صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ومن وجبت عليه فطرته وجبت عليه فطرة من تلزمه نفقته إذا كانوا مسلمين ووجد ما يؤدي عنهم فاضلا عن النفقة ، فيجب على الأب والأم وعلى أبيهما وأمهما - وإن علوا - فطرة ولدهما وولد ولدهما - وإن سفلوا - وعلى الولد وولد الولد ( وإن سفلوا ) فطرة الأب والأم وأبيهما وأمهما - وإن علوا - إذا وجبت عليهم نفقتهم ، لما روى ابن عمر قال : { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الكبير والصغير والحر والعبد ممن تمونون } ، فإن كان للولد أو للوالد عبد يحتاج إليه للخدمة ، وجبت عليه فطرته ; لأنه يجب عليه نفقته ، ويجب على السيد فطرة عبده وأمته ; لحديث ابن عمر ، وإن كان له عبد آبق ففيه طريقان ( أحدهما ) : تجب فطرته قولا واحدا ; لأن فطرته ( تجب ) لحق الملك ، والملك لا يزول بالإباق ، ومنهم من قال : [ ص: 68 ] فيه قولان كالزكاة في المال المغصوب ، ( قال ) : فإن كان عبد بين نفسين وجبت الفطرة عليهما ; لأن نفقته عليهما ، وإن كان نصفه حرا ونصفه عبدا وجب على السيد نصف فطرته ، وعلى العبد نصف فطرته ; لأن النفقة عليهما نصفان فكذلك الفطرة . وإن كان له مكاتب لم تجب عليه فطرته ; لأنه لا يجب عليه نفقته ، وروى أبو ثور عن الشافعي قال : يجب عليه فطرته ; لأنه باق على ملكه ويجب على الزوج فطرة زوجته إذا وجبت عليه نفقتها ; لحديث ابن عمر ولأنه ملك تستحق به النفقة ، فجاز أن تستحق به الفطرة كملك اليمين في العبد والأمة ، فإن كانت ممن تخدم ، ولها مملوك يخدمها ، وجب عليه فطرته ; لأنه يجب عليه نفقته ( فلزمته فطرته ) ، فإن نشزت الزوجة لم يلزمه فطرتها ; لأنه لا يلزمه نفقتها ، ولا يجب عليه إلا فطرة مسلم ، فأما إذا كان المؤدى عنه كافرا فلا يجب عليه فطرته ; لحديث ابن عمر : { على كل ذكر وأنثى حر وعبد من المسلمين } ; ولأن القصد بالفطرة تطهير المؤدى عنه ; لأن المؤدي قد طهر نفسه بالفطرة ، والكافر لا يلحقه تطهير ) .


( الشرح ) حديث ابن عمر الأول في الصحيحين إلا قوله : " ممن تمونون " فرواه بهذه اللفظة الدارقطني والبيهقي بإسناد ضعيف ، قال البيهقي : إسناده غير قوي ، ورواه البيهقي أيضا من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مرسل أيضا ، فالحاصل : أن هذه اللفظة " ممن تمونون " ليست بثابتة ، وأما باقي حديث ابن عمر المذكور ففي الصحيحين كما سبق .

( وأما أحكام الفصل ) فقال أصحابنا : الفطرة قد يجب أداؤها على الإنسان عن نفسه ، وقد تجب عن غيره ، وجهات التحمل عن غيره ثلاث : الملك والنكاح والقرابة ، وكلها تقتضي وجوب الفطرة في الجملة ، [ ص: 69 ] فمن لزمه نفقة بسبب من هذه الثلاثة لزمه فطرة المنفق عليه ، ولكن يشترط في ذلك أمور . ويستثنى منه صور منها متفق عليه ، ومنها مختلف فيه ، ستظهر بالتفريع إن شاء الله تعالى .

وقال ابن المنذر من أصحابنا : لا يلزمه فطرة زوجته ، بل عليها فطرة نفسها وستأتي مذاهب العلماء فيها إن شاء الله تعالى في فرع مستقل . ومن المستثنى أن الابن يلزمه نفقة زوجة أبيه تفريعا على المذهب في وجوب الإعفاف ، وهل عليه فطرتها ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) عند الغزالي وصاحب " البيان " وطائفة : وجوبها ، ( وأصحهما ) عند البغوي وصاحب العدة وآخرين والرافعي في المحرر : لا تجب ، وهو المختار .

قالوا : ويجري الوجهان في فطرة مستولدة الأب ، وأما زوجة الابن المعسر فلا تجب نفقتها ولا فطرتها على الأب ; لأنه لا يجب إعفافه ، وإن وجبت نفقته ، وأما الإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم وسائر الأقارب غير الأصول والفروع فلا تجب نفقتهم ولا فطرتهم ، ( وأما ) الأصول والفروع فإن وجبت نفقتهم بشروطها المعروفة في كتاب النفقات وجبت فطرتهم ومن لا فلا ، فلو كان الابن الكبير في نفقة أبيه فوجد قوته ليلة العيد ويومه فقط ، لم تجب فطرته على الأب ; لسقوط نفقته عنه في وقت الوجوب ولا على الابن لإعساره ، وإن كان الابن صغيرا والمسألة بحالها ففي سقوط الفطرة على الأب وجهان حكاهما إمام الحرمين وآخرون ( أصحهما ) عند الرافعي وغيره : لا تجب كالابن الكبير ، وبهذا قال الشيخ أبو محمد ( والثاني ) : تجب لتأكدها بخلاف الكبير . قال الشافعي والمصنف والأصحاب : وإن كان للقريب الذي تجب نفقته عبد يحتاج إلى خدمته لزم المنفق فطرته ، كما يلزمه نفقته ; لأنه من مؤن القريب .

وأما العبد القن والمدبر والمعلق عتقه بصفة ، والمستولدة ، فتجب فطرتهم على السيد بلا خلاف ، لحديث ابن عمر : " حر وعبد " رواه البخاري ومسلم . قال أصحابنا : وتجب فطرة [ ص: 70 ] المرهون والجاني والمستأجر على سيدهم كالنفقة ، وقال إمام الحرمين والغزالي : يحتمل أن يجري في المرهون الخلاف السابق في المال المرهون ، قال الرافعي : وهذا الذي قالاه لا نعرفه لغيرهما ، بل قطع الأصحاب بالوجوب هنا وهناك ، وهذا هو المنصوص ، ونقل السرخسي اتفاق الأصحاب عليه ، قال الماوردي وغيره : ويلزم السيد إخراجها من ماله ، ولا يجوز إخراجها من رقبة المرهون ; لأنها تابعة للنفقة ، والنفقة على السيد ، قال : بخلاف المال المرهون حيث قلنا : يخرج زكاته منه في أحد القولين ; لأن فطرة العبد في ذمة سيده وزكاة المال في عينه في أحد القولين ، وقال السرخسي : إن لم يكن للراهن مال آخر أخرجها من نفس المرهون ، وإلا فقولان ( أحدهما ) : يلزمه أن يخرجها من ماله ( والثاني ) : له إخراجها من نفس المرهون بأن يبيع بعضه . وأما العبد الآبق والضال ففيهما طريقان مشهوران ذكرهما المصنف بدليليهما ، ( أصحهما ) : القطع بوجوب الفطرة ( والثاني ) : فيه قولان كزكاة المال المغصوب .

وأما العبد المغصوب فالمذهب القطع بوجوب فطرته ، وبه قطع العراقيون والبغوي ، ونقله صاحب " البيان " عن العراقيين ، وذكر الفوراني وإمام الحرمين وآخرون عن الخراسانيين فيه طريقين كالآبق وأما العبد الغائب فإن علم حياته وكان في طاعة سيده وجبت فطرته بلا خلاف ، وإن لم يعلم وانقطع خبره مع تواصل الرفاق فطريقان ( أصحهما ) وهو المنصوص : وجوبها ; لأن الأصل حياته ( والثاني ) : على قولين ( أصحهما ) : هذا ( والثاني ) : لا تجب ; لأن الأصل البراءة منها ، والمذهب أن عتق هذا العبد لا يجزئ عنه في الكفارة ، وفيه قولان ، وحاصله أن الشافعي نص على وجوب الفطرة ونص أنه لا يجزئ في الكفارة ، فقيل : فيهما قولان .

وقال المحققون : وهو الأصح بظاهر النصين ; لأن الأصل شغل الذمة بالكفارة وشككنا في البراءة ، وإذا أوجبنا الفطرة في الآبق والضال والمغصوب ومنقطع الخبر وجب إخراجها في الحال على المذهب ، وبه قطع البغوي وآخرون ، وقال صاحب " الشامل " " : حكى الشيخ أبو حامد فيه قولين عن [ ص: 71 ] الإملاء " ( أحدهما ) : يجب الإخراج في الحال ( والثاني ) : لا يجب حتى يعود إليه كالمال المغصوب ، قال البندنيجي وصاحب " الشامل " : وهذا بعيد ; لأن إمكان الأداء شرط في زكاة المال الغائب يتعذر فيه الأداء . وأما زكاة الفطر فتجب عما لا يؤدى عنه ، وكذا قال إمام الحرمين : الخلاف في تعجيل الإخراج بعيد ، قال : والوجه القطع بإيجاب الزكاة وإيجاب تعجيلها . قال الشافعي والأصحاب : وتجب فطرة العبد المشترك وفطرة من بعضه حر ومن بعضه رقيق ، وهذا لا خلاف فيه عندنا ، فإن لم يكن بين السيدين في المشترك ولا بين السيد ومن بعضه حر مهايأة ، فالفطرة بينهما على قدر النصيبين ، وعلى السيد ومن بعضه حر على قدر الرق والحرية ، وإن كانت مهايأة ، فهل تختص الفطرة بمن وقع زمن الوجوب في نوبته أم توزع بينهما ؟ فيه خلاف مبني على أن الأكساب والمؤن النادرة هل تدخل في المهايأة أم لا يدخل فيها إلا المعتاد ؟ وعلى أن الفطرة نادرة أم لا ؟ وفي كل واحد من الأصلين خلاف ذكره المصنف والأصحاب في باب اللقطة . فأحد الوجهين أو القولين دخول النادر في المهايأة ، وفي الفطرة طريقان حكاهما الفوراني والسرخسي وإمام الحرمين وآخرون من الخراسانيين ( أصحهما ) عندهم : أنها من النادر . قال الرافعي : وبه قطع الأكثرون ( والثاني ) : على الوجهين ( أحدهما ) : هذا ( والثاني ) : لا يدخل فيكون بينهما ، ونقله الماوردي عن أكثر أصحابنا . ونقل صاحب البيان عن العراقيين الجزم بهذا . قال : لأن المهايأة معاوضة كسب يوم بكسب يوم ، والفطرة حق لله تعالى لا يصح المعاوضة عليها ، وهذا التعليل ضعيف والعلة الصحيحة : أن الفطرة عن البدن وهو مشترك . فالحاصل : أن الراجح عند العراقيين والصيدلاني وإمام الحرمين : أن الفطرة لا تدخل في المهايأة ، بل تكون مشتركة ، والراجح عند الآخرين منهم البغوي والرافعي دخولها . قال الرافعي : وهم كلهم كالمتفقين على دخولها في باب اللقطة . وهو نصه في " المختصر " ، وفرق السرخسي [ ص: 72 ] وغيره : بأن الفطرة لا تتكرر ، وإنما تجب في السنة مرة فلا يختص بأحدهما بخلاف غيرها من المؤن والأكساب النادرة ، فإنها تقع في النوبتين جميعا . قال إمام الحرمين : ولو جنى هذا المشترك وبينهما مهايأة ووقعت الجناية في نوبة أحدهما لم يختص ذلك بوجوب الأرش باتفاق العلماء ; لأن الأرش تعلق بالرقبة ، وهي مشتركة . والله أعلم . ( وأما ) المكاتب فسبق بيانه في الفصل المتقدم . والله تعالى أعلم .

( فرع ) يجب على الزوج فطرة زوجته كما سبق . وقال ابن المنذر : لا يجب كما قدمناه ، ودليل الوجوب : ما ذكره المصنف ، قال أصحابنا : وإنما تجب فطرة من تجب نفقتها ، فإن كانت ناشزة لم تجب فطرتها بلا خلاف كما لا تجب نفقتها . قال إمام الحرمين : والوجه عندي القطع بوجوب فطرتها عليها حينئذ . وإن قلنا : لا ، يلاقيها الوجوب ; لأنها بالنشوز خرجت عن إمكان التحمل ، وهذا الذي قاله الإمام متعين ، ولو لم تنشز هي ، بل حال أجنبي بينه وبينها وقت الوجوب ، فالذي يقتضيه إطلاق الأصحاب وجوب فطرتها على الزوج كالمريضة . قال الرافعي : وطرد أبو الفضل بن عبدان من أصحابنا فيها الخلاف السابق في العبد المغصوب والضال ، وهذا الذي قاله ابن عبدان يتأيد بأنها لو وطئت بشبهة فاعتدت عنها لا نفقة لها في مدة العدة ، صرح به البغوي وغيره في كتاب " النفقات " ; لأنه فات التمكين بسبب نادر ، فسقطت النفقة بخلاف المريضة فإنه عام ، وكذا لو حبست في دين سقطت نفقتها ، كما سنوضحه في كتاب " النفقات " إن شاء الله تعالى ، والله أعلم .

ولو كانت الزوجة صغيرة ، والزوج كبيرا أو عكسه ، أو كانا صغيرين فالفطرة تابعة للنفقة ، وفيها خلاف مشهور في كتاب النفقات ، والأصح : وجوب نفقة الكبيرة دون الصغيرة ، سواء أكان الزوج صغيرا وهي صغيرة ، أو كانا صغيرين لعدم التمكين ، ولو كانت الزوجة أمة ففطرتها [ ص: 73 ] كنفقتها ، وفيها خلاف وتفصيل إن وجبت على الزوج لزمته فطرتها ، وإلا فهما على السيد ، وإن ألزمناه نفقتها فكذا الفطرة .

( فرع ) قال أصحابنا : تجب عليه فطرة زوجته الرجعية كنفقتها . وأما البائن فإن كانت حائلا فلا فطرة عليه عنها ، كما لا نفقة عليه لها ويلزمها فطرة نفسها ، وإن كانت حاملا فطريقان مشهوران في كتب الخراسانيين وغيرهم ( أحدهما ) : القطع بوجوب الفطرة عليه كالنفقة ، وهذا هو الراجح عند الشيخ أبي علي السنجي وإمام الحرمين والغزالي ، ( والثاني ) : وهو الأصح وبه قطع أكثر العراقيين . قال الرافعي : وبه قطع الأكثرون أن الفطرة مبنية على الخلاف المشهور أن النفقة تجب للحامل أم للحمل ، ( إن قلنا ) بالأول وجبت وإلا فلا ; لأن الجنين لا تجب فطرته ، هذا إن كانت الزوجة حرة ، فإذا كانت أمة ففطرتها باتفاقهم مبنية على ذلك الخلاف ، فإن قلنا : النفقة للحمل فلا فطرة كما لا نفقة ; لأنه لو برز الحمل لم تجب نفقته على الزوج ; لأنه ملك سيدها ، وإن قلنا : للحامل وجب ، وسواء رجحنا الطريق الأول أم الثاني . فالمذهب : وجوب الفطرة ; لأن الأصح أن النفقة للحامل بسبب الحمل . والله أعلم .

( فرع ) قال المصنف والأصحاب : إذا كانت المرأة ممن تخدم في العادة ، ولها خادم مملوك لها يخدمها لزم الزوج فطرة الخادم ; لأنه تلزمه نفقته ، كما هو مقرر في كتاب النفقات ، والفطرة تابعة للنفقة . هكذا نص عليه الشافعي وقطع به المصنف وسائر الأصحاب ، وشذ عنهم إمام الحرمين فقال : قيل : عليه فطرة خادمها المملوك لها ، والأصح عندنا : أنه لا يلزمه ; لأن الخادم من تتمة نفقة الزوجة ، وقد أخرج فطرة الزوجة ، وهذا الذي اختاره شاذ مردود ، وإن أخدمها حرة صحبتها لتخدمها ، وأنفق عليها لم يلزمه فطرتها ; لأنها في معنى المستأجرة ، وإن أخدمها مملوكة للزوج فعليه فطرتها أيضا ، وإن اكترى لها خادما حرة أو أمة لم يلزمه فطرة الخادم كما لا يلزمه نفقته ، فإن الإجارة لا تقتضي النفقة أما إذا كانت ممن لا يخدم في العادة ، بل عادة مثلها خدمة [ ص: 74 ] نفسها ، فلا يلزم الزوج لها خادم ، فإن أخدمها بمملوكته فهو متبرع بالإخدام وعليه فطرة الخادم بسبب الملك لا بالإخدام ، وإن اتفقا على أن تخدمها مملوكة لها لم يلزمه فطرة الخادم ، كما لا يلزمه نفقتها في هذه الحالة . والله أعلم .

فرع في مذاهب العلماء في فطرة الزوجة ذكرنا : أن مذهبنا وجوبها على الزوج ، وبه قال علي بن أبي طالب وابن عمر ومالك والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور . وقال أبو حنيفة وصاحباه والثوري : ليس عليه فطرتها ، بل هي عليها واختاره ابن المنذر ، دليلنا ما ذكره المصنف .

( فرع ) قال الشافعي والأصحاب : ولا يلزمه إلا فطرة مسلم ، فإذا كان له قريب أو زوجة مملوك كافر يلزمه نفقتهم ، ولا يلزمه فطرتهم بلا خلاف عندنا ، وبه قال علي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وابن المسيب والحسن البصري ومالك وأحمد وأبو ثور .

قال ابن المنذر : وبه قال عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والنخعي والثوري . [ ص: 75 ] وقال أبو حنيفة وأصحابه وإسحاق : تجب عن عبده وقريبه الذمي : دليلنا قوله صلى الله عليه وسلم : " من المسلمين " وهو في الصحيحين كما سبق بيانه .

( فرع ) قال أصحابنا : العبد ينفق على زوجته من كسبه ، ولا يخرج عنها الفطرة حرة كانت أو أمة ، وهذا لا خلاف فيه . هكذا صرح به الأصحاب ، وكذا نقل إمام الحرمين الاتفاق عليه ; لأنه ليس أهلا لفطرة نفسه فغيره أولى ، بل يجب على الزوجة فطرة نفسها إن كانت حرة ، وعلى سيدها إن كانت أمة . هذا هو المذهب فيهما .

وقيل : لا تجب على الحرة أيضا ، وقيل : لا تجب على السيد ، وسنوضحه قريبا إن شاء الله تعالى . وقال أصحابنا : ولو ملك السيد عبده مالا وقلنا : يملكه ، لم يجز له إخراج الفطرة منه عن زوجته استقلالا ; لأنه ملك ضعيف ، فإن أذن له السيد في ذلك فوجهان . الصحيح : لا يخرج ; لأنه ليس أهلا للوجوب ( والثاني ) : يخرج ; لأنه مالك مأذون له ، فعلى هذا قال إمام الحرمين وآخرون : ليس للسيد الرجوع عن الإذن بعد دخول الوقت ; لأن الاستحقاق إذا ثبت لا يندفع .

( فرع ) إذا أوصى برقبة عبد لرجل وبمنفعته لآخر ، ففي نفقته ثلاثة أوجه مشهورة سنوضحها في كتاب " الوصايا " إن شاء الله تعالى ( أصحها ) : تجب على مالك الرقبة ( والثاني ) : على مالك المنفعة ( والثالث ) : في كسبه ، فإن لم يكن ففي بيت المال ، وأما الفطرة ففيها طريقان حكاهما الرافعي في كتاب " الوصايا " ، أحدهما وبه قطع البغوي هناك والرافعي هنا : تجب على مالك الرقبة وجها واحدا ( وأصحهما ) ، وبه قطع السرخسي وآخرون هناك : أنها تابعة للنفقة فتجب على من يقول : تلزمه النفقة ، هكذا أطلقوه ومرادهم إذا قلنا بالوجهين الأولين ، أما إذا قلنا بالثالث : إنها في بيت المال فلا تجب ; لأن عبيد بيت المال [ ص: 76 ] لا تجب فطرتهم ، فهذا أولى ، فحصل من مجموع الخلاف أن الأصح وجوب فطرته على مالك الرقبة ، وهو مقتضى إطلاق الأصحاب ; لأن الفطرة تابعة للنفقة ، ونقل ابن المنذر هذا عن نص الشافعي ، فقال : قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي : تجب الفطرة على مالك الرقبة ، ونقله الماوردي والقاضي أبو الطيب في " المجرد " عن نصه في " الأم " " وحرملة " . والله أعلم .

( فرع ) عبيد بيت المال والموقوفون على مسجد ورباط ومدرسة ونحوها من الجهات العامة لا فطرة فيهم على المذهب ، وبه قطع الجمهور .

وحكى الرافعي وجها أنها تجب ، وأما الموقوف على إنسان معين أو جماعة معينين فقال الرافعي : المذهب أنه إن قلنا : الملك في رقبته للموقوف عليه فعليه فطرته ، وإن قلنا : لله تعالى فوجهان ( الصحيح ) : لا فطرة ( وقيل ) : لا فطرة مطلقا ، وبه قطع البغوي والحاصل للفتوى : أن الأصح لا فطرة .

( فرع ) عبيد التجارة تجب فطرتهم عندنا . وقال أبو حنيفة : لا تجب وسبقت المسألة في باب زكاة التجارة ، وبمذهبنا قال مالك وغيره ، وقال العبدري : وهو قول أكثر الفقهاء .

( فرع ) تجب فطرة العبد الذي في مال القراض عندنا . وبه قال مالك ، وقال أبو حنيفة : لا تجب .

( فرع ) إذا كان له عبيد يعملون في أرضه أو ماشيته لزمه فطرتهم ، هذا مذهبنا وحكاه ابن المنذر عن الجمهور ، قاله ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وطاوس وعطاء بن يسار والزهري ومالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور ، وحكى عبد الملك : أنه لا تجب فطرتهم .

( فرع ) ذكرنا أن مذهبنا : وجوب فطرة العبد المشترك على سيديه . وحكاه ابن المنذر عن مالك ومحمد بن سلمة وعبد الملك [ ص: 77 ] ومحمد بن الحسن وأبي ثور وإسحاق ، وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف : لا يجب على واحد منهما شيء . قال : وروي هذا عن الحسن وعكرمة ، قال : وبالأول أقول .

( فرع ) من نصفه حر ونصفه رقيق تجب على سيده نصف فطرته وعليه في كسبه بنصفه الحر نصف الفطرة ، هذا مذهبنا ، وبه قال أحمد ومالك .

وقال مالك : على مالكه نصف صاع ولا شيء على العبد . وقال عبد الملك : يجب جميع الصاع على سيده . وقال أبو حنيفة : لا شيء على واحد منهما . وقال أبو يوسف ومحمد : على العبد الفطرة عن نفسه .

( فرع ) قد ذكرنا أن على السيد فطرة عبده ، وسواء أكان له كسب أم لا ، هذا مذهبنا وبه قال المسلمون كافة إلا داود الظاهري فقال : لا تجب على السيد ، بل تجب على العبد ، ويلزم السيد تمكينه من الكسب لها . وهذا باطل مردود عليه بالإجماع ، فقد نقل ابن المنذر وغيره إجماع المسلمين على وجوبها على السيد .

( فرع ) ذكرنا أن على الأب وسائر الوالدين فطرة ولده وإن سفل ، وعلى الولد فطرة والده وإن علا بشرط أن تكون نفقته واجبة عليه ، فإن لم تكن نفقته واجبة عليه لم يلزمه فطرته ، فإذا كان الطفل موسرا كانت نفقته وفطرته في ماله لا على أبيه ولا جده ، وبه قال أبو حنيفة ومحمد وأحمد وإسحاق .

وحكى ابن المنذر عن بعض العلماء : أنها على الأب فإن أخرجها من مال الصبي عصى وضمنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية