صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( إذا اشترى للتجارة ما تجب الزكاة في عينه كنصاب السائمة والكرم والنخل نظرت فإن وجد فيه نصاب إحدى الزكاتين دون الأخرى ، كخمس من الإبل لا تساوي مائتي درهم أو أربع من الإبل تساوي مائتي درهم وجبت فيه زكاة ما وجد نصابه ; لأنه وجد سببها ولم يوجد ما يعارضه فوجبت ، وإن وجد نصابهما ففيه طريقان : قال أبو إسحاق : إن سبق حول التجارة بأن يكون عنده نصاب من الأثمان مدة ، ثم اشترى به نصابا من السائمة وجبت زكاة التجارة فيه ، وإن سبق وجوب زكاة العين بأن اشترى نخلا للتجارة فبدا فيها الصلاح قبل أن يحول حول التجارة وجبت زكاة العين ; لأن السابق منهما قد وجد سبب وجوب زكاته ، وليس هناك زكاة تعارضها ، فوجبت كما قلنا فيما وجد فيه نصاب [ ص: 8 ] إحدى الزكاتين دون الأخرى ، وإن وجد سببهما في وقت واحد ، مثل أن يشتري بما تجب فيه الزكاة نصابا من السائمة للتجارة ، ففيه قولان . قال في القديم : تجب زكاة التجارة ; لأنها أنفع للمساكين ; لأنها تزداد بزيادة القيمة فكان إيجابها أولى . وقال في الجديد : تجب زكاة العين ; لأنها أقوى ; لأنها مجمع عليها ، وزكاة التجارة مختلف في وجوبها ; لأن نصاب العين يعرف قطعا ونصاب التجارة يعرف بالظن فكانت زكاة العين أولى . وقال القاضي أبو حامد : في المسألة قولان سواء اتفق حولهما أو سبق حول أحدهما ، والأول أصح .

فإن كان المشترى نخيلا وقلنا بقوله القديم ، قوم النخيل والثمرة وأخرج الزكاة عن قيمتها ، وإن قلنا بقوله الجديد ، لزمه عشر الثمرة ، وهل يقوم النخيل ؟ فيه قولان : أحدهما : لا يقوم ; لأن المقصود هو الثمار وقد أخرجنا عنها العشر . والثاني : يقوم ويخرج الزكاة من قيمتها ; لأن العشر زكاة الثمار . فأما الأصول فلم يخرج زكاتها . فوجب أن تقوم وتخرج عنها الزكاة ) .


( الشرح ) :

قال أصحابنا رحمهم الله تعالى : إذا كان مال التجارة نصابا من السائمة أو الثمر أو الزرع ، لم يجمع فيه بين وجوب زكاتي التجارة والعين بلا خلاف ، وإنما يجب إحداهما . وفي الواجب قولان : ( أصحهما ) وهو الجديد وأحد قولي القديم : تجب زكاة العين ، ( والثاني ) وهو أحد قولي القديم : تجب زكاة التجارة ، ودليل العين أنها أقوى لكونها مجمعا عليها ; ولأنها يعرف نصابها قطعا بالعدد والكيل . وأما التجارة فتعرف ظنا ، ودليل التجارة أنها أنفع للمساكين ، فإنه لا وقص فيها . فإن قلنا : بالعين أخرج السن الواجبة من السائمة ، وبضم السخال إلى الأمات كما سبق في بابه ، وإن قلنا : بالتجارة ، قال البغوي وغيره : يقوم في الثمار الثمرة والنخيل والأرض ، وفي الزرع يقوم الحب والتبن والأرض ، وفي السائمة تقوم مع درها ونسلها وصوفها وما اتخذ من لبنها . وهذا تفريع على أن النتاج مال تجارة ، وفيه خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى . وعلى هذا القول لا تأثير لنقص النصاب في أثناء الحول تفريعا على الأصح أن نصاب العرض إنما يعتبر في الحول .

ولو اشترى نصابا من السائمة للتجارة ثم اشترى بها عرضا [ ص: 9 ] بعد ستة أشهر مثلا ، فعلى قول اعتبار زكاة التجارة لا ينقطع الحول ، وعلى قول العين ينقطع ويبتدئ حول زكاة التجارة من حين ملك العرض ، وهذان القولان فيما إذا ملك نصاب الزكاتين واتفق الحولان . أما إذا لم يكمل إلا نصاب أحدهما بأن كان المال أربعين شاة وتبلغ قيمتها نصابا من الدراهم والدنانير عند تمام الحول ، أو كان دون أربعين شاة وتبلغ قيمتها نصابا ، فالصحيح وجوب زكاة ما بلغت به نصابا ، وبهذا قطع المصنف والأصحاب في معظم الطرق . وقيل : في وجوبها وجهان حكاه الرافعي وهو غلط ، وإذا قلنا بزكاة العين فنقصت الماشية في أثناء السنة عن نصابها ونقلناها إلى زكاة التجارة فهل يبني حولها على حول العين ؟ أم يستأنف حول التجارة ؟ فيه وجهان كالوجهين فيمن ملك نصاب سائمة لا للتجارة فاشترى به عرض تجارة هل يبني حول التجارة على حول السائمة ؟ ( أصحهما ) يستأنف في الموضعين ، وإذا أوجبنا زكاة التجارة لنقصان الماشية المشتراة للتجارة عن النصاب ثم بلغت نصابا في أثناء الحول بالنتاج ، ولم تبلغ القيمة نصابا في آخر الحول ، فوجهان : ( أصحهما ) : لا زكاة ; لأن الحول انعقد للتجارة فلا يتعين ، ( والثاني ) : ينتقل إلى زكاة العين لإمكانها ، فعلى هذا هل يعتبر الحول من وقت نقص القيمة عن النصاب ؟ أو من وقت تمام النصاب بالنتاج ؟ فيه وجهان حكاهما البغوي وغيره .

وأما إذا كمل نصاب الزكاتين واختلف الحولان بأن اشترى بمتاع التجارة بعد ستة أشهر نصاب سائمة أو اشترى به معلوفة للتجارة ثم أسامها بعد ستة أشهر ، ففيه طريقان حكاهما المصنف والأصحاب : ( أصحهما ) وبه قال القاضي أبو حامد وصححه البغوي والرافعي وآخرون ، وهو نص الشافعي رضي الله عنه أنه على القولين كما لو اتفق حولهما ; ولأن الشافعي رضي الله عنه لم يفرق ; ولأنه فرض المسألة ويبعد اتفاق آخر جزء من حول التجارة مع أول بدو الصلاح . ( والطريق الثاني ) : وبه قال أبو إسحاق وأبو علي بن أبي هريرة وأبو حفص بن الوكيل ، [ ص: 10 ] حكاه عنهما الماوردي وصححه المصنف وشيخه القاضي أبو الطيب ، وقطع به الجرجاني في " التحرير " أن القولين مخصوصان بما إذا اتفق الحولان . بأن اشترى بعرض للقنية نصاب سائمة للتجارة ، فعلى هذا يقدم أسبقهما حولا ، ففي المثال المذكور يجب زكاة التجارة لسبق حولها . وحجة هذا الطريق : أنه أرفق بالمساكين . فإن قلنا : بطرد القولين فسبق حول التجارة ، فإن غلبنا زكاة التجارة أخذت زكاتها ، وإن غلبنا العين فوجهان حكاهما الرافعي .

( أحدهما ) : تجب عند تمام حولها ويبطل ما سبق من حول التجارة .

( وأصحهما ) : تجب زكاة التجارة عند تمام حولها هذا ; لئلا يبطل بعض حولها ويفوت على المساكين . فعلى هذا يستفتح حول زكاة العين بعد انقضاء حول التجارة ، وتجب زكاة العين في جميع الأحوال المستقبلة ، أما إذا اشترى نخيلا للتجارة فأثمرت أو أرضا مزروعة فأدرك الزرع ، وبلغ الحاصل نصابا ، فهل الواجب زكاة التجارة أو العين ؟ فيه قولان .

( الأصح ) : العين ، فإن لم يكمل أحد النصابين أو كملا واختلف الحولان ففيه التفصيل السابق ، هذا إذا كانت الثمرة حاصلة عند الشرى ، وبدا الصلاح في ملكه ، أما إذا أطلعت بعد الشرى فهذه ثمرة حدثت من شجر التجارة ، وفي ضمها إلى مال التجارة خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى ( والأصح : ) ضمها .

قال إمام الحرمين : فعلى هذا هي كالحاصلة عند الشرى ، وتنزل منزلة زيادة متصلة أو أرباح متحددة في قيمة العرض ، ولا تنزل منزلة ربح ينض ليكون فيها الخلاف المعروف في ضم الربح الناض ، وإن قلنا : ليست مال تجارة ، وجبت زكاة العين فيها ، وتختص زكاة التجارة بالأرض والأشخاص . قال أصحابنا : فإن غلبنا زكاة العين أخرج العشر أو نصفه من الثمار والزروع ، وهل يسقط به زكاة التجارة عن قيمة جذع النخلة [ ص: 11 ] وتبن الزرع ؟ فيه وجهان مشهوران حكاهما الشيخ أبو حامد والمحاملي والماوردي والقاضي أبو الطيب وإمام الحرمين والسرخسي والبغوي والجمهور . وقال المصنف وصاحب " الشامل " : هما قولان ( أصحهما : ) لا يسقط ; لأن المخرج زكاة الثمرة ، وبقي الجذع والتبن بلا زكاة ولا يمكن فيها زكاة العين فوجبت زكاة التجارة ، كما لو كان للتجارة منفردا .

( والثاني ) : تسقط ; لأن المقصود هو الثمرة والحب ، وقد أخرج زكاتهما ، وفي أرض النخيل والزرع طريقان .

( أصحهما ) وبه قطع الجمهور : أنه على الوجهين في الجذع .

( والثاني ) : حكاه البغوي والسرخسي وآخرون من الخراسانيين : تجب الزكاة فيهما وجها واحدا ; لأن الأرض ليست أصلا للثمرة والحب بخلاف الجذع .

. قال إمام الحرمين : ينبغي أن يعتبر ذلك بما يدخل في الأرض المتخللة بين النخيل في المساقاة وما لا يدخل ، فما لا يدخل تجب فيه الزكاة بلا خلاف ، وما يدخل فهو على الطريق ، وهذا الذي قاله الإمام احتمالا لنفسه ، وقد صرح بنقله صاحب " الحاوي " فقال : إذا كان في الأرض بياض غير مشغول بزرع ولا نخل ، وجبت زكاته وجها واحدا ، فإذا أوجبنا زكاة التجارة في الأرض والجذع والتبن ونحوها فلم تبلغ قيمتها نصابا ، فهل تضم قيمة الثمرة والحب إليها لإكمال النصاب ؟ فيه وجهان ، حكاهما البغوي وآخرون . ( أحدهما ) : لا ; لأنه أدى زكاتهما .

( والثاني ) : تضم لتكميل النصاب في هذه الأشياء لا لإيجاب زكاة أخرى في الثمرة والحب . والأول : أصح . قال الرافعي نقلا عن الأصحاب : وإذا قلنا بزكاة العين فزكاها لا يسقط اعتبار زكاة التجارة عن الثمر والحب في المستقبل ، بل تجب فيها زكاة التجارة في الأحوال المستقبلة ، ويكون ابتداء حول التجارة من وقت إخراج العشر لا من وقت بدو الصلاح ; لأنه يلزمه بعد بدو الصلاح تربية الثمار للمساكين ، فلا يجوز أن يحسب عليه زمن التربية ، فأما إذا غلبنا زكاة التجارة فتقوم الثمرة والجذع ، ويقوم في الزرع [ ص: 12 ] والحب والتبن ، ونقوم الأرض فيهما جميعا ، وسواء اشتراها مزروعة للتجارة أم اشترى بذرا وأرضا للتجارة وزرعه فيها ، في جميع ما ذكرنا ولا خلاف في هذا كله .

ولو اشترى الثمار وحدها للتجارة قبل بدو الصلاح ثم بدا في ملكه جرى القولان في أنه يجب العشر أم زكاة التجارة ؟ قال البغوي والأصحاب : ولو اشترى أرضا للتجارة فزرعها ببذر للقنية ، وجب العشر في الزرع ، وزكاة التجارة في الأرض بلا خلاف فيهما .

( فرع ) لو اتهب نصابا من السائمة بنية التجارة لزمه زكاة العين إذا تم حولها بلا خلاف ; لأن حول التجارة لا ينعقد بالاتهاب ، واحتج البغوي بهذه المسألة السابقة : أنه إذا اشترى نخيلا أو أرضا مزروعة أو سائمة للتجارة ، فوجب نصاب إحداهما دون الأخرى ، وجبت زكاتها لإمكانها دون الأخرى .

( فرع ) قال أصحابنا : إذا اشترت المرأة حليا يباح لها لبسه للتجارة ، وجبت فيه الزكاة وإن كانت تلبسه ، كما لو استعمل الرجل دواب التجارة ، ثم إن قلنا : الحلي المباح لا زكاة فيه ، وجبت هنا زكاة التجارة ، بلا خلاف إذا بلغ نصابا ، وإن قلنا : فيه زكاة فهل تجب هنا زكاة التجارة أم العين ؟ فيه القولان : قال صاحب " الحاوي " : تظهر فائدتهما في الصيغة إن قلنا بالتجارة اعتبرت الصيغة وإلا فلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية