صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وأما الكافر فإن كان أصليا لم تجب عليه الزكاة لأنه حق لم يلتزمه فلا يلزمه كغرامة المتلفات ، وإن كان مرتدا لم تسقط عنه [ ما ] وجب في حال الإسلام ، لأنه ثبت وجوبه فلم يسقط بردته كغرامة المتلفات ، وأما في حال الردة فإنه يبنى على ملكه وفي ملكه ثلاثة أقوال : ( أحدها ) [ أنه ] يزول بالردة فلا تجب عليه الزكاة ، ( والثاني ) لا يزول فتجب عليه الزكاة لأنه حق التزمه بالإسلام فلم يسقط [ عنه ] بالردة كحقوق الآدميين ، ( والثالث ) أنه موقوف ، فإن رجع إلى الإسلام حكمنا [ بأنه لم يزل ملكه فتجب عليه الزكاة ، وإن لم يرجع حكمنا ] بأنه قد زال ملكه ، فلا تجب عليه الزكاة ) .


( الشرح ) قوله في الكافر الأصلي : لا تجب عليه ، ليس مخالفا لقول جمهور أصحابنا وغيرهم في الأصول أن الكفار يخاطبون بفروع الشرع ، وقد سبق في أول كتاب الصلاة بيان ذلك واضحا مع فوائد تتعلق بأحكام الكفار . وأما قوله لأنه حق لم يلتزمه فلا يلزمه كغرامة المتلفات فقد ينكر عليه ، ويقال : هذا دليل ناقص عن الدعوى لأن مراد المصنف أن الزكاة لا تجب على الكافر ، سواء كان حربيا أو ذميا ، وهذا لا خلاف فيه ، فدليل المصنف ناقص ، لأنه دليل لعدم الوجوب في حق الحربي دون الذمي ، فإن الذمي يلزمه غرامة المتلفات .

( والجواب ) أنه أراد أن الزكاة حق لم يلتزمه الحربي ولا الذمي فلا يلزم واحد منهما كما لا تجب غرامة المتلفات على من لم يلتزمها وهو الحربي ، وهذا جواب حسن ، واتفق أصحابنا مع نصوص الشافعي رحمه الله على أنه لا تجب الزكاة على الكافر الأصلي حربيا كان أو ذميا فلا يطالب بها في كفره ، وإن أسلم لم يطالب بها في مدة الكفر .

وأما المرتد فإن وجب عليه زكاة قبل ردته لم تسقط عنه بالردة عندنا باتفاق الأصحاب . وقال أبو حنيفة : تسقط [ ص: 300 ] بناء على أصله أن المرتد يصير كالكافر الأصلي ، دليلنا ما ذكره المصنف . وأما زمن الردة فهل تجب عليه فيه زكاة ؟ فيه طريقان حكاهما إمام الحرمين والرافعي وغيرهما " أحدهما " القطع بوجوب الزكاة ، وبه قال ابن سريج كالنفقات والغرامات " والطريق الثاني " ، وهو المشهور وبه قطع الجمهور ، فيه ثلاثة أقوال بناء على بقاء ملكه وزواله ، ( أحدها ) : يزول ملكه فلا زكاة .

( والثاني ) يبقى فتجب ( وأصحها ) أنه موقوف إن عاد إلى الإسلام وتبينا بقاءه فتجب وإلا فلا ، وتتصور المسألة إذا بقي مرتدا حولا ولم نعلم ثم علمنا ولم نقدر على قتله ، أو ارتد وقد بقي من الحول ساعة فلم يقتل أو لم يسلم إلا بعد الحول والله أعلم .

قال أصحابنا : وإن قلنا : لا تجب الزكاة فارتد في أثناء الحول انقطع الحول ، فإذا أسلم استأنف ، وإن قلنا : تجب لم ينقطع ، قال أصحابنا : وإذا أوجبناها فأخرج في حال الردة أجزأه ، كما لو أطعم عن الكفارة بخلاف الصوم لا يصح منه ، لأنه عمل بدني فلا يصح إلا ممن يكتب له ، هكذا صرح به البغوي والجمهور وقال إمام الحرمين : قال صاحب التقريب : لو قلت : إذا ارتد لم يخرج الزكاة ما دام مرتدا لم يكن بعيدا لأن الزكاة قربة محضة مفتقرة إلى النية ، ولا تجب على الكافر الأصلي ، فتعذر أداؤها من المرتد . قال صاحب التقريب : على هذا إذا حكمنا بأن ملكه لا يزول ومضى حول في الردة لم يخرج الزكاة أيضا لما ذكرنا ، فإن أسلم لزمه إخراج ما وجب في إسلامه وردته ، ولو قتل مرتدا وقد تعذر أداء الزكاة على هذا الاحتمال فتسقط في حكم الدنيا ، ولا تسقط المعاقبة بها في الآخرة . قال إمام الحرمين : مما قطع به الأصحاب إخراج الزكاة لحق المساكين عاجلا ولكن يحتمل أن يقال : إذا أسلم لم يلزمه إعادة الزكاة ، فيه وجهان كالممتنع من أداء الزكاة إذا أخذها الإمام منه قهرا ، ولم ينو الممتنع ، هذا آخر كلام الإمام والمذهب أنها تجزئ لما نقلناه أولا عن الجمهور ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية