صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى ( ويستحب تغطية الإناء لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغطية الإناء وإيكاء السقاء } ) .


( الشرح ) هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، وروي في غير الصحيح من رواية أبي هريرة ، ولفظ رواية جابر : " { غطوا الإناء وأوكئوا السقاء } " ، وفي رواية " { خمر إناءك واذكر اسم الله ولو تعرض عليه شيئا } " وتعرض بضم الراء ، روي بكسرها والضم أصح وأشهر ، ومعناه تضع عليه عودا أو نحوه عرضا . وقوله : ( تغطية الوضوء ) هو بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به ، وقوله : وإيكاء السقاة الإيكاء والسقاء ممدودان ، والإيكاء هو شد رأس السقاء وهو قربة اللبن أو الماء ونحوهما بالوكاء وهو الخيط الذي يشد به ، وهو ممدود أيضا ، وهذا الحكم الذي ذكره وهو استحباب تغطية [ ص: 322 ] الإناء متفق عليه ، وسواء فيه إناء الماء واللبن وغيرهما ، ودليله الحديث الصحيح الذي ذكرناه ، وفائدته ثلاثة أشياء : أحدها : ما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { فإن الشيطان لا يحل سقاء ولا يكشف إناء } " . الثاني : جاء في رواية لمسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء } " ، قال الليث بن سعد أحد رواته في مسلم : فالأعاجم يتقون ذلك في كانون الأول . والوباء بالمد والقصر لغتان ، وإذا قصر همز . وكانون عجمي لا ينصرف . الثالث : صيانته من النجاسة وشبهها . والله أعلم .

( فرع ) أبو هريرة رضي الله عنهما راوي الحديث هو أول من كني بهذه الكنية ، قيل : كان له هرة يلعب بها في صغره فكني بها . واختلف في اسمه واسم أبيه على نحو ثلاثين قولا ، أشهرها وأصحها أنه عبد الرحمن بن صخر ، وبه قطع جماعات من أهل هذا الفن ، وهو سابق المحدثين وأول حفاظه المتصدين لحفظه ، تصدى لحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى برع فيه وفاق سائر الصحابة رضي الله عنهم فيه ، وروي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثا ، وليس لأحد من الصحابة ما يقارب هذا . قال الشافعي - رحمه الله - : أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره . وقال البخاري - رحمه الله - : روى عن أبي هريرة نحو ثمانمائة رجل وأكثر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، وكان أبو هريرة أشهر أهل الصفة في زمن صحبته ، وكان عريف أهل الصفة ، توفي بالمدينة ودفن في البقيع سنة تسع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة رضي الله عنه وقد بسطت في تهذيب الأسماء . وبالله التوفيق .

( فرع ) مما يتعلق بما سبق ما ثبت في صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا كان جنح الليل وأمسيتم فكفوا صبيانكم فإن الشيطان ينتشر حينئذ ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم وأغلقوا الباب واذكروا اسم الله ، فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا ، وأوكوا قربكم واذكروا [ ص: 323 ] اسم الله وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئا وأطفئوا مصابيحكم } " وفي رواية لمسلم أيضا : " { لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء } " وفي الصحيحين عن ابن عمر وأبي موسى رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون } " فهذه سنن ينبغي المحافظة عليها ، وجنح الليل بضم الجيم وكسرها ظلامه ، والفواشي بالفاء جمع فاشية وهي كل ما ينتشر من المال كالبهائم وغيرها ، وفحمة العشاء ظلمتها ، وقد أوضحت شرح هذه الأحاديث وما يتعلق بها ومعانيها في شرح صحيح مسلم - رحمه الله - . وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا دخل الرجل ، بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإذا دخل ولم يذكر الله تعالى قال الشيطان : أدركتم المبيت ، والعشاء } " . واعلم أنه يستحب التسمية عند دخوله بيته وبيت غيره ، والسلام إذا دخله وإن لم يكن فيه أحد ، ويدعو عند خروجه ، قال أنس رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من قال يعني إذا خرج من بيته : باسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، يقال له : كفيت ووفيت ، وتنحى عنه الشيطان } " ، رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن . وفي الباب أحاديث كثيرة من هذا أوضحتها في أول كتاب الأذكار ، وفيها أشياء كثيرة تتعلق بهذا الفصل والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية