صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وهل تجب الزكاة في العين أو في الذمة ؟ فيه قولان : ، قال في القديم : تجب في الذمة والعين مرتهنة بها ، ووجهه أنها لو كانت واجبة في العين لم يجز أن يعطى حق الفقراء من غيرها ، كحق المضارب والشريك ، وقال في الجديد : تجب في العين وهو الصحيح ; لأنه حق يتعلق بالمال يسقط بهلاكه ، فتعلق بعينه كحق المضارب ( فإن قلنا ) : إنها تجب في العين وعنده نصاب وجبت فيه الزكاة ، فلم يؤد حتى حال عليه حول آخر لم يجب في الحول الثاني زكاة ; لأن الفقراء ملكوا من النصاب قدر الفرض ، فلم يجب في الحول الثاني زكاة ; لأن الباقي دون النصاب ( وإن قلنا ) : تجب في الذمة وجبت في الحول الثاني وفي كل حول ; لأن النصاب باق على ملكه ) .


( الشرح ) قوله : هل تجب الزكاة في الذمة ؟ أو في العين ؟ فيه قولان : الجديد الصحيح : في العين . والقديم : في الذمة هكذا ذكر المسألة أصحابنا العراقيون ، ووافقهم جمهور الخراسانيين على أن الصحيح تعلقها بالعين ، وذكر إمام الحرمين والغزالي وطائفة من الخراسانيين ترتيبا آخر في كيفية نقل المسألة فقالوا : هل تتعلق الزكاة بالعين أو بالذمة ؟ فيه قولان : فإن قلنا : بالعين فقولان : ( أحدهما ) : أن الفقراء يصيرون شركاء لرب المال في قدر الزكاة ; لأن الواجب يتبع المال في الصفة ، فتؤخذ الصحيحة من الصحاح والمريضة من المراض ، ولو امتنع من إخراج الزكاة أخذها الإمام من عين المال قهرا ( والثاني ) : أنها تتعلق بالمال تعلق استيثاق ; لأنه لو كان مشتركا لما جاز الإخراج من موضع آخر كالمشترك بين رجلين وعلى هذا القول في كيفية الاستيثاق قولان : ( أحدهما ) : تتعلق به تعلق الدين بالرهن ( والثاني ) : تعلق الأرش برقبة العبد الجاني ; لأن الزكاة تسقط بتلف المال قبل التمكن فلو قلنا تعلقها تعلق المرهون لما سقطت وحكى إمام الحرمين . وغيره عن ابن سريج أنه قال : لا خلاف في تعلقها بالعين تعلق شركة ( والثاني ) : تعلق الرهن ( والثالث ) : تعلق أرش الجناية ( والرابع ) : تتعلق بالذمة ، قال صاحب التتمة : وإذا قلنا : تتعلق بالذمة ، فهل المال خلو أو هو رهن بهما ؟ فيه وجهان : . [ ص: 346 ] قال أصحابنا : فإن قلنا : تتعلق بالعين تعلق الرهن أو الأرش ، فهل تتعلق ، بالجميع ؟ أم بقدرها فقط ؟ فيه وجهان : حكاهما إمام الحرمين وغيره ( أصحهما ) : بقدرها ، قال الإمام : التخصيص بقدر الزكاة هو الحق الذي قاله الجمهور وما عداه هفوة ، وتظهر فائدة الخلاف في بيع مال الزكاة . هذا كله إذا كان الواجب من جنس المال . فإن كان من غيره كالشاة الواجبة في خمس من الإبل . فطريقان : حكاهما صاحب التتمة وغيره ( أحدهما ) : القطع بتعليقها بالذمة لتوافق الجنس ( والثاني ) : وهو الصحيح ، وبه قطع الجمهور . أنه على الخلاف كما لو اتحد الجنس فعلى قول الاستيثاق لا تختلف . وعلى قول الشركة ثبتت الشركة بقدر قيمة الشاة والله أعلم .

( فرع ) : وأما قول المصنف في توجيه القديم ; لأن الزكاة لو وجبت في العين لم يجز أن يعطى حق الفقراء من غيرها . كحق المضارب والشريك . فالمضارب بكسر الراء ويجوز فتحها وهو عامل القراض . وهذا الذي قاله من جواز إخراج الزكاة من غير عين المال متفق عليه " وأجاب " الأصحاب للقول الجديد الصحيح عن هذا بأن الزكاة مبنية على المسامحة والإرفاق فيحتمل فيها ما لا يحتمل في غيرها " وقوله " في توجيه الجديد حق تعلق بالمال فسقط بهلاكه احتراز من الرهن .

( فرع ) : إذا ملك أربعين شاة فحال عليها حول ، ولم يخرج زكاتها حتى حال عليها حول آخر ، فإن حدث منها في كل حول سخلة فصاعدا فعليه لكل حول شاة بلا خلاف ، وإن لم يحدث ، فعليه شاة عن الحول الأول ، وأما الثاني فإن قلنا تجب الزكاة في الذمة ، وكان يملك سوى الغنم ما يفي بشاة وجب شاة للحول الثاني . فإن لم يملك غير النصاب انبنى على الدين : هل يمنع وجوب الزكاة أم لا ؟ " إن قلنا " يمنع لم يجب للحول الثاني شيء " وإن قلنا " لا يمنع وجبت الشاة للحول الثاني ( وإن قلنا ) : تتعلق بالعين تعلق الشركة لم يجب للحول الثاني شيء ; ; لأن الفقراء ملكوا شاة ، فنقص النصاب . ولا تجب زكاة الخلطة ; لأن جهة الفقراء لا زكاة فيها . فمخالطتهم لا تؤثر كمخالطة المكاتب والذمي ( وإن قلنا ) : تتعلق بالعين تعلق الأرش أو الرهن قال إمام الحرمين وغيره من المحققين : هو كالتفريع على [ ص: 347 ] قول الذمة وقال الصيدلاني : هو كقول الشركة ( والصحيح ) : قول الإمام وموافقيه . قال الرافعي : لكن يجوز أن يقدر خلاف في وجوب الزكاة من جهة تسلط الساعي على المال بقدر الزكاة ( وإن قلنا ) : الدين لا يمنع الزكاة . قال : وعلى هذا التقدير يجري الخلاف على قول الذمة أيضا .

ولو ملك خمسا وعشرين بعيرا حولين ولا نتاج فإن علقنا الزكاة بالذمة وقلنا : الدين لا يمنعها أو كان له مال آخر يفي بها ، فعليه بنتا مخاض " وإن قلنا " بالشركة ، فعليه للحول الأول بنت مخاض وللثاني أربع شياه وتفريع قول الرهن والأرش على قياس ما سبق . ولو ملك خمسا من الإبل حولين بلا نتاج فالحكم كما في الصورتين السابقتين لكن سبق حكاية وجه أن قول الشركة لا يجيء إذا كان الواجب من غير الجنس ، فعلى هذا يكون الحكم في هذا على الأقوال كلها كالحكم في الأولتين تفريعا على قول الذمة ، والله أعلم .

( فرع ) : في بيع مال الزكاة ، فرعه المصنف على تعلق الزكاة بالعين أو بالذمة ، وكان حقه أن يذكره هنا ، لكن المصنف ذكره في باب زكاة الثمار ، فأخرته إلى هناك .

التالي السابق


الخدمات العلمية