صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يؤخذ في الفرض الربى ، وهو التي ولدت ومعها ولدها ، ولا الماخض وهي الحامل ، ولا ما طرقها الفحل ; ; لأن البهيمة لا يكاد يطرقها الفحل إلا وهي تحبل ، ولا الأكولة ، وهي السمينة التي أعدت للأكل ، ولا فحل الغنم الذي أعد للضراب ولا حزرات المال وهي خيارها التي تحرزها العين لحسنها ، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال له : إياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم } . وعن عمر رضي الله عنه قال لعامله سفيان " قل لقومك : إنا ندع لكم الربى والماخض وذات اللحم وفحل الغنم ونأخذ الجذع والثني ، وذلك وسط بيننا وبينكم في المال " ولأن الزكاة تجب على وجه الرفق ، فلو أخذنا خيار المال خرجنا عن حد الرفق ، فإن رضي رب المال بإخراج ذلك [ ص: 399 ] قبل منه ، لما روى أبي بن كعب رضي الله عنه قال { بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا ، فمررت برجل فلما جمع لي ماله فلم أجد فيه إلا بنت مخاض فقلت له : أد بنت مخاض فإنها صدقتك فقال : ذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر ، وما كنت لأقرض الله تعالى من مالي ما لا لبن فيه ولا ظهر ، ولكن هذه ناقة فتية سمينة فخذها . قلت له : ما أنا بآخذ ما لم أومر به . وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب ، فإن أحببت أن تعرض عليه ما عرضت علي فافعل ، فإن قبله منك قبلته ، فخرج معي وخرج بالناقة حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي : صلى الله عليه وسلم ذاك الذي عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك ، فقال : فهاهي ذي فخذها ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا له بالبركة } ; ولأن المنع من أخذ الخيار لحق رب المال فإذا رضي قبل منه ) : .


( الشرح ) : حديث ابن عباس رواه البخاري ومسلم .

والأثر عن عمر رضي الله عنه صحيح ، رواه مالك في الموطأ بمعناه عن سفيان بن عبد الله الثقفي الصحابي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعثه مصدقا ، وكان يعد عليهم السخل فقالوا : تعد علينا السخل ولا تأخذ منها شيئا ، فلما قدم على عمر رضي الله عنه ذكر ذلك له فقال عمر رضي الله عنه " نعم نعد عليهم السخلة يحملها الراعي ، ولا نأخذها ولا نأخذ الأكولة ولا الربى ولا الماخض ولا فحل الغنم ، ونأخذ الجذعة والثنية ، وذلك عدل بين غذاء المال وخياره " وهذا عن عمر رضي الله عنه صحيح ، وقوله : غذاء المال بغين معجمة مكسورة وبالمد وهي جمع غذي بتشديد الياء وهو الرديء .

وأما الربى فبضم الراء وتشديد الباء مقصورة ، وجمعها رباب بضم الراء والمصدر رباب بكسرها ، قال الجوهري : قال الأموي : الربى من ولادتها إلى شهرين ، قال أبو زيد الأنصاري : الربى من المعز وقال غيره : من المعز والضأن وربما جاءت في الإبل ، والأكولة بفتح الهمزة ، وحزرات بتقديم الزاي على الراء وحكي عكسه ، والأول أصح وأشهر . أما حديث أبي بن كعب رضي الله عنه ( فرواه ) : أحمد بن حنبل وأبو داود بإسناد صحيح أو حسن ، وزاد ابن أحمد في مسند أبيه أحمد بن حنبل : قال الراوي عن أبي بن كعب ، وهو عمارة بن عمرو بن حزم : وقد وليت الصدقات في زمن معاوية ، فأخذت من ذلك الرجل ثلاثين حقة لألف وخمسمائة [ ص: 400 ] بعير ، وقوله : ناقة فتية هي بالفاء المفتوحة ، ثم مثناه من فوق ، ثم من تحت وهي الناقة الشابة القوية ( وقوله ) : تعرض عليه بفتح التاء وكسر الراء .

( أما حكم الفصل ) : فهو كما قاله المصنف فلا يجوز أخذ الربى ولا الأكولة ، ولا الحامل ، ولا التي طرقها الفحل ، ولا حزرات المال ، ولا فحل الماشية حيث يجوز أخذ الذكر ، ولا غير ذلك من النفائس إلا أن يرضى المالك بذلك فيجوز ويكون أفضل له ولا فرق بين الربى وغيرها ، هذا هو الصحيح وبه قطع المصنف والجمهور ، وقال إمام الحرمين وذكر العراقيون أنه لو تبرع بالربى قبلت منه ، وإن كانت قريبة عهد بالولادة جريا على القياس ، قال : وحكوا وجها بعيدا لبعض الأصحاب أنها لا تقبل منه ; لأنها تكون مهزولة لقرب ولادتها والهزال عيب قال الإمام : وهذا ساقط ، فقد لا تكون كذلك ، وقد تكون غير الربى مهزولة والهزال الذي هو عيب هو الهزال الظاهر البين ، وهذا الوجه الذي حكاه قد حكاه الشيخ أبو حامد وغيره من العراقيين ، واتفقوا على تغليط قائله . قال الإمام : ولو بذل الحامل قبلت منه عند الأئمة كالكريمة في نوعها أو صفتها قال : ونقل الأئمة عن داود أنه منع قبولها . قال : ; لأن الحمل عيب ، قال الإمام : وهذا ساقط ; لأنه ليس عيبا في البهائم وإنما هو عيب في الآدميات ، قال الإمام : قال صاحب التقريب : لا يتعمد الساعي أخذ كريمة ماله ، فلو تبرع المالك بإخراجها قبلت وأجزأت على المذهب قال : ومن أئمتنا من قال : لا تقبل ، للنهي عن أخذ الكرائم . قال الإمام : وهذا مزيف لا أصل له ; لأن المراد بالنهي نهي السعاة عن الإجحاف بأصحاب الأموال وحثهم على الإنصاف ، ولا يفهم منه الفقيه غير هذا قال الإمام : ولو كانت الماشية كلها حوامل قال صاحب التقريب : لا يطلب منه حاملا ، وهذه الصفة معفو عنها ، كما يعفى عن الوقص ، قال الإمام وهذا الذي ذكره صاحب التقريب حسن لطيف وفيه نظر دقيق ، وهو أن الحامل قد تحمل حيوانين الأم والجنين ، وإنما في الأربعين شاة فلا وجه لتكليفه حاملا ، وقد يرد على هذا إيجاب الخلفات في الدية ، ولكن الدية اتباعية لا مجال للنظر في مقدارها وصفتها [ ص: 401 ] ومن يتحملها ، فلا وجه لمخالفة صاحب التقريب قال : أما لو كانت ماشيته سمينة للمرعى فيطالبه بسمينة ، ويجعل ذلك كشرف النوع .

( فرع ) : قد ذكرنا أنه لو تبرع المالك بالحامل قبلت منه ، ونقله العبدري عن العلماء كافة غير داود ، وحكى أصحابنا عن داود الظاهري أنه قال : لا تجزئ الحامل ; لأن الحمل عيب في الحيوان ، بدليل أنه لو اشترى جارية ، فوجدها حاملا فله ردها بسبب الحمل ، وقال : الحامل لا تجزئ في الأضحية ، وأجاب القاضي أبو الطيب في تعليقه ، وسائر الأصحاب : بأن الحمل نقص في الآدميات لما يخاف عليهن من الولادة بخلاف البهائم ، ثم قال : الحمل فضيلة فيها ، قالوا : ولهذا قلنا : لو اشترى جارية فوجدها حاملا ، فله ردها بذلك ، ولو اشترى بهيمة فوجدها حاملا لم يكن له ردها به ، ولم يكن الحمل عيبا فيها ، بل هو فضيلة ، ولهذا أوجب صاحب الشرع في الدية المغلظة أربعين خلفة في بطونها أولادها ، وأجاب الأصحاب عن الأضحية فقالوا : إنما لا تجزئ الحامل في الأضحية ; لأن المقصود من الأضحية اللحم والحمل يهزلها ويقل بسببه لحمها فلا تجزئ ، والمقصود في الزكاة كثرة القيمة والدر والنسل ، وذلك في الحامل ، فكانت أولى بالجواز ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية