صفحة جزء
[ ص: 367 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( ومن وجبت عليه بنت مخاض ، فإن كانت في ماله لزمه إخراجها ، وإن لم تكن في ماله وعنده ابن لبون قبل منه ولا يرد معه شيء ، لما روى أنس رضي الله عنه في الكتاب الذي كتبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه " فمن لم تكن عنده بنت مخاض وعنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء " ; ولأن في بنت مخاض فضيلة بالأنوثة وفي ابن لبون فضيلة بالسن فاستويا ، وإن لم تكن عنده بنت مخاض ولا ابن لبون فله أن يشتري بنت مخاض ، ويخرج ; لأنه أصل فرضه ، وله أن يشتري ابن لبون ، ويخرج ; لأنه ليس في ملكه بنت مخاض ، وإن كانت إبله مهازيل ، وفيها بنت مخاض سمينة لم يلزمه إخراجها ، فإن أراد إخراج ابن لبون ، فالمنصوص أنه يجوز ; لأنه لا يلزمه إخراج ما عنده ، فكأن وجوده كعدمه كما لو كانت إبله سمانا ، وعنده بنت مخاض مهزولة . ومن أصحابنا من قال : لا يجوز ; لأن عنده بنت مخاض تجزئ . ومن وجب عليه بنت لبون وليست عنده ، وعنده حق لم يؤخذ منه ; لأن بنت اللبون تساوي الحق في ورود الماء والشجر ، وتفضل عليه بالأنوثية ) .


( الشرح ) : حديث أنس صحيح سبق بيانه في أول الباب ، وفي الفصل مسائل : ( إحداها ) : قال الشافعي رضي الله عنه والأصحاب : إذا وجب عليه بنت مخاض فإن كانت عنده من غير نفاسة ولا عيب لم يجز العدول إلى ابن لبون بلا خلاف ، وإن لم تكن عنده ، وعنده ابن لبون ، فأراد دفعه عنها وجب قبوله ولا يكون معه شيء لا من المالك ولا من الساعي ، وهذا لا خلاف فيه لحديث أنس . قال أصحابنا : وسواء كانت قيمة ابن لبون كقيمة بنت مخاض أو أقل منها ، وسواء قدر على تحصيله أم لا لعموم الحديث .

( الثانية ) : إذا وجب عليه بنت مخاض ولم يكن عنده بنت مخاض ولا ابن لبون فوجهان : ( أصحهما ) : له أن يشتري أيهما شاء ويجزئه لعموم الحديث ، وبهذا الوجه قطع المصنف وجمهور الأصحاب ( والثاني ) : حكاه جماعات من الخراسانيين عن صاحب التقريب وغيره أنه يتعين عليه شراء بنت مخاض ، وهو مذهب مالك وأحمد ; لأنهما لو استويا في الوجود لم يجز ابن لبون ، فكذا إذا عدما وتمكن من شرائهما .

( الثالثة ) : إذا كانت عنده بنت مخاض معيبة ، فهي كالمعدومة ، فيجزئه ابن لبون بلا خلاف لعموم الحديث ، وقد صرح المصنف بهذا في قوله : كما لو [ ص: 368 ] كانت إبله سمانا ، وعنده بنت مخاض مهزولة ولو كانت إبله مهزولة ، وفيها بنت مخاض نفيسة لم يلزمه إخراجها ، فإن تطوع بها فقد أحسن ، وإن أراد إخراج ابن لبون فوجهان : ( أحدهما ) : لا يجوز ; لأنه واجد بنت مخاض مجزئة ( والثاني ) : يجوز ; لأنه لا يلزمه إخراجها ، فهي كالمعدومة ، ورجح المصنف الإجزاء ونقله عن النص ووافقه على ترجيحه البغوي ، ورجح الشيخ أبو حامد وأكثر الأصحاب عدم الإجزاء ونقله القاضي أبو الطيب في المجرد . قال الرافعي : رجحه الشيخ أبو حامد وأكثر شيعته وإمام الحرمين والغزالي .

( الرابعة ) : لو فقد بنت مخاض ، فأخرج خنثى مشكلا من أولاد اللبون فوجهان : مشهوران في كتب الخراسانيين " أصحهما : " يجزئه ; لأنه ابن لبون أو بنت لبون ، وكلاهما مجزئ ( والثاني ) : لا يجزئه ; لأنه مشوه الخلق كالمعيب . ولو أخرج خنثى من أولاد المخاض لم يجزئه بالاتفاق لاحتمال أنه ذكر ، ولو وجد بنت مخاض ، فأخرج خنثى مشكلا من أولاد لبون لم يجزئه بلا خلاف لاحتمال أنه ذكر ، ولا يجزئه الذكر مع وجود بنت مخاض .

( الخامسة ) : لو وجبت بنت مخاض ، ففقدها ووجد بنت لبون وابن لبون ، فإن أخرج ابن اللبون جاز وإن أخرج بنت اللبون متبرعا جاز ، وإن أراد إخراجها مع أخذ الجبران لم يكن له ذلك في أصح الوجهين ; لأنه مستغن عن الجبران ، وإنما يصار إلى الجبران عند الضرورة والوجهان : مشهوران في الطريقتين .

( السادسة ) : إذا لزمه بنت مخاض ففقدها ، فأخرج حقا أجزأه ، وقد زاد خيرا ; لأنه أولى من ابن لبون هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وحكى صاحب الحاوي وجها آخر أنه لا يجزئ ; لأنه لا مدخل له في الزكوات ولو لزمه بنت لبون ، فأخرج عنها عند عدمها حقا فطريقان : ( المذهب ) : لا يجزئه لما ذكره المصنف وبهذا قطع المصنف والجمهور ، وحكى صاحب الحاوي وجماعة من أصحابنا في إجزائه وجهين ، وقطع الغزالي في الوجيز بالجواز ، وهو شاذ مردود .

[ ص: 369 ] فرع ) : إذا لزمه بنت مخاض ففقدها وفقد ابن لبون أيضا ، ففي كيفية مطالبة الساعي له بالواجب وجهان : حكاهما صاحب الحاوي ( أحدهما ) : يخيره بين مخاض وابن لبون ; لأنه مخير في الإخراج ( والثاني ) : يطالبه ببنت مخاض ; لأنها الأصل فإن دفع ابن لبون قبل منه .

( فرع ) : لو لزمه بنت مخاض ، فلم تكن في يده في الحال لكن يملك بنت مخاض مغصوبة أو مرهونة ، فله إخراج ابن لبون ; لأنه غير متمكن منها فهي كالمعدومة ذكره الدارمي وغيره ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية