صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن وقع في القبر مال لآدمي فطالب به صاحبه نبش القبر ، لما روي " أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه طرح خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 269 ] فقال : خاتمي ، ففتح موضع فيه فأخذه وكان يقول : أنا أقربكم عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم " ولأنه يمكن رد المال إلى صاحبه من غير ضرر فوجب رده عليه ، وإن بلع الميت جوهرة لغيره وطالب بها صاحبها شق جوفه وردت الجوهرة ، وإن كانت الجوهرة له ففيه وجهان ( أحدهما ) يشق لأنها صارت للورثة ، فهي كجوهرة الأجنبي ( والثاني ) لا يجب لأنه استهلكها في حياته فلم يتعلق بها الورثة ) .


( الشرح ) حديث المغيرة ضعيف غريب ، قال الحاكم أبو أحمد وهو شيخ الحاكم أبي عبد الله : لا يصح هذا الحديث ، ويقال : خاتم - بفتح التاء وكسرها - وخاتام وختام ، وقوله : بلع - بكسر اللام ، يقال : بلع يبلع كشرب يشرب ، قال أصحابنا : إذا وقع في القبر مال نبش وأخرج ، سواء كان خاتما أو غيره قليلا أو كثيرا هكذا أطلقه أصحابنا ، وقيده المصنف بما إذا طلبه صاحبه ، ولم يوافقوه على التقييد وهذا الذي ذكرناه من النبش هو المذهب ، وبه قطع الأصحاب في كل طرقهم ، وانفرد صاحب العدة بحكاية وجه أنه لا ينبش ، قال : وهو مذهب أبي حنيفة ، وهذا الوجه غلط .

أما إذا بلع جوهرة لغيره أو غيرها فطريقان ( الصحيح ) منهما - وبه قطع المصنف والأصحاب في معظم الطرق - أنه إذا طلبها صاحبها شق جوفه وردت إلى صاحبها والطريق الثاني فيه وجهان ممن حكاه المتولي والبغوي والشاشي ( أصحهما ) هذا ( والثاني ) لا يشق ، بل يجب قيمتها في تركته ، لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { كسر عظم الميت ككسره حيا } رواه أبو داود بإسناد صحيح إلا رجلا واحدا ، وهو سعد بن سعيد الأنصاري أخو يحيى بن سعيد الأنصاري فضعفه أحمد بن حنبل : ووثقه الأكثرون ، وروى له مسلم في صحيحه وهو كاف في الاحتجاج به ، ولم يضعفه أبو داود مع قاعدته التي قدمنا بيانها . قالوا : ووجه الدلالة من هذا الحديث أن كسر العظم ، وشق الجوف في الحياة لا يجوز لاستخراج جوهرة وغيرها ، فكذا بعد الموت ، وحكى الرافعي عن أبي المكارم صاحب العدة وهو غير صاحب العدة أبي عبد الله الحسين بن علي الطبري الإمام المشهور ، الذي ينقل عنه صاحب البيان [ ص: 270 ] وأطلقه أنا في هذا الشرح أنه قال : يشق جوفه إلا أن يضمن الورثة قيمته أو مثله فلا يشق في أصح الوجهين وهذا النقل غريب ، والمشهور للأصحاب إطلاق الشق من غير تفصيل .

أما إذا بلع جوهرة لنفسه فوجهان مشهوران ، ذكر المصنف دليلهما قل من بين الأصح منهما مع شهرتهما فصحح الجرجاني في الشافي والعبدري في الكفاية الشق وقطع المحاملي في المقنع بأنه لا يشق ، وصححه القاضي أبو الطيب في كتابه المجرد ، قال الشيخ أبو حامد في التعليق : وقول الأول أنها صارت للوارث غلط لأنها إنما تصير للوارث إذا كانت موجودة ، فأما المستهلكة فلا وهذه مستهلكة . وأجاب الأول عن هذا بأنها لو كانت مستهلكة لما شق جوفه بجوهرة الأجنبي وحيث قلنا : يشق جوفه وتخرج ، فلو دفن قبل الشق ، نبش لذلك والله أعلم . هذا تفصيل مذهبنا ، وقال أبو حنيفة وسحنون المالكي : يشق مطلقا . وقال أحمد وابن حبيب المالكي : لا يشق .

التالي السابق


الخدمات العلمية