا ينبش بخلاف المغصوب ، فإن نبشه لحق مالكه . والله أعلم .

( فرع ) : ذكرنا أن مذهبنا أنه إذا دفن من غير غسل أو إلى غير القبلة يجب نبشه ليغسل ويوجه للقبلة ما لم يتغير ، وبه قال مالك وأحمد وداود ، وقال أبو حنيفة لا يجب ذلك بعد إهالة التراب عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية