صفحة جزء
[ ص: 36 ] قال المصنف رحمه الله تعالى باب زكاة المعدن والركاز : ( إذا استخرج حر مسلم من معدن في موات أو في أرض يملكها نصابا من الذهب أو الفضة ، وجبت عليه الزكاة ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني المعادن القبلية ، وأخذ منه الزكاة } ، فإن استخرجها مكاتب أو ذمي لم يجب عليه شيء ; لأنها زكاة ، والزكاة لا تجب على مكاتب ولا ذمي ، وإن وجده في أرض مملوكة لغيره فهو لصاحب الأرض ، ويجب دفعه إليه فإذا أخذه مالكه وجبت عليه زكاته ) .


( الشرح ) هذا الحديث رواه مالك في " الموطأ " عن شيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من العلماء : " { أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية ، وهي من ناحية الفرع ، فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم } " هذا لفظ رواية مالك ، وروى الشافعي عن مالك هكذا ، ثم قال الشافعي : ليس هذا مما يثبته أهل الحديث ، ولو أثبتوه لم يكن فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا إقطاعه ، فإن الزكاة في المعدن دون الخمس ، وليست مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال البيهقي : هو كما قال الشافعي في رواية مالك ، قال : وقد روي عن ربيعة موصولا ، فرواه البيهقي عن ربيعة عن الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من المعادن القبلية الصدقة ، وأنه أقطع بلال بن الحارث العقيق أجمع ، والمعادن القبلية } - بفتح القاف والباء الموحدة - ، وهذا لا خلاف فيه ، وقد تصحف ، والفرع - بضم الفاء وإسكان الراء وبالعين [ المهملة ] - بلاد بين مكة والمدينة ، وأما المعدن فمشتق من العدون وهو الإقامة ، ومنه [ ص: 37 ] قوله تعالى : { جنات عدن } وسمي معدنا ; لأن الجوهر يعدن فيه أي يقيم وقولهم : زكاة المعدن أي زكاة المستخرج من المعدن .

( أما الأحكام ) فقال أصحابنا : أجمعت الأمة على وجوب الزكاة في المعدن ، وشرط للذي يجب عليه أن يكون حرا مسلما ، فالمكاتب والذمي لا زكاة عليهما ; لما سبق في أول كتاب الزكاة ، وسبق هناك فيمن بعضه حر وبعضه عبد خلاف وهو جار هنا ، ولو كان المستخرج عبدا وجبت الزكاة على سيده ; لأن الملك له ولو أمره السيد بذلك ليكون النيل له ، قال القاضي أبو الطيب في " المجرد " والدارمي والبندنيجي وصاحب " الشامل " : هو على القولين في ملك العبد بتمليك السيد ، فإذا قلنا : لا يملك فالملك للسيد وعليه زكاته ، وإن قلنا : يملك فلا زكاة على السيد لعدم ملكه ، ولا على العبد لضعف ملكه ، والله أعلم .

قال المصنف والأصحاب : إذا كان مواتا أو ملكا للمستخرج فعليه زكاته ، وإن وجده في أرض مملوكة فهو لصاحب الأرض ، ويجب دفعه إليه ، فإذا أخذه مالكه لزمه زكاته .

( فرع ) قال أصحابنا : لا يمكن لذمي حفر معدن في دار الإسلام ولا الأخذ منها كما لا يمكن من الإحياء فيها ، ولكن ما أخذه قبل إزعاجه يملكه ، كما لو احتطب ، وفيه وجه : أنه لا يملكه ، حكاه الماوردي ، وسنعيده في فصل الزكاة إن شاء الله تعالى ، والصواب : أنه يملك وليس عليه حق المعدن على المذهب ، وبه قطع المصنف وسائر العراقيين ، وقال جماعة من الخراسانيين : يبنى على أن مصرف حق المعدن ماذا ؟ فإن أوجبنا فيه ربع العشر فمصرفه مصرف الزكوات ، وإن أوجبنا الخمس فطريقان . المذهب : مصرف الزكوات ( والثاني ) فيه قولان .

( أصحهما ) : هذا .

( والثاني ) : مصرف خمس الفيء ، وبهذا قال المزني وأبو حفص بن الوكيل من أصحابنا ، حكاه عنهما صاحب " البيان " ، فإن قلنا بهذا [ ص: 38 ] أخذ من الذمي الخمس ، وإن قلنا بالمذهب : إنه مصرف الزكوات ، لم يؤخذ منه شيء . قال الماوردي : فإن قيل : إذا كان الذمي ممنوعا من المعدن كما يمنع من الإحياء فينبغي أن لا يملك ما يأخذه منه ، كما لا يملك ما أحياه ، والجواب : أن ضرر الإحياء مؤبد ، فلم يملك به بخلاف المعدن . قال أصحابنا : ثم على المذهب يشترط النية فيه كسائر الزكاوات ، وإذا قلنا : مصرف الفيء فلا يشترط النية ، ولا خلاف أن المكاتب لا يمنع من المعدن ، ولا زكاة عليه ، قال المروزي : فإن قيل : فما الفرق بين أن يجد المكاتب معدنا أو ركازا ، فلا زكاة عليه فيه ؟ وبين أن يغنم غنيمة من الكفار فيجب فيها الخمس ؟ فالجواب : أنه في الغنيمة يملك أربعة أخماسها أولا ، ويملك أهل الخمس حينئذ الخمس ، وفي المعدن والركاز يملك كله بالوجود ، ولكن يجب بعد ذلك على الحر إخراج واجبه زكاة ، والمكاتب لا زكاة عليه فيما ملكه كسائر أملاكه ، وهذا مذهبنا وقال أبو حنيفة : يلزم المكاتب زكاة المعدن .

( فرع ) قال أصحابنا : ولو اشترى الحر المسلم أرضا فظهر فيها معدن ، فهو ملك المشتري ، فإن شاء عمله ، وإن شاء تركه ولا يتعرض له في واحد منهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية