صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن وجد النصاب في دفعات نظرت ، فإن لم ينقطع العمل ولا النيل - ضم بعضه إلى بعض في إتمام النصاب ، وإن قطع العمل لعذر [ ص: 40 ] كالاستراحة ] أو إصلاح الأداة ، ضم ما يجده بعد زوال العذر إلى ما وجده قبله ، وإن ترك العمل فيه لغير عذر لم يضم ما وجده بعد الترك إلى ما وجده قبله ، وإن اتصل العمل وانقطع النيل ثم عاد ففيه قولان . قال في القديم : لا يضم الثاني إلى الأول ; لأنه إذا لم يضم ما وجده بعد قطع العمل إلى ما وجده قبله ، فلئلا يضم ما وجده بعد قطع النيل [ بغير اختياره ] وهو المقصود أولى . وقال في الجديد : يضم ; لأن انقطاع النيل بغير اختياره ، وانقطاع العمل باختياره ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : ليس من شرط نصاب المعدن أن يوجد دفعة واحدة ، بل ما ناله دفعات يضم بعضه إلى بعض ، واتصال العمل إن تتابع العمل والنيل . قال الماوردي والبغوي وغيرهما : لا يشترط بقاء المستخرج في ملكه . قال أصحابنا : واتصال العمل هو إدامته في الوقت الذي جرت العادة بالعمل فيه ، واتصال النيل هو أن لا يحقد المعدن ، وحقده لا يخرج منه بالعمل شيئا . وأما إذا تتابع العمل ولم يتواصل النيل ، بل حقد المعدن زمانا ثم عاد النيل ، فإن كان زمن الانقطاع يسيرا - ضم أيضا ووجبت الزكاة إذا بلغ المجموع نصابا ، وإن كان كثيرا كاليومين والثلاثة ( فقولان ) . الصحيح : الجديد الضم ، ( والقديم : ) لا ضم ، وذكر المصنف دليلهما . وأما إذا انقطع العمل وكان النيل ممكنا بحيث لو عمل [ لنال ] ثم عاد إلى العمل ، فإن كان القطع بلا عذر - لم يضم - سواء طال الزمان أم قصر ; لأنه معرض ، وإن قطع لعذر ضم ، سواء طال الزمان أم لا ما دام الترك لعذر ، هذا هو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور ، وحكاه الرافعي عن الجمهور . وحكى فيه وجها آخر أنه لا ضم . قال : [ ص: 41 ] وفي حد الطول أوجه .

( أصحها ) : الرجوع إلى العرف .

( والثاني ) : ثلاثة أيام .

( والثالث ) : يوم كامل . قال أصحابنا : والأعذار كإصلاح الآلة وهرب العبيد والأجراء ، هذه أعذار بلا خلاف .

قال الرافعي : وكذلك السفر والمرض على المذهب . وقيل : فيهما وجهان .

( أصحهما ) : عذران .

( والثاني ) : لا . قطع الماوردي والقاضي أبو الطيب والجمهور أنهما من الأعذار . قال أصحابنا : ومتى حكمنا بعدم الضم فمعناه أن الأول لا يضم إلى الثاني . وأما الثاني : فيضم إلى الأول بلا خلاف ، كما يضم إلى ما يملكه من غير المعدن .

( فرع ) ولو وجد رجلان من المعدن - دون نصابين وبلغ نصابا - فإن قلنا : بإثبات الخلطة في الذهب والفضة - زكيا زكاة الخلطة إن كانا من أهلها - وإلا فلا زكاة عليهما إلى أن يكون في ملكه من غيره ما يتم به النصاب .

فرع في ضم المملوك من المعدن إلى غيره مما يملكه الواجد وهو مفرق في كلام الأصحاب ، وقد لخصه الرافعي واختصرت كلامه ، ومختصره أنه : إذا نال من المعدن دون نصاب - وهو يملك من جنسه نصابا فصاعدا - فإما أن يناله في آخر جزء من حول ما عنده أو بعد تمام حوله أو قبله ، ففي الحالين الأولين يصير مضموما إلى ما عنده ، وعليه في ذلك النقد زكاته ، وعليه أيضا فيما ناله حقه بلا خلاف ، لكن حق النقد ربع العشر وحق المعدن فيه الأقوال : الصحيح : ربع العشر . وأما إذا ناله قبل تمام الحول فلا شيء عليه فيما عنده حتى يتم حوله ، وفي وجوب حق المعدن فيما وجده وجهان .

( أصحهما ) : الوجوب ، وهو ظاهر نصه في " الأم " وصححه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وآخرون .

( والثاني ) : لا يجب ، فعلى هذا يجب فيما عنده ربع العشر عند تمام حوله وفيما ناله ربع العشر عند تمام حوله .

وأما إذا كان يملكه من جنسه دون نصاب بأن ملك مائة درهم ونال [ ص: 42 ] من المعدن مائة نظر - إن نالها بعد تمام حول ما عنده - ففي وجوب حق المعدن فيما ناله الوجهان ، فعلى الأول : يجب في المعدن حق ويجب فيما كان عنده ربع العشر إذا تم حوله من حين كمل النصاب بالنيل ، وعلى الثاني لا يجب شيء في الجميع حتى يمضي حول من يوم النيل فيجب في الجميع ربع العشر .

وقال أبو علي في " الإفصاح " : فيه وجه : أنه يجب فيما ناله حقه ، وفيما كان عنده ربع العشر في الحال ; لأنه كمل بالنيل وقد مضى عليه حول ، وهذا ضعيف أو باطل ; لأن الذي كان عنده دون نصاب ، فلم يكن في حوله ، ( قلت ) : وهذا الوجه المنسوب إلى أبي علي صاحب " الإفصاح " ، نقله الشيخ أبو حامد والمصنف في فصل الركاز وغيرهما من الأصحاب عن نص الشافعي واختاروه ورجحوه ، ولكن الأصح الذي اختاره القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما من المحققين : أنه لا شيء فيما كان عنده حتى يحول حوله من حين كمل نصابا . والله أعلم .

وأما إذا ناله قبل تمام حول المائة فلا يجب في المائة التي كانت عنده شيء بلا خلاف ، ولا يجيء وجه صاحب " الإفصاح " ، وأما المائة المأخوذة من المعدن : فيجيء فيها الوجهان السابقان ، وهذا التفصيل نقله بعض العراقيين ، ونقل معظمه أبو علي السنجي ، ونسبه إمام الحرمين إلى السهو ، وقال : إذا كان ما يملكه دون نصاب فلا ينعقد عليه حول حتى يفرض له وسط وآخر ، أو يحكم بوجوب الزكاة فيه يوم النيل ، ولا شك في بعد القول بوجوب الزكاة فيه للنيل ، ولكن الشيخ أبو علي لم ينفرد بنقله ، ولا اختاره حتى يعترض عليه . وإنما نقله متعجبا منه منكرا له .

( قلت ) : هذا الذي ذكره إمام الحرمين وأبو علي والرافعي من الإفراط في رد الوجه المنقول عن " الإفصاح " ، وجعله غلطا شاذا لا يعرف ، ليس كما قالوه ، بل هو منصوص كما قدمناه عن نقل المصنف [ ص: 43 ] والشيخ أبي حامد وغيرهما ، ولكن الأصح خلافه ، وأما إذا كان الذي عنده مال تجارة ، فيجيء فيه الأحوال الثلاثة وإن كان دون نصاب بلا إشكال ; لأن الحول ينعقد عليه وإن كان دون نصاب ، ولا يعتبر نصابه إلا في آخر الحول على الصحيح كما سبق في بابه . ، فإذا نال من المعدن شيئا في آخر حول التجارة ، ففيه حق المعدن ، وفي مال التجارة زكاة التجارة إن كان نصابا ، وكذا إن كان دونه وبلغ بالمعدن نصابا واكتفينا بالنصاب في آخر الحول ، وإن نال قبل تمام الحول ففي وجوب حق المعدن الوجهان السابقان . وإن نال بعد تمام الحول نظر ، إن كان مال التجارة نصابا في آخر الحول - وجب في النيل حق المعدن ; لانضمامه إلى ما وجبت فيه الزكاة ، وإن لم يبلغ نصابا وناله بعد مضي ستة أشهر من الحول الثاني بني على الخلاف السابق في باب زكاة التجارة : أن عرض التجارة إذا قوم في آخر الحول فنقص عن النصاب ثم زاد بعد ذلك وبلغ نصابا ، هل تجب فيه الزكاة عند بلوغه نصابا ؟ أم ينتظر مضي الحول الثاني بكماله ؟ ( فإن قلنا ) بالأول وجبت زكاة التجارة في مال التجارة ، وحينئذ يجب حق المعدن في النيل بلا خلاف .

( وإن قلنا ) بالثاني وهو انتظار مضي الحول الثاني وهو الأصح ، ففي وجوب حق المعدن الوجهان ، وجميع ما ذكرناه مفرع على المذهب ، وهو : أن الحول لا يعتبر في زكاة المعدن ، وإن اعتبرناه انعقد الحول عليه من حين وجده ، هذا آخر كلام الرافعي رحمه الله ، وقد ذكر المصنف هذه المسائل في فصل الركاز ، وفي كلامه مخالفة للراجح في هذا المذهب ، فليحمل على ما قررناه هنا ، قال أصحابنا : وحكم الركاز في إتمام النصاب حكم المعدن في كل ما ذكرناه وفاقا وخلافا بلا فرق ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية