صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا تجب الزكاة فيه حتى يحول عليه الحول ، لأنه روي ذلك عن أبي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، وهو مذهب فقهاء المدينة وعلماء الأمصار ، ولأنه لا يتكامل نماؤه قبل الحول فلا تجب فيه الزكاة ، فإن باع النصاب في أثناء الحول أو بادل به نصابا آخر انقطع الحول فيما باع ، وإن مات في أثناء الحول ففيه قولان ( أحدهما ) ينقطع الحول لأنه زال ملكه عنه فصار كما لو باعه .

( والثاني ) لا ينقطع ، بل يبني الوارث على حوله ، لأن ملك الوارث مبني على ملك المورث ، ولهذا لو ابتاع شيئا معيبا فلم يرد حتى مات قام وارثه مقامه في الرد بالعيب ) .


( الشرح ) : هذا المذكور عن أبي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم صحيح عنهم ، رواه البيهقي وغيره ، وقد روي عن علي وعائشة رضي الله عنهما [ ص: 328 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول } وإنما لم يحتج المصنف بالحديث لأنه حديث ضعيف ، فاقتصر على الآثار المفسرة . قال البيهقي : الاعتماد في اشتراط الحول على الآثار الصحيحة ، فيه عن أبي بكر الصديق وعثمان وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم ، قال العبدري : أموال الزكاة ضربان .

( أحدهما ) ما هو نماء في نفسه كالحبوب والثمار ، فهذا تجب الزكاة فيه لوجوده ( والثاني ) ما هو مرصد للنماء كالدراهم والدنانير وعروض التجارة والماشية فهذا يعتبر فيه الحول فلا زكاة في نصابه حتى يحول عليه الحول ، وبه قال الفقهاء كافة ، قال : وقال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم : تجب الزكاة فيه يوم ملك النصاب ، قال : فإذا حال الحول وجبت زكاة ثانية والله أعلم . وأما قول المصنف : وإن باع النصاب في أثناء الحول أو بادل به انقطع الحول فيما باع ، هكذا هو في كل النسخ : ( انقطع الحول فيما باع ) وهو ناقص ، ومراده انقطع الحول فيما باع وفيما بادل به ، ولا فرق بينهما بلا خلاف من أصحابنا . واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أن بقاء الماشية في ملكه حولا كاملا شرط الزكاة ، فلو زال الملك في لحظة من الحول ثم عاد انقطع الحول ، واستأنف الحول من حين يجدد الملك ، ولو بادل بماشيته ماشية من جنسها أو من غيره استأنف كل واحد منهما الحول على ما أخذه من حين المبادلة ، وكذا لو بادل الذهب بالذهب والفضة بالفضة استأنف الحول إن لم يكن صيرفيا يبدلها للتجارة ، وكذا إن كان صيرفيا على الأصح . وقد ذكر المصنف المسألة في باب زكاة التجارة وسنوضحها هناك إن شاء الله تعالى . هذا كله في المبادلة الصحيحة أما الفاسدة فلا ينقطع الحول ، سواء اتصل بالقبض أم لا ، لأن الملك باق . فلو كانت سائمة وعلفها المشتري . قال البغوي : هو كعلف الغاصب . وفي قطع الحول الوجهان ( الأصح ) يقطع : قال ابن كج : وعندي أنه يقطع قولا واحدا لأنه مأذون له . فهو كالوكيل بخلاف الغاصب ولو باع معلوفة بيعا فاسدا فأسامها المشتري فهو كإسامة الغاصب .

[ ص: 329 ] أما ) إذا باع النصاب أو بادل به قبل تمام الحول - ووجد المشتري به عيبا قديما - فينظر إن لم يمض عليه حول من حين الشراء . فله الرد بالعيب . فإذا رد استأنف المردود عليه الحول من حين الرد ، سواء رد قبل القبض أم بعده . وإن مضى حول من حين الشراء ، ووجبت فيه الزكاة نظر - إن لم يخرجها بعد - فليس له الرد ، سواء قلنا : الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة ، لأن للساعي أن يأخذ الزكاة من عينها لو تعذر أخذها من المشتري . وهذا عيب حادث يمنع الرد ولا يبطل حق الرد بالتأخير إلى أداء الزكاة ، لأنه غير متمكن منه قبله ، وإنما يبطل الرد بالتأخير مع التمكن من الرد . قال أصحابنا : ولا فرق في ذلك بين عروض التجارة والماشية التي تجب زكاتها من غير جنسها . وهي الإبل ، ما لم تبلغ خمسة وعشرين . وبين سائر الأموال . وفي كلام ابن الحداد تجويز الرد قبل إخراج الزكاة وغلطوه فيه ، قال الرافعي : وأثبته الأصحاب وجها . وإن أخرج الزكاة نظر - إن أخرجها من موضع آخر - بنى جواز الرد على أن الزكاة تتعلق بالعين أم بالذمة ، فإن قلنا : بالذمة ; والمال مرهون به فله الرد كما لو رهن ما اشتراه ثم انفك الرهن ووجد به عيبا . وإن قلنا : إن الزكاة تتعلق بالعين - والمساكين شركاء - فهل له الرد ؟ فيه طريقان : ( أحدهما ) وهو الصحيح عند الشيخ أبي علي السنجي وقطع به كثير من الخراسانيين : له الرد . ( والثاني ) وبه قطع العراقيون والصيدلاني وغيره من الخراسانيين أنه على وجهين ( أصحهما ) له الرد . وهما كما لو اشترى شيئا وباعه وهو جاهل بعيبه . ثم اشتراه أو ورثه هل له رده ؟ وسيأتي فيه خلاف في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى . وحكى الرافعي وجها : أنه ليس له الرد على غير قول الشركة أيضا ، لأن ما أخرجه من الزكاة قد يظهر مستحقا فيأخذ الساعي من نفس النصاب . قال : ومنهم من خص الوجه بقدر الزكاة وجعل الزائد على قولي تفريق الصفقة وهذا الوجه شاذ ضعيف . وإن أخرج الزكاة من نفس المال فإن كان الواجب من جنس المال أو من غير جنسه فباع منه بقدر الزكاة فهل له الرد ؟ فيه ثلاثة أقوال . [ ص: 330 ] أحدها ) وهو المنصوص في الزكاة ليس له الرد . وهذا إذا لم نجوز تفريق الصفقة وعلى هذا هل يرجع بالأرش ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) لا يرجع إن كان المخرج في يد المساكين ، لأنه قد يعود إلى ملكه فيرد الجميع . وإن كان تالفا رجع به ، ( والثاني ) يرجع مطلقا وهو الأصح وظاهر النص ، لأن نقصانه كعيب حدث . ولو حدث عيب رجع بالأرش ولم ينتظر زوال العيب .

( والقول الثاني ) يرد الباقي بحصته من الثمن . وهذا إذا جوزنا تفريق الصفقة .

( والقول الثالث ) يرد الباقي ، وقيمة المخرج في الزكاة . ويسترد كل الثمن ليحصل به غرض الرد ولا تتبعض الصفقة . ولو اختلفا في قيمة المخرج على هذا القول فقال البائع : ديناران وقال المشتري : دينار فقولان وقيل : وجهان .

( أحدهما ) القول قول المشتري ; لأنه غارم ، ( والثاني ) قول البائع لأن ملكه ثابت على الثمن . ولا يسترد منه إلا ما أقر به . وحكم الإقالة حكم الرد بالعيب في جميع ما ذكرناه ، ( أما ) إذا باع النصاب في أثناء الحول بشرط الخيار وفسخ البيع . فإن قلنا الملك في زمن الخيار للبائع أو موقوف ، بني على حوله . وإن قلنا : للمشتري استأنف البائع الحول بعد الفسخ ، والله أعلم .

( فرع ) : إذا مات في أثناء الحول وانتقل المال إلى وارثه هل يبنى على الحول ؟ فيه القولان اللذان ذكرهما المصنف . وهما مشهوران ( أصحهما ) باتفاقهم لا يبنى بل يستأنف حولا من حين انتقل إليه الملك . وهذا نصه في الجديد ( ، والثاني ) وهو القديم أنه يبنى على حول الميت ; لأنه يقوم مقامه في الرد بالعيب وغيره . واحتجوا للجديد بأنه زال ملكه كما لو باعه . وفرقوا بينه وبين الرد بالعيب بأن الرد حق للمال ، فانتقل إلى صاحب المال . والزكاة حق في المال . وحكى الرافعي طريقا آخر قاطعا بأنه لا يبنى ، [ ص: 331 ] وأنكروا القديم ، والمذهب أنه لا يبنى فعلى هذا إن كان الموروث مال تجارة لم ينعقد الحول عليه حتى يتصرف الوارث بنية التجارة : وإن كان سائمة ، ولم يعلم الوارث الحال حتى حال الحول ، فهل يلزمه الزكاة أم يبتدئ الحول من وقت علمه ؟ فيه وجهان بناء على أن قصد السوم هل يشترط ؟ وقد سبق بيانه .

( فرع ) : لو ارتد في أثناء الحول إن قلنا : يزول ملكه بالردة - انقطع الحول ، فإن أسلم استأنف ، وفيه وجه أنه لا ينقطع ، بل يبنى كما بنى الوارث على قول حكاه صاحب البيان [ ] والرافعي وإن قلنا : لا يزول فالحول مستمر وعليه الزكاة عند تمامه ، وإن قلنا : موقوف فإن هلك على الردة تبينا الانقطاع من وقت الردة ، وإن أسلم تبينا استمرار الملك .

( فرع ) : قال أصحابنا : لا فرق في انقطاع الحول بالمبادلة والبيع في أثناء الحول بين من يفعله محتاجا إليه وبين من قصد الفرار من الزكاة ، ففي الصورتين ينقطع الحول بلا خلاف ، ولكن يكره الفرار كراهة تنزيه ، وقيل حرام وليس بشيء وسنوضح المسألة إن شاء الله تعالى في باب زكاة الثمار حيث ذكرها المصنف .

التالي السابق


الخدمات العلمية