صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا تجب فيما سوى ذلك من الثمار كالتين والتفاح والسفرجل والرمان ; لأنه ليس من الأقوات ، ولا من الأموال المدخرة المقتاتة ، ولا تجب في طلع الفحال ; لأنه لا يجيء منه الثمار ، واختلف قوله في الزيتون فقال في القديم : تجب فيه الزكاة لما روي عن عمر رضي الله عنه " أنه جعل في الزيت العشر " وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال " في الزيتون الزكاة " وعلى هذا القول إذا أخرج الزيت عنه جاز لقول عمر رضي الله عنه ولأن الزيت أنفع من الزيتون ، فكان أولى بالجواز . وقال في الجديد : لا زكاة فيه ; لأنه ليس بقوت فلا تجب فيه زكاة كالخضراوات واختلف قوله في الورس ، فقال في القديم : تجب فيه الزكاة ، لما روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه : كتب إلى بني خفاش " أن أدوا زكاة الذرة والورس " وقال في الجديد : لا زكاة فيه ; لأنه نبت لا يقتات به ، فأشبه الخضراوات . قال الشافعي رضي الله عنه : من قال : لا عشر في الورس لم يوجب في الزعفران ومن قال : يجب في الورس ، فيحتمل أن يوجب في الزعفران ; لأنهما طيبان ، ويحتمل أن لا يوجب في الزعفران ، ويفرق بينهما أن الورس شجر له ساق ، والزعفران نبات ، واختلف قوله في العسل ، فقال في القديم : يحتمل أن تجب فيه ووجه ما روي : " أن بني شبابة بطن من فهم كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحل كان عندهم العشر من عشر قرب قربة " وقال في الجديد : لا تجب ; لأنه ليس بقوت فلا يجب فيه العشر كالبيض . واختلف قوله في القرطم : وهو حب العصفر ، [ ص: 433 ] فقال في القديم : يجب إن صح فيه حديث أبي بكر رضي الله عنه وقال في الجديد : لا تجب ; لأنه ليس بقوت فأشبه الخضراوات ) :


( الشرح ) : الأثر المذكور عن عمر رضي الله عنه ضعيف رواه البيهقي ، وقال : إسناده منقطع وراويه ليس بقوي ، قال : وأصح ما روي في الزيتون قول الزهري " مضت السنة في زكاة الزيتون أن تؤخذ ، فمن عصر زيتونه حين يعصره فيما سقت السماء أو كان بعلا العشر ، وفيما سقي برش الناضح نصف العشر " وهذا موقوف لا يعلم اشتهاره ، ولا يحتج به على الصحيح . قال البيهقي : وحديث معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما أعلى وأولى أن يؤخذ به ، يعني روايتهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهما لما بعثهما إلى اليمن " { لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة الشعير والحنطة والتمر والزبيب } وأما المذكور عن ابن عباس فضعيف أيضا والأثر المذكور عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ضعيف أيضا ، ذكره الشافعي وضعفه هو وغيره ، واتفق الحفاظ على ضعفه ، واتفق أصحابنا في كتب المذهب على ضعفه قال البيهقي : ولم يثبت في هذا إسناد تقوم به حجة ، قال : والأصل عدم الوجوب فلا زكاة فيما لم يرد فيه حديث صحيح ، أو كان في معنى ما ورد به حديث صحيح ، وأما حديث بني شبابة في العسل فرواه أبو داود والبيهقي وغيرهما من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بإسناد ضعيف ، قال الترمذي في جامعه : لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا كبير شيء ، قال البيهقي : قال الترمذي في كتاب العلل : قال البخاري : ( ليس في زكاة العسل شيء يصح ) : فالحاصل أن جميع الآثار والأحاديث التي في هذا الفصل ضعيفة .

( وأما ألفاظ الفصل ) : فبنو خفاش بخاء معجمة مضمومة ، ثم فاء مشددة هذا هو الصواب وضبطه بعض الناس بكسر الخاء وتخفيف الشين وهو غلط وبنو شبابة بشين معجمة مفتوحة ، ثم باء موحدة مخففة ، ثم ألف ثم موحدة أخرى ( وقوله ) : بطن من فهم بفتح الفاء وإسكان الهاء قال الجوهري في الصحاح : بني شبابة يكونون في الطائف . [ ص: 434 ] أما أحكام الفصل ) : فمختصرها أنها كما قالها المصنف ( وأما ) : بسطها فاتفقت نصوص الشافعي والأصحاب أنه لا زكاة في التين والتفاح والسفرجل والرمان ، وطلع فحال النخل والخوخ والجوز واللوز والموز وأشباهها ، وسائر الثمار سوى الرطب والعنب ، ولا خلاف في شيء منها إلا الزيتون ففيه القولان : كما سنوضحه إن شاء الله تعالى ووجهه أن الأصل عدم الوجوب حتى يثبت دليله . وأما الزيتون ففيه القولان : اللذان ذكرهما المصنف بدليليهما ، وهما مشهوران واتفق الأصحاب على أن الأصح أنه لا زكاة فيه ، وهو نصه في الجديد . قال أصحابنا : والصحيح في هذه المسائل كلها هو القول الجديد ; لأنه ليس للقول القديم حجة صحيحة فإن قلنا بالقديم : أن الزكاة تجب في الزيتون .

قال أصحابنا : وقت وجوبه بدو صلاحه وهو نضجه واسوداده ، ويشترط بلوغه نصابا . هذا هو المذهب وبه قطع الأصحاب في جميع الطرق إلا ما حكاه الرافعي عن ابن القطان أنه خرج اعتبار النصاب فيه ، وفي سائر ما اختص القديم بإيجاب الزكاة فيه على قولين ، ويعتبر النصاب زيتونا لا زيتا هذا هو المذهب وبه قطع القاضي حسين والجمهور ونقل إمام الحرمين اتفاق الأصحاب عليه . وذكر صاحب الحاوي فيه وجهين إذا كان مما يجيء منه الزيت ( أحدهما ) : هذا ( والثاني ) : يعتبر زيتا ، فيؤخذ عشره زيتا ، وهذا شاذ مردود . قال أصحابنا : ثم إن كان زيتونا لا يجيء منه زيت أخذت الزكاة منه زيتونا بالاتفاق وإن كان يجيء منه زيت كالشامي قال الشافعي رضي الله عنه في القديم : إن أخرج زيتونا جاز ; لأنه حالة الادخار ، قال : وأحب أن أخرج عشره زيتا ; لأنه نهاية ادخاره ونقل الأصحاب عن ابن المرزباني من أصحابنا أنه حكى في جواز إخراج الزيتون وجهين قال الشيخ أبو حامد وسائر الأصحاب : هذا غلط من ابن المرزباني ، والصواب ما نص عليه في القديم ، وهو أنه يجوز أن يخرج زيتا أو زيتونا أيهما شاء ونقل إمام الحرمين وجها أنه يتعين إخراج الزيتون دون الزيت ، قال : ; لأن الاعتبار به الاتفاق ، فحصل [ ص: 435 ] ثلاثة أوجه حكاها إمام الحرمين وغيره

( أصحها ) : عند الأصحاب وهو نصه في القديم أنه مخير إن شاء أخرج زيتا ، وإن شاء أخرج زيتونا ، والزيت أولى كما نص عليه ( والثاني ) : يتعين الزيت ( والثالث ) : يتعين الزيتون ، قال صاحب التتمة وغيره : فإذا قلنا بالمذهب وخيرناه بين إخراج الزيتون والزيت ، فالفرق بينه وبين التمر أنه يتعين ولا يجوز أن يخرج عنه دبس التمر ولا خل التمر ; لأن التمر قوت والخل والدبس ليسا بقوت ، ولكنهما أدمان ( وأما ) : الزيتون ، فليس بقوت بل هو أدم والزيت أصلح للأدم من الزيتون ، فلا يفوت الغرض .

قال أصحابنا : ولا يخرص الزيتون بلا خلاف لمعنيين ذكرهما القاضي أبو الطيب في تعليقه وغيره ( أحدهما ) : وهو الذي اعتمده الجمهور أن الورق يخفيه مع صغر الحب وتفرقه في الأغصان ولا ينضبط بخلاف الرطب والعنب ( والثاني ) : أن الغرض من خرص النخل والعنب تعجيل الانتفاع بثمرتهما قبل الجفاف ، وهذا المعنى لا يوجد في الزيتون قال إمام الحرمين إذا أخرج العشر زيتا ، فالكسب الذي يحصل من عصر الزيت لا نقل فيه عندي . قال : ولعل الظاهر أنه يجب تسليم نصيب الفقراء منه إليهم ، وليس كالقصل والتبن الذي يتخلف عن الحبوب ; لأن الزكاة تجب في الزيتون نفسه ، ثم على المالك مؤنة تمييز الزيت ، كما عليه مؤنة تجفيف الرطب ، ولا يجب العشر في الزروع إلا في الحب دون التبن قال : وفي المسألة احتمال والله تعالى أعلم .

وأما الورس فالصحيح الجديد لا زكاة فيه ، وأوجبها القديم وسبق دليلهما ، فإن أوجبناها لم نشرط فيه النصاب على المذهب ، وبه قطع الجماهير في الطريقتين بل تجب في قليله وكثيره ، ولا خلاف فيه إلا ما سبق عن ابن القطان أنه طرد قولين في اعتبار النصاب فيه وفي سائر ما اختص القديم بإيجاب زكاته ، وفرق الأصحاب بينه وبين الزيتون على المذهب فيهما بفرقين ( أحدهما ) : أن النص الوارد في الزيتون مقيد بالنصاب ومطلق في الورس ، فعمل به في كل منهما على حسب وروده ( والثاني ) : أن الغالب أنه لا يجتمع لإنسان واحد من الورس نصاب بخلاف الزيتون ، واعلم أن الورس ثمر [ ص: 436 ] شجر يكون باليمن أصفر يصبغ به ، وهو معروف يباع في الأسواق في كل البلاد هكذا ذكره المحققون ، وقال البغوي والرافعي : هو شجر يخرج شيئا كالزعفران وهو محمول على ما ذكره المحققون .

وأما الزعفران فالأشهر أنه كالورس فلا زكاة فيه على الصحيح الجديد وتجب في القديم ، وقيل لا تجب قطعا ، وحكم النصاب كما سبق في الورس .

وأما العسل ففيه طريقان أشهرهما وبه قال المصنف والأكثرون فيه القولان : ( الصحيح الجديد ) : لا زكاة ( والقديم ) : وجهان : ( والثاني ) : القطع بأن لا زكاة فيه ، وبه قطع الشيخ أبو حامد والبندنيجي وآخرون . ومن الأصحاب من قال : لا تجب في الجديد ، وفي القديم قولان : والمذهب لا تجب لعدم الدليل على الوجوب . قال أصحابنا : والحديث المذكور ضعيف كما سبق . قالوا : ولو صح لكان متأولا ، ثم اختلفوا في تأويله فقيل يحمل على تطوعهم به ، وقيل : إنما دفعوه مقابلة لما حصل لهم من الاختصاص بالحمى ، ولهذا امتنعوا من دفعه إلى عمر رضي الله عنه حين طالبهم بتخلية الحمى لسائر الناس . وهذا الجواب هو الذي ذكره القاضي أبو الطيب في تعليقه والمحاملي في المجموع فإن أوجبناها ففي اعتبار النصاب خلاف ، المذهب اعتباره ، وقال ابن القطان : قولان : كما سبق في الزيتون قال إمام الحرمين : وسواء كان النخيل مملوكا له أو أخذه من المواضع المباحة ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية