صفحة جزء
[ ص: 452 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن باع بعد بدو الصلاح ففي البيع في قدر الفرض قولان : ( أحدهما ) : أنه باطل ; لأن في أحد القولين تجب الزكاة في العين ، وقدر الفرض للمساكين ، فلا يجوز بيعه بغير إذنهم ، وفي الآخر تجب في الذمة والعين مرهونة به ، وبيع المرهون لا يجوز من غير إذن المرتهن ، ( والثاني ) : أنه يصح ; لأنا إن قلنا : [ إن ] الزكاة تتعلق بالعين إلا أن أحكام الملك كلها ثابتة ، والبيع من أحكام الملك ، وإن قلنا : إنها تجب في الذمة والعين مرتهنة به إلا أنه رهن يثبت بغير اختياره ، فلم يمنع البيع كالجناية في رقبة العبد ، فإن قلنا : يصح في قدر الفرض ففيما سواه أولى ، ( وإن قلنا ) : لا يصح في قدر الفرض ففيما سواه قولان بناء على تفريق الصفقة ) .


( الشرح ) : إذا باع مال الزكاة بعد وجوبها فيه ، سواء كان تمرا أو حبا أو ماشية أو نقدا أو غيره قبل إخراجها - فإن باع جميع المال - فهل يصح في قدر الزكاة ؟ يبنى على الخلاف السابق في باب زكاة المواشي أن الزكاة هل تتعلق بالعين ؟ أو بالذمة ؟ وقد سبق خلاف مختصره أربعة أقوال تتعلق بالعين تعلق الشركة ، ( والثاني ) : تتعلق بالعين تعلق أرش الجناية ، ( والثالث ) : تعلق المرهون ( والرابع ) : لا تتعلق بالعين بل بالذمة فقط ، وتكون العين خلوا من التعلق ، فإن قلنا : الزكاة تتعلق بالذمة وتكون العين خلوا منها صح البيع قطعا ، وإن قلنا تتعلق بها تعلق المرهون فقولان ، أشار المصنف إلى دليلها ( أصحهما ) : عند العراقيين وغيرهم الصحة أيضا ; لأن هذه العلاقة ثبتت بغير اختيار المالك وليست لمعين فسومح بها بما لا يسامح به في المرهون . وإن قلنا : تعلق الشركة فطريقان : ( أحدهما ) : القطع بالبطلان ; لأنه باع ما لا يملكه ، ( وأصحهما ) وأشهرهما ، وبه قطع أكثر العراقيين في صحته قولان ( أصحهما ) : باتفاق الأصحاب البطلان ، وبه قطع كثيرون ، ( والثاني ) : الصحة ; لأنه يجوز أن يدفع الزكاة من غيره ، وإن قلنا : تعلق الأرش ففي صحته خلاف مبني على صحة بيع الجاني ، فإن صححناه صح هذا وإلا فلا ، فإن صححنا صار بالبيع ملتزما الفداء ، فحصل من جملة هذه الاختلافات أن الأصح بطلان البيع في قدر الزكاة . قال أصحابنا : فحيث صححنا في قدر الزكاة ، ففي الباقي أولى ، وحيث أبطلنا فيه ففي الباقي قولا تفريق الصفقة ، هكذا أطلقه المصنف وسائر العراقيين ، وقال الخراسانيون : إذا قلنا بالبطلان في قدر الزكاة ، فهل [ ص: 453 ] يبطل في الباقي ؟ إن قلنا : تعلق الشركة فقولا تفريق الصفقة ، وإن قلنا : تعلق الرهن ، وقلنا : الاستيثاق في الجميع بطل في الجميع ، وإن قلنا بالاستيثاق في قدر الزكاة فقط ; ففي الزائد قولا تفريق الصفقة ، والأصح في تفريق الصفقة الصحة وحيث منعنا البيع ، وكان المال ثمرة ، فالمراد قبل الخرص ، وأما بعده فلا منع إن قلنا : الخرص تضمين وهو الأصح ، وإن قلنا : غيره فيه كلام يأتي قريبا في فصل الخرص إن شاء الله تعالى .

والحاصل من هذا الخلاف كله ثلاثة أقوال : ( أصحها ) : يبطل البيع في قدر الزكاة ويصح في الباقي ، ( والثاني ) : يبطل في الجميع ، ( والثالث ) : يصح في الجميع ، فإن صححنا في الجميع نظر إن أدى البائع الزكاة من موضع آخر فذاك ، وإلا فللساعي أن يأخذ من غير المال من يد المشتري قدر الزكاة على جميع الأقوال بلا خلاف . فإن أخذ انفسخ البيع في المأخوذ ، وهل ينفسخ في الباقي ؟ فيه الخلاف المشهور في انفساخ البيع بتفريق الصفقة في الدوام ، والمذهب لا ينفسخ ، فإن قلنا : ينفسخ استرد الثمن ، وإلا فله الخيار إن كان حالا ، فإن فسخ فذاك ، وإن أجاز في الباقي فهل يأخذ بقسطه من الثمن ؟ أم بالباقي ؟ فيه طريقان مشهوران في كتاب البيع ، ( المذهب ) أنه بقسطه . ولو لم يأخذ الساعي منه الواجب ، ولم يؤد البائع الزكاة من موضع آخر ، فهل للمشتري الخيار إذا علم ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) : له الخيار ( والثاني ) : لا ; لأنه في الحال مالك للجميع . وقد يؤدي البائع الزكاة من موضع آخر ; فإن قلنا بالأصح : إن له الخيار فأدى البائع الزكاة من موضع آخر فهل يسقط خياره ؟ فيه وجهان : ( الصحيح ) : يسقط لزوال العيب ، كما لو اشترى معيبا فزال عيبه قبل الرد فإنه يسقط ، ( والثاني ) : لا يسقط لاحتمال أن يخرج ما دفعه إلى الساعي مستحقا ، فيرجع الساعي إلى عين المال ، ويجري الوجهان فيما لو باع السيد العبد الجاني ، ثم فداه هل يبقى للمشتري خياره ؟ أما إذا أبطلنا البيع في قدر الزكاة وصححنا في الباقي ، فللمشتري الخيار في فسخ البيع في الباقي وإجازته ، ولا يسقط خياره بأداء البائع الزكاة من موضع آخر ; لأن الخيار هنا لتبعيض الصفقة ، وإذا أجاز فهل يجيز بقسطه أم بجميع الثمن ؟ فيه القولان السابقان . وقطع بعض الأصحاب بأنه يجيز بالجميع في المواشي ; والمذهب الأول والله تعالى أعلم . [ ص: 454 ] هذا كله في بيع جميع المال ; فإن باع بعضه نظر فإن لم يبق قدر الزكاة ، فهو كما لو باع الجميع ، وإن بقي قدر الزكاة بنية صرفه إلى الزكاة أو بغير نية فإن قلنا بالشركة ، ففي صحة البيع وجهان ، قال ابن الصباغ : ( أقيسهما ) البطلان ، وهما مبنيان على كيفية ثبوت الشركة ، وفيها وجهان ( أحدهما ) : أن الزكاة شائعة في الجميع متعلقة بكل واحد من الشياه وغيرها بالقسط .

( والثاني ) : أن محل الاستحقاق هو قدر الواجب فقط ، ويتعين بالإخراج ، وإن فرعنا على قول الزكاة فقط ، فعلى الأول لا يصح ، وعلى الثاني يصح ، وإن فرعنا على تعليق الأرش ، فإن صححنا بيع الجاني صح هذا وإلا ، فالتفريع كالتفريع على قول الرهن ، وجميع ما ذكرنا هو في بيع ما تجب الزكاة في عينه . فأما بيع مال التجارة بعد وجوب الزكاة فسيأتي بيانه في بابها إن شاء الله تعالى .

( فرع ) : لو رهن المال الذي وجبت فيه الزكاة ، فهو كبيعه فيعود فيه جميع ما سبق ، فإن صححنا في قدر الزكاة ، ففي الزائد أولى ، وإن أبطلنا في قدر الزكاة ، فالباقي يرتب على البيع ، فإن صححنا البيع فالرهن أولى ، وإلا فقولان كتفريق الصفقة في الرهن إذا صحب حلالا وحراما ، فإن صححنا الرهن في الجميع فلم يؤد الزكاة من موضع آخر فللساعي أخذها منه ، فإذا أخذ انفسخ الرهن فيها ، وفي الباقي الخلاف السابق في نظيره في البيع ، وإن أبطلنا في الجميع أو في قدر الزكاة فقط ، وكان الرهن مشروطا في بيع ، ففي فساد البيع قولان ، فإن لم يفسد فللمشتري الخيار ، ولا يسقط خياره بدفع الزكاة من موضع آخر ، ( وأما ) إذا رهن قبل تمام الحول فتم ، ففي وجوب الزكاة الخلاف السابق في باب زكاة المواشي ، والرهن لا يكون إلا بدين ، وفي كون الدين مانعا لوجوب الزكاة قولان سبقا هناك ، ( الأصح ) : الجديد : لا يمنع ، فإن قلنا : الرهن لا يمنع الزكاة وقلنا : الدين لا يمنعها أو يمنعها وكان له مال آخر يفي بالدين وجبت الزكاة وإلا فلا ، ثم إن لم يملك الراهن مالا آخر أخذت الزكاة من نفس المرهون على أصح الوجهين ; لأنها متعلقة بالعين . فأشبهت أرش الجناية .

( وعلى الثاني ) : لا يؤخذ منه ; لأن حق المرتهن سابق على وجوب الزكاة ، والزكاة حق لله تعالى مبنية على المسامحة بخلاف أرش الجناية ; ولأن أرش الجناية لو لم يأخذه [ ص: 455 ] يفوت لا إلى بدل بخلاف الزكاة فعلى الأصح لو كانت الزكاة من غير جنس المال كالشاة من الإبل يباع جزء من المال في الزكاة . وقيل : الخلاف فيما إذا كان الواجب من غير جنس المال ، فإن كان من جنسه أخذ من المرهون بلا خلاف ، ثم إذا أخذت الزكاة من نفس المرهون ، فأيسر الراهن بعد ذلك فهل يؤخذ منه قدر الزكاة ليكون رهنا عند المرتهن ؟ فيه طريقان إن علقناه بالذمة أخذ وإن علقناه بالعين لم يؤخذ على أصح الوجهين ، كما لو تلف بعض المرهون وقيل : يؤخذ كما لو أتلفه المالك ، فإن قلنا يؤخذ فإن كان النصاب مثليا أخذ المثل ، وإن كان متقوما أخذ القيمة على قاعدة الغرامات .

( أما ) إذا ملك مالا آخر ، فالمذهب والذي قطع به الجمهور أن الزكاة تؤخذ من باقي أمواله ولا تؤخذ من نفس المرهون سواء قلنا : تجب الزكاة في الذمة أو العين وقال جماعة : يأخذ من نفس المرهون إن قلنا تتعلق بالعين ، وهذا هو القياس كما لا يجب على السيد فداء المرهون إذا جنى والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية