صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن كان معه أجرة [ دار ] لم يستوف المستأجر منفعتها وحال عليها الحول وجبت فيها الزكاة ; لأنه يملكها ملكا تاما . وفي وجوب الإخراج قولان . قال في البويطي : يجب لأنه يملكها ملكا تاما فأشبه مهر المرأة ، وقال في الأم : لا يجب ; لأن ملكه قبل استيفاء المنفعة غير مستقر ، لأنه قد تنهدم الدار فتسقط الأجرة فلم تجب الزكاة فيه كدين الكتابة ، والأول أصح ; لأن هذا يبطل بالصداق قبل الدخول ، فإنه يجوز أن يسقط بالردة ، ويسقط نصفه بالطلاق ثم يجب إخراج زكاته ) .


( الشرح ) اتفقت نصوص الشافعي رضي الله عنه والأصحاب رحمهم الله تعالى على أن المرأة يلزمها زكاة الصداق إذا حال عليه الحول ، ويلزمها الإخراج عن جميعه في آخر الحول بلا خلاف وإن كان قبل الدخول ، ولا يؤثر كونه معرضا للسقوط بالفسخ بردة أو غيرها أو نصفه بالطلاق ، وأما إذا أجر داره أو غيرها بأجرة حالة وقبضها فيجب عليه زكاتها بلا خلاف لما ذكره المصنف وفي كيفية إخراجها قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليليهما . [ ص: 509 ] مثاله ) آجرها أربع سنين بمائة وستين دينارا ، كل سنة بأربعين ، ( أحد القولين ) يلزمه عند تمام السنة الأولى من حين ملك المائة وقبضها زكاة جميع المائة وهذا نصه في البويطي قاله صاحب الحاوي وغيره ، وهو الأصح عند ابن سريج والمصنف وابن الصباغ .

( والثاني ) لا يلزمه عند تمام كل سنة إلا إخراج زكاة القدر الذي استقر ملكه عليه . وهذا هو الصحيح وهو نصه في الأم ومختصر المزني قال صاحب الحاوي : هو نصه في الأم وفي غيره . وصححه جمهور الأصحاب . ممن صححه الشيخ أبو حامد والمحاملي في المجموع وصاحب الحاوي والبغوي وخلائق ، ونقل السرخسي في الأمالي والرافعي أنه الأصح عند جمهور الأصحاب ، فعلى هذا يخرج عند تمام السنة الأولى زكاة حصة السنة وهو دينار عن أربعين ، فإذا مضت السنة الثانية فقد استقر ملكه على ثمانين سنتين ، فعليه زكاتها السنتين وهي أربعة دنانير ، لكل سنة ديناران ، وقد أخرج في السنة الأولى دينارا فيسقط عنه ويخرج الباقي وهو ثلاثة دنانير ، فإذا مضت السنة الثالثة فقد استقر ملكه على مائة وعشرين ثلاث سنين وواجبها تسعة دنانير لكل سنة ، وقد أخرج منها في السنتين السابقتين أربعة فيخرج الباقي وهو خمسة دنانير ، فإذا مضت السنة الرابعة فقد استقر ملكه على مائة وستين دينارا في السنين الماضية وفيها تسعة دنانير ، فيجب إخراج الباقي وهو سبعة دنانير .

قال أصحابنا : هذا إذا أخرج من غير الأجرة ، فإن أخرج منها واجب السنة الأولى فعند تمام السنة الثانية يخرج زكاة الأربعين الأولى سوى ما أخرج منها في السنة الأولى وزكاة الأربعين الثانية لسنتين ، وعند السنة الثالثة والرابعة يقاس بما ذكرناه ، أما إذا قلنا بالقول الأول فإنه يخرج عند تمام السنة الأولى زكاة المائة والستين ، وكذا في كل سنة يخرج أربعة دنانير إن أخرج من غيرها ، فإن أخرج منها زكى كل سنة ما بقي . واعلم أن الشيخ أبا حامد والمصنف والجمهور قالوا : تجب الزكاة في الجميع بعد انقضاء السنة قولا واحدا ، وإنما القولان في كيفية الإخراج كما ذكرناه ، وقال القاضي أبو الطيب وطائفة قليلة : القولان في نفس الوجوب ، والإخراج مبني عليهما إن قلنا بالوجوب وجب الإخراج وإلا فلا ، هذا كله إذا كانت [ ص: 510 ] الأجرة متساوية في كل السنين كما مثلناه أولا ، فإن تفاوتت زاد القدر المستقر في بعض السنين على أربع ، ونقص في بعضها . قال الرافعي رحمه الله تعالى : فإن قيل : هل صورة المسألة ما إذا كانت الأجرة في الذمة ثم نقدها ؟ أو كانت معينة ؟ أم لا فرق ؟ فالجواب أن كلام نقلة المذهب يشمل الصورتين ، ولم أر فيها نصا وتفصيلا إلا في فتاوى القاضي حسين فإنه قال : في الحالة الأولى الظاهر أنه تجب زكاة كل المائة إذا حال الحول لأن ملكه مستقر على ما أخذ ، حتى لو انهدمت لا يلزمه رد المقبوض بعينه ، بل له رد مثله . وفي الحالة الثانية قال : حكم الزكاة حكمها في المبيع قبل القبض ; لأنه معرض لأن يعود إلى المستأجر بانفساخ الإجارة ، وبالجملة الصورة الثانية أحق بالخلاف من الأولى وما ذكره القاضي اختيارا منه للوجوب في الحالتين جميعا . هذا آخر كلام الرافعي رحمه الله تعالى .

وقال صاحب الحاوي : لا خلاف في المذهب أنه ملك جميع الأجرة الحالة بنفس العقد لكن في ملكه قولان ، نص في البويطي وغيره أنه ملكها ملكا مستقرا كثمن المبيع وكالصداق ، لأنه جائز التصرف فيها بحيث لو كانت الأجرة أمة جاز له وطؤها فدل على أن ملكه مستقر ، ونص في الأم وغيره وهو الأظهر أنه ملكها بالعقد ملكا موقوفا ، فإذا مضى زمان من المدة استقر ملكه على ما قابله من الأجرة لأن الأجرة في مقابلة المنفعة وملك المستأجر غير مستقر على المنافع ; لأنها لو فاتت بالانهدام رجع بما قابلها من الأجرة ، ولو استقر ملكه لم يرجع بما قابلها ، كما لا يرجع المشتري إذا استقر ملكه بالقبض . والفرق بين الأجرة والصداق من وجهين : ( أحدهما ) أن ملك الزوج على الصداق مستقر ; لأن ملك الزوج لبضعها مستقر بخلاف الأجرة ولهذا لو ماتت لم يرجع بشيء من صداقها ، ولو انهدمت الدار رجع بقسط ما بقي من الأجرة ، ( والثاني ) أن رجوع الزوج بالصداق إذا عرض فسخ ، أو بنصفه إذا عرض طلاق قبل الدخول إنما هو ابتداء جلب ملك فلا يمنع استقرار ملك الزوجة على الصداق قبل الفراق ، وأما رجوع المستأجر بقسط الأجرة إذا انهدمت الدار ، فإنما هو بالعقد السابق . والله تعالى أعلم . [ ص: 511 ] فرع ) : لو انهدمت الدار في أثناء المدة انفسخت الإجارة فيما بقي ولا ينفسخ في الماضي على المذهب ، وبينا استقرار ملكه على قسط الماضي ، والحكم في الزكاة كما سبق قال صاحب الحاوي والأصحاب : فلو كان أخرج زكاة الجميع قبل الانهدام لم يرجع بما أخرجه من الزكاة عند استرجاع قسط ما بقي . لأن ذلك حق لزمه في ملكه . فلم يكن له الرجوع به على غيره .

( فرع ) : قال صاحب الحاوي : لو أجر الدار أربع سنين مثلا بمائة دينار وقبضها ولم يسلم الدار حتى مضت المدة بطلت الإجارة ، ولزمه رد الأجرة قال : وأما زكاتها فإن قلنا بنصه في الأم : إن ملكه غير مستقر إلا بمضي المدة فلا زكاة ; لأنه كل ما مضى من مدة قبل التسليم زال ملكه عما يقابله ، فلا يلزمه زكاته وإن قلنا بنصه في البويطي : إن ملكه مستقر فحكمه عكس ما سبق ، فإذا مضت السنة الأولى قبل التسليم فقد كان ملكه مستقرا على مائة دينار ، وزال عن خمسة وعشرين فيزكي الباقي ، وهكذا في كل سنة بحصتها ، فإذا مضت السنة الرابعة زال ملكه عما بقي من المائة فلا يزكيه ولا رجوع بما أخرج من زكاتها قبل ذلك ، لأنه حق لزمه في ملكه فلم يكن له الرجوع به .

( فرع ) : إذا باع سلعة بنصاب من النقد وقبضه ، ولم يسلم السلعة حتى حال حول على الثمن في يده فهل يلزم البائع إخراج زكاة النقد قبل تسليم المبيع ؟ قال أصحابنا : فيه القولان في الأجرة ; لأن الثمن قبل قبض المبيع غير مستقر . قال صاحب الحاوي : وهل يلزم المشتري إذا كان شراء السلعة للتجارة إخراج الزكاة عنها قبل قبضها ؟ فيه القولان ، إن قلنا : إن ملك الأجرة مستقر ، ولا ينظر إلى احتمال الفسخ فملك الثمن والسلعة مستقر فيجب زكاتها وإن احتمل الفسخ ، وإن قلنا : إن الملك في الأجرة غير مستقر فكذا الثمن والسلعة ، قال أصحابنا : ولو أسلم نصابا في ثمرة أو غيرها للتجارة أو غيرها ، وحال الحول قبل قبض المسلم فيه فإن قلنا : إن تعذر المسلم فيه لا ينفسخ به العقد ، وإنما يوجب الخيار وجبت على المسلم إليه زكاة النصاب الذي قبضه بلا خلاف ، لاستقرار ملكه ، وإن قلنا ينفسخ العقد ، [ ص: 512 ] ففي وجوب زكاته القولان كالأجرة ، فأما المسلم فلا تلزمه زكاة الثمرة المسلم فيها قولا واحدا وإن كانت للتجارة ، قال صاحب الحاوي وغيره : لأن تأجيل الثمر يمنع وجوب زكاته ، فإذا قبضه استقبل به الحول والله أعلم .

( فرع ) : إذا أوصى لإنسان بنصاب ، ومات الموصي ، ومضى حول من حين موته قبل القبول ، قال أصحابنا : إن قلنا : الملك يحصل في الوصية بالموت فعلى الموصى له الزكاة ، ولا يضر كونه يبطل بردة ، وإن قلنا : يحصل بالقبول فلا زكاة عليه ، ثم إن أبقيناه على ملك الموصي فلا زكاة على أحد ، لأن الميت ليس مكلفا بزكاة ولا غيرها ، وإن قلنا إنه للوارث فهل يلزمه الزكاة ؟ فيه وجهان : ( أحدهما ) : نعم ، لأنه ملكه ، ( وأصحهما ) لا ، لضعفه بتسلط الموصى له عليه ، وإن قلنا : إنه موقوف فقبل ، بان أنه ملك بالموت ، ولا زكاة عليه في أصح الوجهين لعدم استقرار ملكه وعلى الثاني يجب لوجود الملك .

( فرع ) : إذا أصدق امرأته أربعين شاة سائمة بأعيانها لزمها الزكاة إذا تم حولها من يوم الإصداق ، سواء أدخل بها أم لا ، وسواء قبضتها أم لا ، هذا هو المذهب ، وقد سبقت الإشارة إليها ، وقد صرح به المصنف في قياسه ، وفيه قول مخرج من الأجرة أنه إذا لم يدخل بها فهو كالأجرة على ما سبق وحكي وجه أنه ما لم يقبضها لا زكاة عليها ولا على الزوج ، تفريعا على أن الصداق مضمون ضمان العقد ، فيكون على الخلاف في المبيع قبل القبض ، وبهذا قال أبو حنيفة : والمذهب الصحيح الذي قطع به الجمهور القطع بالوجوب عليها مطلقا ، ولو طلقها قبل الدخول نظر إن طلقها قبل الحول عاد نصف الماشية إلى الزوج ، فإن لم يميز فهما خليطان فعليها عند تمام الحول من يوم الإصداق نصف شاة .

وإن طلق بعد تمام الحول فلها ثلاثة أحوال .

( أحدها ) أن تكون قد أخرجت الزكاة من نفس الماشية ففيما يرجع به الزوج ثلاثة أقوال : ( أحدها ) نصف الجملة فإن تساوت قيمة الغنم أخذ [ ص: 513 ] منها عشرين ، وإن اختلفت أخذ النصف بالقيمة وهذا نصه في المختصر ، ( والثاني ) نصف الغنم الباقية ، ونصف قيمة الشاة المخرجة ، وهو نصه في كتاب الزكاة من الأم وهو الأصح ، قال ابن الصباغ : هو الأقيس لأن حقه يتعلق بنصف عين الصداق ; وقد ذهب بعض العين ، فيرجع في نصف ما بقي ، ( والثالث ) أنه بالخيار بين ما ذكرنا في القول الثاني ، وبين أن يترك الجميع ويرجع بنصف القيمة ، وهو نصه في كتاب الصداق ، هذا إذا كان المخرج من جنس مال الصداق ، فلو كان من غير جنسه بأن أصدقها خمسا من الإبل ، فحال الحول فباعت بعيرا ، واشترت من ثمنه شاة أخرجتها زكاة فنقل السرخسي عن الأصحاب أنه إن قلنا : إذا كان الواجب من جنسه ينصرف المخرج إلى حصتها ويرجع الزوج بعشرين شاة فهنا أولى ، وإلا فقولان :

( أحدهما ) الحكم كما سبق من القولين الباقيين من الثلاثة ، ( والثاني ) أنه ينصرف هنا إلى نصيبها وإن لم ينصرف هناك فيرجع الزوج بعشرين كاملة ; لأنها باختيارها صرفت المخرج في هذه الجهة ، فوجب اختصاصه بها .

( الحال الثاني ) أن تكون أخرجت الزكاة من موضع آخر فالمذهب وبه قطع العراقيون وغيرهم ، يأخذ نصف الأربعين ، وقال الصيدلاني وجماعة : فيه وجهان أحدهما : هذا ، والثاني : يرجع إلى نصف القيمة .

( الحال الثالث ) أن لا تخرج الزكاة أصلا ، فالمذهب أن نصف الأربعين تعود إلى الزوج شائعا ، فإذا جاء الساعي وأخذ من عينها شاة رجع الزوج عليها بنصف قيمتها . قال صاحب الحاوي : فلو اقتسماها قبل إخراج زكاتها ففي صحة القسمة وجهان مخرجان من القولين في تعلق الزكاة بالعين أو الذمة ، إن قلنا تتعلق بالعين فالقسمة باطلة ، وإن قلنا بالذمة فصحيحة ، فعلى هذا لهما عند مطالبة الساعي بالزكاة أربعة أحوال : ( أحدها ) أن يكون نصيب كل واحد منهما باقيا في يده ، فيأخذ الساعي الزكاة مما في يدها دون ما في يد الزوج ، لأن الزكاة إنما وجبت عليها ، فإذا أخذها منها استقر ملك الزوج على ما في يده .

( الثاني ) أن يكون نصيباهما تالفين ، فأيهما يطالب بالزكاة ؟ وجهان أحدهما : الزوجة لأن الوجوب عليها ، والثاني : للساعي مطالبة من شاء [ ص: 514 ] منهما ، لأن الزكاة وجبت فيما كان بأيديهما ، فإن طالب الزوجة لم يرجع على الزوج ، وإن طالبه وأخذ منه رجع على الزوجة .

( الثالث ) أن يكون ما في يدها باقيا دون ما في يده فيأخذ الساعي منها ولا رجوع لها .

( الرابع ) أن يكون ما في يد الزوج باقيا ، دون ما في يدها ، فيأخذ الساعي الزكاة مما في يد الزوج ، لأن الزكاة تعلقت بما في يده ، فإذا أخذها ففي بطلان القسمة وجهان ; أحدهما : تبطل لأنه أخذها بسبب متقدم ، فصار قدر الزكاة كالمستحق حال القسمة .

فعلى هذا بطلان القسمة يكون لوجود بعض الصداق للزوج دون بعضه ، فيكون على الأقوال الثلاثة ، والوجه الثاني لا تبطل القسمة ، لأن الوجوب في ذمتها وأخذ الساعي كان بعد صحة القسمة فلم يبطلها ، كما لو أتلفت المرأة شيئا مما في يد الزوج بقسمة ، فعلى هذا للزوج أن يرجع على الزوجة بقيمة الشاة المأخوذة وإن كانت مثل ما وجب عليها ، فإن أخذ الساعي منه زيادة لم يرجع بالزيادة ; لأن الساعي ظلمه بها فلا يجوز رجوعه على غيره . هذا آخر كلام صاحب الحاوي قال القاضي أبو الطيب في المجرد والأصحاب في هذين الوجهين الأخيرين : الصحيح أنه لا تبطل القسمة . وقال السرخسي : إذا طلقها بعد الحول وقبل إخراج الزكاة فتقاسما قبل إخراج الزكاة صحت المقاسمة على ظاهر نص الشافعي رضي الله عنه وعليه فرع الشافعي رضي الله عنه . لكن قال أصحابنا : إن قلنا : القسمة إفراز صحت كما نص عليه . فإن قلنا : إنها بيع فحكمه ما سبق في بيع مال الزكاة ، فإن قلنا : بصحة القسمة فجاء الساعي لأخذ الزكاة فإن وجد في ملك المرأة من عين الصداق أو غيره قدر الزكاة أخذها منها وإلا فمما أخذه الزوج ، ثم يرجع الزوج عليها بقيمة المأخوذ . قال القاضي أبو الطيب وغيره : وهذا الحكم في كل صداق تجب الزكاة في عينه قال الشافعي في الأم والأصحاب : ولو أصدقها أربعين شاة في الذمة فلا زكاة ، وإن مضت أحوال ، وهذا لا خلاف فيه ، لأن الحيوان يشترط [ ص: 515 ] في زكاته السوم ولا يتصور ذلك فيما في الذمة ، وقد تقدمت هذه المسألة ، وكذا لو أسلم إليه في أربعين شاة فلا زكاة فيها بلا خلاف لما ذكرناه . والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية