صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن اشترى للتجارة عرضا لا تجب فيه الزكاة ، لم يخل إما أن يشتري بعرض أو نقد ، فإن اشتراه بنقد نظرت ، فإن كان نصابا جعل ابتداء الحول من حين ملك النصاب من النقد ، ويبني حول العرض الذي اشتراه عليه ; لأن النصاب هو الثمن ، وكان ظاهرا فصار في ثمن السلعة كامنا ، فبنى حوله عليه ، كما لو كان عينا فأقرضه فصار دينا ، وإن اشتراه بدون النصاب انعقد الحول عليه من حين الشراء ، سواء أكانت قيمة العرض نصابا أو أقل .

وقال أبو العباس : لا ينعقد الحول إلا أن يكون قيمته من أول الحول إلى آخره نصابا كسائر الزكوات ، والمنصوص في الأم : هو الأول ; لأن نصاب زكاة التجارة يتعلق بالقيمة ، وتقويم العرض في كل ساعة يشق ، فلم يعتبر إلا في حال الوجوب ، ويخالف سائر الزكوات ، فإن نصابها في عينها فلم يشق اعتباره في جميع الحول ، وإن اشتراه بعرض للقنية نظرت ، فإن كان من غير أموال الزكاة انعقد الحول عليه من يوم الشراء ، وإن اشتراه بنصاب من السائمة ففيه وجهان .

قال أبو سعيد الإصطخري : يبنى حول التجارة على حول السائمة ; لأن الشافعي رحمه الله قال في المختصر : ولو اشترى عرضا للتجارة بدراهم أو دنانير أو بشيء تجب فيه الصدقة لم يقوم عليه حتى يحول عليه الحول من يوم ملك ثمن العرض ، والدليل عليه أنه ملكه بما يجزي في الحول ، فبني حوله على حوله ، كما لو اشتراه بنصاب من الأثمان ، وقال أكثر أصحابنا : لا يبنى على حول السائمة ، وتأولوا قوله في " المختصر " ، والدليل عليه : أن الزكاة تتعلق بقيمة العرض ، والماشية ليست بقيمة فلم يبن حوله على حولها ، ويخالف الأثمان ; لأنها قيمة ، وإنما كانت عينا ظاهرة فخفيت كالعين إذا صارت دينا ) .


( الشرح ) النصاب والحول معتبران في زكاة التجارة بلا خلاف ، لكن في وقت اعتباره النصاب ثلاثة أوجه ، وسماها إمام الحرمين والغزالي : أقوالا ، والصحيح المشهور : أنه أوجه ، لكن الصحيح منها [ ص: 14 ] منصوص ، والآخران مخرجان ( أحدهما ) وهو الصحيح عند جميع الأصحاب ، وهو نصه في " الأم " : أنه يعتبر في آخر الحول فقط ; لأنه يتعلق بالقيمة ، وتقويم العرض في كل وقت يشق ، فاعتبر حال الوجوب وهو آخر الحول ، بخلاف سائر الزكوات ; لأن نصابها من عينها فلا يشق اعتباره .

( والثاني ) وبه قال أبو العباس بن سريج : في جميع الحول من أوله إلى آخره ومتى نقص النصاب في لحظة منه انقطع الحول ، قياسا على زكاة الماشية والنقد .

( والثالث ) : يعتبر النصاب في أول الحول وآخره دون ما بينهما ، فإذا كان نصابا في الطرفين وجبت الزكاة ولا يضر نقصه بينهما ، وهذا الوجه حكاه الشيخ أبو حامد والمحاملي والماوردي والشاشي عن ابن سريج ، ووافق المصنف على حكاية الثاني عن ابن سريج أيضا ابن الصباغ ، وسبقهما به القاضي أبو الطيب وغيره ، فإذا قلنا بالصحيح فاشترى عرضا للتجارة بشيء يسير جدا ، انعقد الحول ، فإذا بلغ نصابا في آخر الحول وجبت الزكاة .

ولو كان عرض التجارة دون النصاب فباعه بسلعة أخرى دون نصاب في أثناء الحول ، فالمذهب : أن لا ينقطع الحول . وحكى إمام الحرمين فيه خلافا ، سنذكره في أول الآتي إن شاء الله تعالى .

وأما ابتداء الحول فإن ملك عرض التجارة بنصاب من النقد بأن اشتراه بعشرين دينارا أو بمائتي درهم ، فابتداء الحول من حين ملك ذلك النقد ، ويبني حول التجارة عليه ، واحتج له المصنف : بأن النصاب هو الثمن ، وكان ظاهرا فصار في ثمن السلعة كامنا فوجب البناء عليه ، كما لو كان عينا فأقرضه مليئا فصار دينا ، هذا إذا اشتراه بعين النقد ، فإن اشترى في الذمة ودفعه في ثمنه انقطع حول النقد وابتدأ حول التجارة من حين الشرى بلا خلاف ، وإن كان النقد الذي اشترى بعينه دون نصاب .

فإن قلنا بالمذهب : إن النصاب إنما يعتبر في آخر الحول ، انعقد من حين الشرى ، وإن قلنا : يعتبر في الطرفين أو في الجميع لم ينعقد ، ولا خلاف أنه لا ينعقد قبل الشرى ; لأن الثمن لم يكن مال التجارة لنقصه عن النصاب .

[ ص: 15 ] وإن اشترى بغير نقد فللثمن حالان ( أحدهما ) : أن يكون مما لا زكاة في عينه كالثياب والعبيد ، فابتداء الحول من حين ملك عرض التجارة إن كانت قيمة العرض نصابا أو كانت دونه ، وقلنا بالصحيح : إن النصاب إنما يعتبر في آخر الحول .

( الحال الثاني ) : أن يكون مما يجب الزكاة في عينه بأن ملك بنصاب من السائمة فوجهان .

( الصحيح ) الذي قاله ابن سريج وجمهور أصحابنا المتقدمين ، وصححه جميع المصنفين : أن حول الماشية ينقطع ويبتدئ حول التجارة من حين ملك عرض التجارة ، ولا يبني لاختلاف الزكاتين قدرا ووقتا ، بخلاف بناء التجارة على النقد .

وقال أبو سعيد الإصطخري : يبنى على حول الماشية كما يبنى على النقد ، واحتج له من نص الشافعي رضي الله عنه بقوله في " المختصر " : فإن اشترى العرض بدراهم أو دنانير أو شيء يجب فيه الصدقة لم يقوم ، حتى يحول الحول من يوم ملك ثمن العرض . وأجاب الأصحاب عن نصه في " المختصر " بجوابين : ( أحدهما ) : أن المراد إذا اشترى ماشية ثم اشترى بها عرض التجارة في الحال .

( والثاني ) : أن المراد بثمن العرض الدراهم والدنانير خاصة ، وهذا معتاد في كلام الشافعي رضي الله عنه أن يذكر مسائل ، ويعود الجواب أو التفريع إلى بعضها ، والله تعالى أعلم .

قال أصحابنا : وحول التجارة والنقد يبنى كل واحد منهما على الآخر ، فبناء التجارة على النقد سبق تصويره ، وبناء النقد على التجارة : أن يبيع عرض التجارة بنصاب من النقد للقنية ، فيبنى حول النقد على حول التجارة كعكسه ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية