صفحة جزء
باب زكاة الثمار قال المصنف رحمه الله تعالى ( وتجب الزكاة في ثمر النخل والكرم ، لما روى عتاب بن أسيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الكرم " { إنها تخرص كما يخرص النخل ، فتؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل تمرا } ولأن ثمرة النخل والكرم تعظم منفعتهما ; لأنهما من الأقوات والأموال المدخرة المقتاتة ، فهي كالأنعام في المواشي ) : .


( الشرح ) : هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم بأسانيدهم عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد وهو مرسل ; لأن عتابا [ ص: 431 ] توفي سنة ثلاث عشرة ، وسعيد بن المسيب ولد بعد ذلك بسنتين ، وقيل بأربع سنين ، وقد سبق في الفصول السابقة في مقدمة هذا الشرح أن من أصحابنا من قال : يحتج بمراسيل ابن المسيب مطلقا ، والأصح أنه إنما يحتج به إذا اعتضد بأحد أربعة أمور ، أن يسند أو يرسل من جهة أخرى ، أو يقول به بعض الصحابة أو أكثر العلماء ، وقد وجد ذلك هنا ، فقد أجمع العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على وجوب الزكاة في التمر والزبيب .

فإن قيل : ما الحكمة في قوله صلى الله عليه وسلم في الكرم " يخرص كما يخرص النخل ويؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل تمرا ؟ " فجعل النخل أصلا ؟ فالجواب من وجهين : ( أحسنهما ) : ما ذكره صاحب البيان فيه وفي مشكلات المهذب أن خيبر فتحت أول سنة سبع من الهجرة ، { وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يخرص النخل فكان خرص النخل معروفا عندهم فلما فتح صلى الله عليه وسلم الطائف ، وبها العنب الكثير ، أمر بخرصه كخرص النخل المعروف عندهم . } ( والثاني ) : أن النخل كانت عندهم أكثر وأشهر ، فصارت أصلا لغلبتها . فإن قيل : كيف سمي العنب كرما ؟ وقد ثبت النهي عنه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تسموا العنب الكرم فإن الكرم المسلم } رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية { فإنما الكرم قلب المؤمن } وعن وائل بن حجر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { لا تقولوا الكرم ولكن قولوا : العنب والحبلة } رواه مسلم ؟ والحبلة بفتح الحاء وبفتح الباء وإسكانها ( فالجواب ) : أن هذا نهي تنزيه وليس في الحديث تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بتسميتها كرما ، وإنما هو من كلام الراوي ، فلعله لم يبلغه النهي ، أو خاطب به من لا يعرفه بغيره ، فأوضحه أو استعملها بيانا لجوازه ، قال العلماء : سمت العرب العنب كرما والخمر كرما . [ ص: 432 ] أما العنب فلكرم ثمره ، وكثرة حمله وتذلله للقطف ، وسهولة تناوله بلا شوك ولا مشقة ، ويؤكل طيبا غضا طريا وزبيبا ويدخر قوتا ، ويتخذ منه العصير والخل والدبس وغير ذلك ) ، وأصل الكرم الكثرة ، وجمع الخير ، وسمي الرجل كرما لكثرة خيره ، ونخلة كريمة لكثرة حملها ، وشاة كريمة كثيرة الدر والنسل وأما الخمر فقيل : سميت كرما ; لأنها كانت تحثهم على الكرم والجود وتطرد الهموم ، فنهى الشرع عن تسمية العنب كرما لتضمنه مدحها ، لئلا تتشوق إليها النفوس ، وكان اسم الكرم بالمؤمن وبقلبه أليق لكثرة خيره ونفعه واجتماع الأخلاق والصفات الجميلة ، وعتاب الراوي بتشديد التاء المثناة فوق وأسيد بفتح الهمزة والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية