صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ولا يصير العرض للتجارة إلا بشرطين ( أحدهما ) أن يملكه بعقد [ يجب ] فيه عوض كالبيع والإجارة والنكاح والخلع ، ( والثاني ) أن ينوي عند العقد أنه تملكه للتجارة ، وأما إذا ملكه بإرث أو وصية أو هبة من غير شرط الثواب فلا تصير للتجارة بالنية ، وإن ملكه بالبيع والإجارة ولم ينو عند العقد أنه للتجارة لم يصر للتجارة ، وقال الكرابيسي من أصحابنا : إذا ملك عرضا ثم نوى أنه للتجارة صار للتجارة ، كما إذا كان عنده متاع للتجارة ثم نوى القنية صار للقنية بالنية ، والمذهب الأول ; لأنه ما لم يكن للزكاة من أصله لم يصر للزكاة بمجرد النية ، كالمعلوفة إذا نوى إسامتها ، ويفارق إذا نوى القنية بمال التجارة ; لأن القنية هي الإمساك بنية القنية ، وقد وجد الإمساك والنية ، والتجارة هي التصرف بنية التجارة ، وقد وجدت النية ولم يوجد التصرف ، فلم يصر للتجارة ) .


( الشرح ) قوله : من أصله ، احتراز من حلي الذهب والفضة إذا قلنا : لا زكاة فيه ، فنوى استعماله في حرام أو نوى كنزه واقتناءه ، فإنه يجب [ ص: 6 ] فيه الزكاة كما سبق ; لأن أصله الزكاة ، قال أصحابنا : مال التجارة هو كل ما قصد الاتجار فيه عند تملكه بمعاوضة محضة ، وتفصيل هذه القيود أن مجرد نية التجارة لا يصير به المال للتجارة ، فلو كان له عرض قنية ملكه بشراء أو غيره فجعله للتجارة لم يصر للتجارة ، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور ، وقال الكرابيسي : يصير للتجارة ، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن راهويه ، وقد ذكر المصنف دليل الوجهين . أما إذا اقترنت نية التجارة بالشراء ، فإن المشترى يصير للتجارة ويدخل في الحول بنفس الشرى سواء اشتراه بعرض أو نقد أو دين حال أو مؤجل ، وإذا صار للتجارة استمر حكمها ، ولا يحتاج في كل معاملة إلى نية أخرى بلا خلاف ، بل النية مستصحبة كافية . وفي معنى الشرى ما لو صالح عن دين له في ذمة إنسان على عوض بنية التجارة ، فإنه يصير للتجارة بلا خلاف ، سواء أكان الدين قرضا أو ثمن مبيع أو ضمان متلف ، وهكذا الاتهاب بشرط الثواب إذا نوى به التجارة صار للتجارة . صرح به البغوي وغيره .

وأما الهبة بلا ثواب والاحتطاب والاحتشاش والاصطياد فليست من أسباب التجارة ولا أثر لاقتران النية بها ، ولا يصير العرض للتجارة بلا خلاف ; لفوات الشرط وهو المعاوضة . وهكذا الرد بالعيب والاسترداد ، فلو باع عرض قنية بعرض قنية ثم وجد بما أخذه عيبا فرده واسترد الأول على قصد التجارة أو وجد صاحبه بما أخذ عيبا فرده فقصد المردود عليه بأخذه للتجارة لم يصر للتجارة ، ولو كان عنده ثوب قنية فاشترى به عبدا للتجارة ثم رد عليه الثوب بالعيب انقطع حول التجارة ولا يكون الثوب للتجارة ، بخلاف ما لو كان الثوب للتجارة أيضا فإنه يبقى حكم التجارة فيه ، كما لو باع عرض التجارة واشترى بثمنه عرضا آخر ، وكذا لو تبايع التاجران ثم تعاملا ، يستمر حكم التجارة في المالين .

ولو كان عنده ثوب تجارة فباعه بعبد للقنية فرد عليه الثوب بالعيب لم يعد إلى حكم التجارة ; لأن قصد القنية حول التجارة ، وليس الرد [ ص: 7 ] والاسترداد من التجارة . كما لو قصد القنية بمال التجارة الذي عنده فإنه يصير قنية بالاتفاق . فلو نوى بعد ذلك جعله للتجارة لا يؤثر حتى تقترن النية بتجارة جديدة . ولو خالع وقصد بعوض الخلع التجارة في حال المخالعة . أو زوج أمته أو تزوجت الحرة ونويا حال العقد التجارة في الصداق فطريقان ، ( أصحهما ) وبه قطع المصنف وجماهير العراقيين : يكون مال تجارة . وينعقد الحول من حينئذ ; لأنها معاوضة ثبتت فيها الشفعة كالبيع .

( والثاني ) وهو مشهور في طريقة الخراسانيين ، وذكر بعض العراقيين فيه وجهين : ( أصحهما ) هذا ، ( والثاني ) لا يكون للتجارة ; لأنهما ليسا من عقود التجارات والمعاوضات المحضة ، وطرد الخراسانيون الوجهين في المال المصالح به عن الدم . والذي آجر به نفسه أو ماله إذا نوى بهما التجارة ، وفيما إذا كان يصرفه في المنافع بأن كان يستأجر المستغلات ويؤجرها للتجارة ، فالمذهب في الجميع مصيره للتجارة . هذا كله فيما يصير به العرض للتجارة ، ثم إذا صار للتجارة ونوى به القنية ، صار للقنية وانقطع حكم التجارة بلا خلاف ; لما ذكره المصنف رحمه الله تعالى ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية