صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( إذا باع عرض التجارة في أثناء الحول بعرض للتجارة ، لم ينقطع الحول ; لأن زكاة التجارة تتعلق بالقيمة وقيمة الثاني وقيمة الأول واحدة ، وإنما انتقلت من سلعة إلى سلعة فلم ينقطع الحول ، كمائتي [ ص: 16 ] درهم انتقلت من بيت إلى بيت ، وإن باع العرض بالدراهم أو الدنانير نظرت ، فإن باعه بقدر قيمته بنى حول الثمن على حول العرض ، كما يبنى حول العرض على حول الثمن ، وإن باعه بزيادة مثل أن يشتري العرض بمائتين فباعه في أثناء الحول بثلاثمائة ففيه طريقان ، من أصحابنا من قال : يزكي المائتين لحولها ، ويستأنف ( الحول للزيادة ) قولا واحدا .

وقال أبو إسحاق في الزيادة قولان . [ أحدهما ] : يزكيها لحول الأصل ; لأنه نماء الأصل فيزكي بحول الأصل كالسخال .

( والثاني ) : يستأنف الحول بها ; لأنها فائدة غير متولدة مما عنده فلا يزكي بحوله ، كما لو استفاد الزيادة بإرث أو هبة ، فإذا قلنا : يستأنف الحول للزيادة ففي حولها وجهان .

( أحدهما ) : من حين ينض ; لأنه لا يتحقق وجودها قبل أن ينض .

( والثاني ) : من حين يظهر وهو الأظهر ; لأنه قد ظهر ، فإذا نض علمنا أنه قد ملكه من ذلك الوقت .

فإن كان عنده نصاب من الدراهم فباعه بالدراهم أو بالدنانير فإن فعل ذلك لغير التجارة ، انقطع الحول فيما باع ، واستقبل الحول فيما اشترى ، وإن فعله للتجارة كما يفعل الصيارف ففيه وجهان .

( أحدهما ) : ينقطع الحول ; لأنه مال تجب الزكاة في عينه فانقطع الحول فيه بالمبادلة كالماشية .

( والثاني ) : لا ينقطع الحول ; لأنه باع مال التجارة [ بمال ] للتجارة ، فلم ينقطع الحول ، [ كما ] لو باع عرضا بعرض ) .


( الشرح ) قوله : ينض بكسر النون وفتح الياء ، وفي الفصل مسائل : ( إحداها ) إذا باع عرض التجارة بعرض للتجارة لم ينقطع الحول بلا خلاف ; لما ذكره المصنف ; ولأن هذا شأن التجارة .

( الثاني ) إذا باع العرض بدراهم أو دنانير في أثناء الحول ، فإن باعه بقدر قيمته وهي رأس المال ، بنى حول الثمن على حول العرض بلا خلاف ، كما بنى حول العرض على حول الثمن ، وإن باعه [ ص: 17 ] بزيادة بأن اشتراه بمائتي درهم فباعه في أثناء الحول بثلاثمائة ، ففيه طريقان مشهوران ذكرهما المصنف بدليليهما .

( أصحهما ) عند الأصحاب ، وبه قال أكثر أصحابنا المتقدمين : أن المسألة على قولين .

( أصحهما ) عند الأصحاب : أنه يزكي المائتين لحولها ، ويفرد الربح بحول .

( والثاني ) : يزكي الجميع بحول الأصل ، ( والطريق الثاني ) وبه قال أبو علي بن أبي هريرة وحكاه عنه الماوردي : أنه يفرد الربح قولا واحدا ، فإذا قلنا : يفرد الربح بحول ، ففي ابتدائه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليليهما ( أصحهما : ) من حين النضوض .

( والثاني ) : من حين الظهور .

. وهذا الوجه قول ابن سريج ، والأول هو الأصح عند المصنف والأصحاب ، وهو ظاهر نص الشافعي . هذا إذا أمسك الناض حتى تم الحول ، فلو اشترى به سلعة للتجارة قبل الحول وحال عليها الحول ، فطريقان حكاهما إمام الحرمين وغيره .

( أحدهما ) وهو المذهب : أنه كما لو أمسك الناض ، فيكون على الطريقين .

( والثاني ) : القطع بأنه يزكي الجميع بحول الأصل . هذا كله إذا نض قبل تمام الحول ، فلو نض بعده نظر إن ظهرت الزيادة قبل تمام الحول ، زكى الجميع بحول الأصل بلا خلاف ، وإن ظهرت بعد تمامه فوجهان حكاهما الرافعي .

( أحدهما ) : كهذا ، ( والثاني ) وهو الأصح : يستأنف للربح حولا .

هذا كله إذا صار المال ناضا من جنس رأس المال ، بأن كان رأس المال دراهم فباعه بدراهم ، أما إذا صار ناضا من غير جنسه ، بأن كان رأس المال دراهم فباع العرض بدنانير فيقومها إذا انقضى الحول بالدراهم ، ويزكي ربحها لحول الأصل قولا واحدا ، كما سنذكره في العرض إن شاء الله تعالى ; لأن رأس المال إذا كان دراهم لا يقوم في آخر الحول إلا بها ، فالدنانير كالعرض . هكذا قطع به البغوي والأكثرون ، ونقله الرافعي عن الجمهور .

ثم قال : وقيل في ضم الربح إلى حول الأصل : الطريقان السابقان ، فيما إذا كان الناض من جنسه ، والمذهب : الأول . هذا كله إذا نض مال التجارة وفيه ربح . [ ص: 18 ] أما إذا حصل ربح في قيمة العرض ، ولم ينض بأن اشترى عرضا بمائتين ولم ينض حتى تم الحول وهو يساوي ثلاثمائة ، فيحسب زكاة ثلاثمائة عند تمام حول رأس المال بلا خلاف ، سواء أكانت الزيادة في نفس العرض كثمن العبد والجارية والدابة وكبر الشجرة وغيرها أو بارتفاع السوق ، وسواء أكانت الزيادة في القيمة حاصلة يوم الشرى أو حدثت قبل الحول بزمن طويل أو قصير ، حتى يوم واحد أو لحظة ، ففي كل هذا يضم الربح إلى الأصل ، ويزكى الجميع لحول الأصل بلا خلاف . هكذا صرح به البغوي وسائر الأصحاب .

ونقل القاضي أبو الطيب في " المجرد " وإمام الحرمين وصاحب " البيان " : اتفاق الأصحاب عليه ، واحتجوا بأنه نماء في السلعة فأشبه النتاج في الماشية .

قال إمام الحرمين : حكى الأصحاب القطع بهذا ، لكن من يعتبر النصاب في جميع الأحوال قد لا يسلم وجوب الزكاة في الربح في آخر الحول ، ومقتضاه أن يقول : ظهور الربح في أثنائه كنضوضه ، فيكون فيه الخلاف السابق ، قال : وهذا لا بد منه . قال الرافعي : والمذهب ما سبق ( قلت ) : وهو كما قال الرافعي .

وهذا الذي أبداه إمام الحرمين احتمال ضعيف ; لأن هذا المعنى موجود في النتاج ، فإن النصاب معتبر في الماشية في جميع الحول بالاتفاق ، والنتاج مضموم إلى الأصل ، والله أعلم . أما إذا ارتفعت قيمة العرض بعد انقضاء الحول فالربح مضموم إلى الأصل في الحول الثاني ، لا في الأول كالنتاج . وهذا لا خلاف فيه ، صرح به البغوي وآخرون ، والله أعلم .

( المسألة الثانية ) إذا كان عنده نصاب من الذهب والفضة للقنية فباعه في أثناء الحول بنصاب من جنسه أو من الجنس الآخر ، فإن لم يقصد به التجارة انقطع الحول بلا خلاف ، كما لو بادل [ ص: 19 ] بالماشية ، ثم إن لم يقصد الفرار من الزكاة فلا كراهة ، وإن قصده كره كراهة تنزيه على المذهب . وقيل : تحريم ، وقد سبقت المسألة في باب زكاة الثمار ، وإن باعه بقصد التجارة كالصيرفي ونحوه فوجهان مشهوران . ذكرهما المصنف بدليليهما : ( أصحهما ) عند الأصحاب - وهو ظاهر نص الشافعي - : ينقطع الحول في البيع ويستأنف حولا لما اشتراه ، فإن باع الثاني قبل حوله للتجارة انقطع حوله ، واستأنف حولا آخر لما اشتراه ، وهكذا أبدا .

( والوجه الثاني ) : لا ينقطع الحول ، بل يبنى الثاني على حول الأول ، وهذا قول أبي إسحاق المروزي وصححه الشاشي والصحيح : ما سبق ، ثم إن المصنف والجمهور حكوهما وجهين كما سبق ، وحكاهما البغوي قولين ، فقال : الجديد ينقطع ، والقديم لا ينقطع .

فرع لابن الحداد وشرحه الأصحاب ، قال أصحابنا رحمهم الله : إذا ملك عشرين دينارا فاشترى بها عرضا للتجارة ثم باعه بعد ستة أشهر من ابتداء الحول بأربعين دينارا واشترى بها سلعة أخرى ، ثم باعها بعد تمام الحول بمائة دينار ، فإن قلنا : إن الربح من الناض لا نفرده لحول ، فعليه زكاة جميع المائة لحول الأصل ، وإن قلنا : نفرد ، فعليه زكاة خمسين دينارا ; لأنه اشترى السلعة الثانية بأربعين ، منها عشرون رأس ماله الذي مضى عليه ستة أشهر ، وعشرون ربح استفاده يوم باع الأول ، فإذا مضت ستة أشهر فقد تم الحول على نصف السلعة فيزكيه بزيادته ، وزيادته ثلاثون دينارا ; لأنه ربح للعشرين ستين ، وكان ذلك كامنا وقت تمام الحول ، ثم إذا مضت ستة أشهر أخرى فعليه زكاة العشرين الثانية ، فإن حولها حينئذ ، ولا يضم إليها ربحها ; لأنه صار ناضا قبل تمام حولها ، فإذا مضت ستة أشهر أخرى فعليه زكاة ربحها وهي الثلاثون الباقية ، فإن كانت الخمسون التي أخرج زكاتها في الحول الأول باقية عنده فعليه [ ص: 20 ] زكاتها أيضا للحول الثاني مع الثلاثين ، هذا الذي ذكرناه هو قول ابن الحداد تفريعا على أن الناض لا يفرد ربحه بحول .

وحكى الشيخ أبو علي وجهين آخرين ضعيفين ضعفهما إمام الحرمين والأصحاب .

( أحدهما ) : يخرج عند البيع الثاني زكاة عشرين ، فإذا مضت ستة أشهر أخرج زكاة عشرين أخرى ، وهي التي كانت ربحا في الحول الأول ، فإذا مضت ستة أشهر أخرج زكاة الستين الباقية ; لأنها إنما استقرت عند البيع الثاني ، فمنه يبتدئ حولها فيه ( والوجه الآخر ) : أنه عند البيع الثاني يخرج زكاة عشرين ، ثم إذا مضت ستة أشهر زكى الثمانين الباقية ; لأن الستين التي هي ربح حصلت في حول العشرين التي هي الربح الأول فضمت إليها في الحول .

ولو كانت المسألة بحالها لكنه لم يبع السلعة الثانية فيزكي عند تمام الحول الأول خمسين كما ذكرنا ، وعند تمام الحول الثاني الخمسين الثانية ; لأن الربح الأخير ما صار ناضا .

ولو اشترى بمائتين عرضا فباعه بعد ستة أشهر بثلاثمائة واشترى بها عرضا آخر وباعه بعد تمام الحول بستمائة ، فإن لم يفرد الربح بحول أخرج زكاة ستمائة ، وإن أفردناه أخرج زكاة أربعمائة ، فإذا مضت ستة أشهر زكى مائة ، فإذا مضت ستة أشهر أخرى زكى المائة الباقية .

هذا على قول ابن الحداد وهو المذهب ، وأما على الوجهين الآخرين فيزكي عند البيع الثاني مائتين ، ثم على الوجه الأول : إذا مضت ستة أشهر زكى مائة ، ثم إذا مضت ستة أخرى زكى ثلاثمائة ، وعلى الوجه الثاني إذا مضت ستة أشهر من البيع الثاني زكى الأربعمائة الباقية ، والله أعلم .

( فرع ) ذكره البندنيجي وصاحب " الشامل " والبيان " وغيرهم : لو كان معه مائة درهم فاشترى عرضا للتجارة بخمسين منها ، فبلغت قيمته في آخر الحول مائة وخمسين ، وقلنا بالمذهب : إنه ينعقد الحول على ما دون النصاب لزمه زكاة الجميع ، فلو اشترى العرض بمائة ، [ ص: 21 ] فلما مضت ستة أشهر استفاد خمسين درهما من جهة أخرى ، فلما تم حول العرض كانت قيمته مائة وخمسين ، فلا زكاة ; لأن الخمسين المستفادة لم يتم حولها ; لأنها وإن ضمت إلى مال التجارة فإنما تضم إليه في النصاب لا في الحول ; لأنها ليست من نفس العرض ولا من ربحه ، فإذا تم حول الخمسين زكى المائتين . ولو كان معه مائة درهم فاشترى بها عرضا للتجارة في أول المحرم ثم استفاد مائة أول صفر فاشترى بها عرضا ، ثم استفاد مائة ثالثة في أول [ شهر ] ربيع الأول فاشترى بها عرضا آخر ، فإذا تم حول المائة الأولى ، فإن كانت قيمة عرضها نصابا زكاها ، وإن كانت أقل فلا زكاة .

فإذا تم حول المائة الثانية قوم عرضها ، فإن بلغت قيمته مع الأول نصابا زكاهما ، وإن نقصا عنه فلا زكاة في الحال ، فإذا تم حول المائة الثالثة فإن كان الجميع نصابا زكاه وإلا فلا .

( فرع ) قال البغوي : لو اشترى عرضا بنصاب من الدراهم فصار ناضا في خلال الحول ناقصا عن النصاب ، فإن نض بغير جنس رأس المال ، بأن اشترى عرضا بمائتي درهم فنض بغيره دنانير لم ينقطع الحول ، فإذا تم الحول تقوم الدنانير بالدراهم ، وإن نض بجنس رأس المال بأقل من نصاب بأن باعه بمائة وخمسين درهما فوجهان .

( أحدهما ) : لا ينقطع الحول كما لو نض بغير جنسه ، وكما لو نقصت قيمة العرض ولم ينض .

( والثاني ) : ينقطع ; لأن الحول انعقد على عين الدراهم ، وقد نقص نصابها ، بخلاف ما لو نض من غير رأس المال ; لأن الحول هناك لم ينعقد على عينه إنما انعقد على قيمته ، ونصاب القيمة في خلال الحول لا ينض في زكاة التجارة .

[ ص: 22 ] ولو اشترى عرضا للتجارة بمائتي درهم فباعه بعشرين دينارا فتم الحول وهي في يده قومت الدنانير بالدراهم كالعروض ، فإن بلغت قيمتها نصابا من الدراهم أخرج الزكاة ، وإلا فهل يسقط حكم الحول أم لا يسقط ؟ حتى إذا بلغت قيمته بعد ذلك بأيام نصابا لزمه الزكاة ؟ فيه هذان الوجهان ، فإن قلنا : يسقط بتبدل الحول ، فهل تنتقل الزكاة من الدراهم إلى الدنانير ؟ فيه وجهان .

( أحدهما ) : لا ، كما لو كان عرضا ولم تبلغ قيمته نصابا لا ينتقل إلى نقد البلد . ( والثاني ) : ينتقل ويبطل حول الدراهم ، حيث لم يبلغ قيمة ما في يده نصابا ، والدنانير في نفسها فاعتبارها بنفسها أولى من اعتبار قيمتها ، فإن قلنا : تنتقل الزكاة إلى الدنانير ، فمن أي وقت يحسب حول الدنانير ؟ فيه وجهان .

( أحدهما ) : من وقت التقويم ; لأن حول الدراهم بطل عند التقويم .

( والثاني ) : من حين نضت الدنانير . هذا كلام البغوي ، والوجه الأول أصح ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية