صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ولا يجب العشر حتى يبدو الصلاح في الثمار ، وبدو الصلاح أن يحمر البسر أو يصفر ويتموه العنب ; لأنه قبل بدو الصلاح لا يقصد أكله ، فهو كالرطبة وبعده يقتات ، ويؤكل فهو كالحبوب ) .


( الشرح ) : قال الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم : وقت وجوب زكاة النخل والعنب بدو الصلاح ووقت الوجوب في الحبوب اشتدادها . هذا هو الصحيح المعروف من نصوص الشافعي رضي الله عنه القديمة والجديدة ، وبه قطع جماهير الأصحاب في كل الطرق ، وذكر صاحب الشامل أن الشيخ أبا حامد حكى أن الشافعي رضي الله عنه أومأ في القديم إلى أن الزكاة لا تجب إلا عند فعل الحصاد ، قال : وليس بشيء . وذكر إمام الحرمين عن صاحب التقريب أنه حكى قولا غريبا أن وقت الزكاة هو الجفاف في الثمار والتصفية في الحبوب ، ولا يتقدم الوجوب على الأمر بالأداء وهذان شاذان والمذهب ما سبق . قال أصحابنا : وبدو الصلاح في بعضه كبدوه في الجميع كما في البيع . فإذا بدا الصلاح في أقل شيء منه وجبت الزكاة . وكذا اشتداد بعض الحب كاشتداد كله في وجوب الزكاة كما أنه مثله في البيع . قال أصحابنا : وحقيقة بدو الصلاح هنا كما هو مقدر في كتاب البيع ومختصره ما قاله الشافعي والأصحاب أن يحمر البسر ويتموه العنب [ ص: 449 ] قال الشافعي رضي الله عنه : ( فإن كان عنبا أسود فحتى يسود ، أو أبيض فحتى يتموه ) قيل : أراد بالتموه أن يدور فيه الماء الحلو ، وقيل : أن تبدو فيه الصفرة .

( فرع ) : قال أصحابنا : لو اشترى نخيلا مثمرة ، أو ورثها قبل بدو الصلاح ، ثم بدا ، فعليه الزكاة لوجود وقت الوجوب في ملكه ، ولو باع المسلم نخيله المثمرة قبل بدو الصلاح لمكاتب أو ذمي ، فبدا الصلاح في ملكه ، فلا زكاة على واحد ، فلو عاد إلى ملك البائع المسلم بعد بدو الصلاح ببيع مستأنف أو هبة أو إقالة أو رد بعيب أو غير ذلك فلا زكاة ; لأنه لم يكن مالكا له حال الوجوب ، ولو اشترى بشرط الخيار ، فبدا الصلاح في مدة الخيار فإن قلنا : الملك للبائع ، فعليه الزكاة وإن تم البيع ، وإن قلنا : للمشتري فعليه الزكاة وإن فسخ . وإن قلنا : موقوف فالزكاة موقوفة ، فمن ثبت له الملك وجبت الزكاة عليه ، ولو باع نخيلا قبل بدو الصلاح ، فبدا في ملك المشتري ، ثم وجد بها عيبا ، فليس له الرد إلا برضا البائع لتعلق الزكاة بها ، وهو كعيب حدث في يده ، فإن أخرج المشتري الزكاة من نفس الثمرة أو من غيرها ، فحكمه ما سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى . هذا كله إذا باع النخل والثمر جميعا ، فلو باع الثمرة وحدها قبل بدو الصلاح فشرطه أن يباع بشرط القطع ، فلو لم يقطع حتى بدا ، فقد وجبت الزكاة ، ثم إن رضيا بإبقائها إلى الجذاذ جاز ، والعشر على المشتري قال الرافعي : وحكى قول أن البيع ينفسخ كما لو اتفقنا عند البيع على الإبقاء . وهذا غريب ضعيف ، وإن لم يرضيا بالإبقاء لم تقطع الثمرة ; لأن فيه إضرارا بالفقراء ، ثم فيه قولان : ( أحدهما ) : ينفسخ البيع لتعذر إمضائه ( وأصحهما ) : لا ينفسخ ، لكن إن لم يرض البائع بالإبقاء يفسخ ، وإن رضي به وامتنع المشتري وطلب القطع فوجهان : ( أحدهما ) : يفسخ ( وأصحهما ) : لا يفسخ ، ولو رضي البائع ، ثم رجع كان له ذاك ; لأن رضاه إعارة ، وحيث قلنا : يفسخ البيع ففسخ ، فعلى من تجب الزكاة ؟ فيه قولان : ( أحدهما ) : على البائع ; لأن الملك استقر له ( وأصحهما ) : على المشتري كما لو فسخ بعيب ، فعلى هذا لو أخذ الساعي من نفس الثمرة رجع البائع على المشتري .

[ ص: 450 ] فرع ) : إذا قلنا بالمذهب : إن وقت الوجوب هو بدو الصلاح واشتداد الحب قال الشافعي والأصحاب : لا يجب الإخراج في ذلك الوقت بلا خلاف ، لكن ينعقد سببا لوجوب الإخراج إذا صار تمرا أو زبيبا أو حبا مصفى ، ويصير للفقراء في الحال حق يجب دفعه إليهم بعد مصيره تمرا أو حبا ، فلو أخرج الرطب والعنب في الحال لم يجزئه بلا خلاف ، ولو أخذه الساعي غرمه بلا خلاف ; لأنه قبضه بغير حق ، وكيف يغرمه ؟ فيه وجهان مشهوران وذكرهما المصنف في آخر الباب ( الصحيح ) : الذي قطع به الجمهور ، ونص عليه الشافعي رضي الله عنه أنه يلزمه قيمته ( والثاني ) : يلزمه مثله وهما مبنيان على أن الرطب والعنب مثليان أم لا ؟ والصحيح المشهور أنهما ليسا مثليين . ولو جف عند الساعي فإن كان قدر الزكاة أجزأ ، وإلا رد التفاوت أو أخذه . كذا قاله العراقيون وغيرهم . وحكى ابن كج وجها أنه لا يجزئ بحال لفساد القبض . قال الرافعي : وهذا الوجه أولى والمختار ما سبق . وهذا كله في الرطب والعنب اللذين يجيء منهما تمر وزبيب ، ( فأما ) ما لا يجيء منه ، فسنذكره إن شاء الله تعالى . قال أصحابنا : ومؤنة تجفيف التمر وجذاذه وحصاد الحب وحمله ودياسه وتصفيته وحفظه وغير ذلك من مؤنة تكون كلها من خالص مال المالك لا يحسب منها شيء من مال الزكاة بلا خلاف ، ولا تخرج من نفس مال الزكاة ، فإن أخرجت منه لزم المالك زكاة ما أخرجه من خالص ماله ولا خلاف في هذا عندنا . وحكى صاحب الحاوي عن عطاء بن أبي رباح أنه قال : تكون المؤنة من وسط المال لا يختص بتحملها المالك دون الفقراء ; لأن المال للجميع فوزعت المؤنة عليهم . قال صاحب الحاوي : وهذا غلط ; لأن تأخير الأداء عن وقت الحصاد إنما كان لتكامل المنافع وذلك واجب على المالك والله تعالى أعلم . قال : ولا يجوز أخذ شيء من الحبوب المزكاة إلا بعد خروجها من قشورها إلا العلس فإن الشافعي رضي الله عنه قال : مالكه مخير إن شاء أخرجه في قشره فيخرج من كل عشرة أوسق وسقا ; لأن بقاءه في قشره أصون ، وإن [ ص: 451 ] شاء صفاه من القشور ، قال : ولا يجوز إخراج الحنطة في سنبلها ، وإن كان ذلك أصون لها ; لأنه يتعذر كيلها ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية