صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ولا يجوز الجلوس على القبر ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه حتى تخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر } ولا يدوسه من غير حاجة لأن الدوس كالجلوس ، فإذا لم يجز الجلوس لم يجز الدوس ، فإن لم يكن طريق إلى قبر من يزوره إلا بالدوس جاز له ، لأنه موضع عذر ، ويكره المبيت في المقبرة لما فيها من الوحشة ) .


( الشرح ) حديث أبي هريرة رواه مسلم ، واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على النهي عن الجلوس على القبر للحديث المذكور ، لكن عبارة الشافعي في الأم وجمهور الأصحاب في الطرق كلها أنه يكره الجلوس وأرادوا به كراهة تنزيه كما هو المشهور في استعمال الفقهاء صرح به كثيرون منهم ، وقال المصنف والمحاملي في المقنع : لا يجوز ، فيحتمل أنهما أرادا التحريم ، كما هو الظاهر من استعمال الفقهاء قولهم : لا يجوز ويحتمل أنهما أرادا كراهة التنزيه لأن المكروه غير جائز عند الأصوليين ، وقد سبق في المهذب مواضع مثل هذا ، كقوله في الاستطابة لا يجوز الاستنجاء باليمين ، وقد بيناها في مواضعها . قال المصنف والأصحاب رحمهم الله : ووطؤه كالجلوس عليه ، قال أصحابنا : وهكذا يكره الاتكاء عليه ، قال الماوردي والجرجاني وغيرهما : ويكره أيضا الاستناد إليه ، وأما المبيت في المقبرة فمكروه من غير ضرورة ، نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب لما ذكره المصنف ، والله أعلم .

( فرع ) : في مذاهب العلماء في كراهة الجلوس على القبر ، والاتكاء عليه ، والاستناد إليه قد ذكرنا أن ذلك مكروه عندنا ، وبه قال جمهور [ ص: 288 ] العلماء ، منهم النخعي والليث وأبو حنيفة وأحمد وداود ، وقال مالك : لا يكره .

( فرع ) : المشهور في مذهبنا أنه لا يكره المشي في المقابر بالنعلين والخفين ونحوهما ممن صرح بذلك من أصحابنا الخطابي والعبدري وآخرون ، ونقله العبدري عن مذهبنا ومذهب أكثر العلماء ، قال أحمد بن حنبل رحمه الله : يكره ، وقال صاحب الحاوي : يخلع نعليه لحديث بشير بن معبد الصحابي المعروف بابن الخصاصية قال { بينما أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر فإذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان فقال : يا صاحب السبتتين ويحك ، ألق سبتتيك ، فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعهما } رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن ، واحتج أصحابنا بحديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه إلى آخر الحديث } رواه البخاري ومسلم ( وأجابوا ) عن الحديث الأول بجوابين : ( أحدهما ) وبه أجاب الخطابي أنه يشبه أنه كرههما لمعنى فيهما ; لأن النعال السبتية - بكسر السين - هي المدبوغة بالقرظ ، وهي لباس أهل الترفه والتنعم ، فنهى عنهما لما فيهما من الخيلاء ، فأحب صلى الله عليه وسلم أن يكون دخوله المقابر على زي التواضع ، ولباس أهل الخشوع ، ( والثاني ) لعله كان فيهما نجاسة ، قالوا : وحملنا على تأويله الجمع بين الحديثين .

التالي السابق


الخدمات العلمية