صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( إذا ملك النصاب وحال عليه الحول ، ولم يمكنه الأداء ففيه قولان : ( قال في القديم ) : لا تجب الزكاة قبل إمكان الأداء ، فعلى هذا تجب الزكاة بثلاثة شروط : الحول ، والنصاب ، وإمكان الأداء ، والدليل عليه أنه لو هلك المال لم يضمن زكاته فلم تكن الزكاة واجبة كما قبل الحول ( وقال في الإملاء ) : تجب ، وهو الصحيح فعلى هذا تجب الزكاة بشرطين : الحول والنصاب - وإمكان الأداء شرط في الضمان لا في الوجوب ، والدليل عليه أنه لو كانت الزكاة غير [ ص: 342 ] واجبة لما ضمنها بالإتلاف كما الحول ، فلما ضمن الزكاة بالإتلاف [ بعد الحول ] دل على أنها واجبة فإن كان معه خمس من الإبل [ و ] هلك منها واحدة بعد الحول وقبل إمكان الأداء ( فإن قلنا ) : [ إن ] إمكان الأداء شرط في الوجوب سقطت الزكاة ; لأنه نقص المال عن النصاب قبل الوجوب ، فصار كما لو هلك قبل الحول ، وإن قلنا : إنه ليس بشرط في الوجوب ، وإنما هو شرط في الضمان سقط من الفرض خمسه ، ووجب أربعة أخماسه . وإن كان عنده نصاب ، فتوالدت بعد الحول وقبل إمكان الأداء ففيه طريقان : ( أحدهما ) : أنه يبني على القولين فإن قلنا : إمكان الأداء شرط في الوجوب ضم الأولاد إلى الأمهات ، فإذا أمكنه الأداء زكى الجميع وإن قلنا : شرط في الضمان لم يضم ; لأنه حصل الأولاد بعد الوجوب ، فمن أصحابنا من قال : في المسألة قولان : من غير بناء على القولين ( أحدهما ) : تضم الأولاد إلى ما عنده لقول عمر رضي الله عنه : " اعتد عليهم بالسخلة التي يروح بها الراعي على يديه " والسخلة التي يروح بها الراعي على يديه لا تكون إلا بعد الحول ، وأما ما تولد قبل الحول ، فإنه بعد الحول يمشي بنفسه ( والثاني ) : وهو الصحيح لا يضم إلى ما عنده [ ; لأنه الزكاة قد وجبت في الأمهات والزكاة لا تسري إلى الولد ; لأنها لو سرت بعد الوجوب لسرت بعد الإمكان ; لأن الوجوب فيه مستقر وحال استقرار الوجوب آكد من حال الوجوب ، فإن لم تسر الزكاة إليه في حال الاستقرار ، فلألا تسري قبل الاستقرار أولى ] ) .


( الشرح ) : حديث عمر سبق بيانه قريبا ، وأنه صحيح وسبق بيان حقيقة السخلة قال أصحابنا : إذا حال الحول على النصاب ، فإمكان الأداء شرط في الضمان بلا خلاف ، وهل هو شرط في الوجوب ؟ فيه قولان : مشهوران ( أصحهما ) : باتفاق الأصحاب أنه ليس بشرط في الوجوب ، وإنما هو شرط في الضمان نص عليه في الإملاء من كتبه الجديدة ( والثاني ) : أنه شرط نص عليه في الأم والقديم ، وهو مذهب مالك ودليلهما في الكتاب . واحتجوا أيضا للقديم بالقياس على الصلاة والصوم والحج ، فإن التمكن فيها شرط لوجوبها . واحتجوا للأصح أيضا بأنه لو تأخر الإمكان مدة بعد [ ص: 343 ] انقضاء الحول ، فإن ابتداء الحول الثاني يحسب من تمام الأول من الإمكان . قال أصحابنا : وهذا لا خلاف فيه ، وقد سبق في أواخر الباب الأول بيان كيفية إمكان الأداء وما يتعلق به ويتفرع عليه . قال أصحابنا : وقولنا إمكان الأداء شرط في الضمان معناه يضمن من الزكاة بقدر ما بقي من النصاب ، فلو هلك النصاب كله بعد الحول وقبل إمكان الأداء فلا شيء على المالك بلا خلاف كما ذكر المصنف ; لأنا إن قلنا : الإمكان شرط في الوجوب ، فلم يصادف وقت الوجوب مالا . وإن قلنا : شرط في الضمان ، فلم يبق شيء يضمن بقسطه ، فلو حال الحول على خمس من الإبل فتلف واحد قبل الإمكان ، فلا زكاة على التالف بلا خلاف ، وأما الأربعة ، فإن قلنا : الإمكان شرط [ في الوجوب فلا شيء فيها وإن قلنا : شرط ] في الضمان فقط وجب أربعة أخماس شاة ولو تلف أربعة ، فعلى الأول لا شيء ، وعلى الثاني يجب خمس شاة ، ولو ملك ثلاثين بقرة ، فتلف خمس منها بعد الحول وقبل الإمكان ، فعلى الأول لا شيء عليه وعلى الثاني يجب خمسة أسداس تبيع ، ولو تم الحول على تسع من الإبل ، فتلف أربعة قبل الإمكان . فإن قلنا : التمكن شرط في الوجوب وجب شاة ، وإن قلنا : شرط في الضمان والوقص عفو فكذلك ، وإن قلنا : يتعلق الفرض بالجميع ، فالصحيح الذي قطع به الجمهور يجب خمسة أتساع شاة ، وقال أبو إسحاق : يجب شاة كاملة ، وسيأتي بيان وجه أبي إسحاق . هذا ودليله في أوائل الباب الذي بعد هذا في مسألة الأوقاص هل هي عفو ؟ أم لا ؟ إن شاء الله تعالى . ولو كانت المسألة بحالها فتلف خمس فإن قلنا : الإمكان شرط في الوجوب فلا شيء عليه ، وإن قلنا : شرط في الضمان والوقص عفو وجب أربعة أخماس شاة وإن قلنا : ليس بعفو فأربعة أتساع شاة ولا يجيء وجه أبي إسحاق . ولو ملك ثمانين شاة ، فتلف بعد الحول وقبل الإمكان أربعون ، فإن قلنا : التمكن شرط في الوجوب أو الضمان ، والوقص عفو فعليه شاة ، وإن قلنا : يتعلق بالجميع فنصف شاة ، وعلى وجه أبي إسحاق شاة كاملة ، ولو ملك خمسا وعشرين بعيرا فتلف بعد الحول وقبل الإمكان [ ص: 344 ] خمس فإن قلنا : الإمكان شرط في الوجوب لزمه أربع شياه ، وإلا فأربعة أخماس بنت مخاض . وأما إذا كان عنده نصاب ، فتوالدت بعد الحول وقبل الإمكان ، ففيها طريقان ذكرهما المصنف بدليليهما ، وفيها طريق ثالث ، أنه لا يجب شيء في المتولد قولا واحدا وقد سبق بيان هذا كله في الفصل الذي قبل هذا ، والمذهب أنه لا يضم النتاج إلى الأمهات في هذا الحول بل يبدأ حولها من حين ولادتها والله أعلم . وأما قول المصنف : لو كانت الزكاة غير واجبة لما ضمنها بالإتلاف ، فمعناه أن رب المال لو أتلف المال بعد الحول وقبل إمكان الأداء لم تسقط عنه الزكاة بلا خلاف لتقصيره بالإتلاف بخلاف ما إذا أتلف باقيه ، فإنه لا يضمن ; لأنه لا تقصير ( وأما ) : إذا أتلفه غير المالك فإن قلنا : التمكن شرط في الوجوب لم تجب الزكاة ، وإن قلنا : شرط في الضمان وقلنا : الزكاة تتعلق بالذمة فلا زكاة أيضا ، وإن قلنا : تتعلق بالعين انتقل حق الفقراء إلى القيمة ، كما لو قتل المرهون أو الجاني .

( وأما ) : قوله : التفريع فيما إذا هلك بعض النصاب قبل التمكن سقطت الزكاة فمعناه لم تجب : وليس هو سقوطا حقيقيا ، وهذا كثير يستعمله الأصحاب نحو هذا الاستعمال ووجهه : أنه لما كان سبب الوجوب موجودا ثم عرض مانع الوجوب صار كمسقط ما وجب فسمي سقوطا مجازا ، والله أعلم .

فرع : في مذاهب العلماء في إمكان الأداء قد ذكرنا أن مذهبنا أنه شرط في الضمان على الأصح ، فإن تلف المال بعد ضمان الزكاة ، وإن تلف قبله فلا ، وقال أحمد : يضمن في الحالين ، والتمكن عنده ليس بشرط في الوجوب ولا في الضمان وقال أبو حنيفة : إذا تلف بعد التمكن لم يضمن إلا أن يطالبه الإمام أو الساعي فيمنعه . ومن أصحابنا من قال : لا يضمن وإن طولب وقال مالك : إذا ميز الزكاة عن ملكه وأخذها ليسلمها إلى الفقراء ، فتلفت في يده بلا تفريط لم يضمن [ ص: 345 ] وسقطت عنه ، وقال داود : إن تلفت بلا تعد سقطت الزكاة ، وإن منعها كان ضامنا بالتلف ، وإن تلف بعض المال سقط من الزكاة بقسطه دليلنا القياس على دين الآدمي .

التالي السابق


الخدمات العلمية