صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ومن وجبت فطرته على غيره فهل يجب ذلك على المؤدي ابتداء ؟ أو يجب على المؤدى عنه ثم يتحمل المؤدي ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) : تجب على المؤدي ابتداء ; لأنها تجب في ماله ( والثاني ) : تجب على المؤدى عنه ; لأنها تجب لتطهيره ، فإن تطوع المؤدى عنه وأخرج بغير إذن المؤدي ففيه وجهان ، إن قلنا : إنها تجب على المؤدي ابتداء ، لم تجزئه ، كما لو أخرج زكاة ماله عنه بغير إذنه ، ( وإن قلنا ) : يتحمل جاز ; لأنه أخرج ما وجب عليه ، وإن كان من يمونه مسلما وهو كافر فعلى الوجهين ( إن قلنا ) : إنها تجب عليه ابتداء ، لم تجب ; لأنه إيجاب زكاة على كافر وإن قلنا : إنه يتحمل ، وجب عليه ; لأن الفطرة وجبت على مسلم وإنما هو متحمل ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : الفطرة الواجبة على الشخص بسبب [ ص: 81 ] غيره فيها خلاف ، قال المصنف والأكثرون : هو وجهان . وقال القاضي أبو الطيب في " المجرد " والبغوي والسرخسي وآخرون : هو قولان ، وقال إمام الحرمين وآخرون : هو قولان مستنبطان من كلام الشافعي رضي الله عنه في فطرة الزوجة الحرة والأمة إذا كان الزوج معسرا .

( أحدهما ) : تجب على المؤدي ابتداء ولا يلاقي الوجوب المؤدى عنه ( وأصحهما ) عند الأصحاب : تجب على المؤدى عنه ثم يتحملها المؤدي ، قال السرخسي في " الأمالي " : هذا هو المنصوص للشافعي في عامة كتبه ; لأنها شرعت طهرة له ، ثم إن المصنف والجمهور أطلقوا الخلاف وطردوه في كل مؤد عن زوج وسيد وقريب ، وقال إمام الحرمين : وقال طوائف من المحققين : هذا الخلاف إنما هو في فطرة الزوجة فقط ، ( فأما ) فطرة المملوك والقريب فتجب على المؤدي ابتداء بلا خلاف ; لأن المؤدى عنه لا يصلح للإيجاب ، واختار إمام الحرمين هذه الطريقة ، وقال : طرد الخلاف في الجميع بعيد والمشهور في المذهب : طرده في جميعهم . قال الرافعي : وحيث قلنا بالتحمل فهل هو كالضمان أم كالحوالة ؟ فيه قولان حكاهما أبو العباس الروياني في " المسائل الجرجانيات " وهذا الذي نقله الروياني والرافعي غريب .

والصحيح الذي يقتضيه المذهب وكلام الشافعي والأصحاب : أنه كالحوالة ، بمعنى أنه لازم للمؤدي لا يسقط عنه بعد وجوبه ، ولا مطالبة على المؤدى عنه . ووجه القول بالضمان - وبه جزم السرخسي - : أنه لو أداها المتحمل عنه بغير إذن المؤدي أجزأه على هذا القول وسقطت على المؤدي . ولولا أنه كالمضمون عنه لما أجزأه ، والله أعلم .

وفرع الأصحاب على الخلاف في التحمل وعدمه مسائل : ( إحداها ) : لو كان للكافر عبد أو مستولدة أو قريب مسلمون فهل عليه فطرتهم ؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف ( أصحهما ) [ ص: 82 ] عند الأصحاب : الوجوب بناء على أنها على المؤدى عنه ، ثم يتحملها المؤدي ، ( وإن قلنا ) : على المؤدى عنه ابتداء لم يجب هنا . قال إمام الحرمين : فإن أوجبناها ، فلا صائر إلى أن المؤدى عنه يحتاج إلى النية .

( الثانية ) : إذا لزمه نفقة قريب أو زوجة أو مملوك فأداها لم يفتقر إلى إذن المؤدى عنه بلا خلاف ، ولو أداها القريب باستقراض أو غيره أو أدتها الزوجة ، فإن كان بإذن من لزمته أجزأ بلا خلاف ، كما لو قال لأجنبي : أد فطرتي أو زكاة مالي فأداها ، فإنه يجزئ بلا خلاف ، وإن كان بغير إذنه فثلاث طرق ( أصحها ) وأشهرها وبه قطع المصنف والجمهور : أنه مبني على التحمل - إن قلنا بالتحمل - أجزأ وإلا فلا ، ووجههما : ما ذكره المصنف والصحيح الإجزاء ، هو نص الشافعي في " المختصر " وهو مقتضى البناء المذكور .

( والطريق الثاني ) حكاه السرخسي عن أبي علي السنجي : أنه لا يجزئ سواء قلنا بالتحمل أم لا ، إلا بإذن الزوج قال : لأن له الإخراج بغير إذن الزوجة والقريب بلا خلاف ، قال السرخسي : هذا خلاف النص . قال : والصحيح الإجزاء ; لأن الزوج على هذا القول كالضامن ، والمرأة في معنى المضمون عنه ، وكل واحد منهما له الأداء بغير إذن الآخر .

( والطريق الثالث ) وبه قطع الماوردي : أن إخراج القريب يجزئ بلا خلاف سواء استأذن أم لا ، وأما الزوجة فإن استأذنت أجزأ وإلا فوجهان .

( الثالثة ) : إذا دخل وقت الوجوب وله أب معسر وعليه نفقته فأيسر الأب قبل أن يخرج الابن الفطرة قال البغوي : إن قلنا : الوجوب يلاقي الأب لزمه فطرة نفسه ولا يجب على الابن ، وإلا فعلى الابن دون الأب .

( الرابعة ) : إذا تزوج معسر بموسرة أو تزوج الموسرة عبد أو تزوج الأمة معسر فهل على الموسرة وسيد الأمة فطرتها ؟ فيه خلاف مبني على التحمل ، وقد ذكره المصنف بعد هذا ، وسنوضحه إن شاء الله تعالى . [ ص: 83 ] الخامسة ) : إذا كان له أب معسر له زوجة ، فإن قلنا بالتحمل لزم الابن فطرتها كفطرة الأب وإلا فلا ; لأنها لا تجب على الأب فالابن أولى ، وممن ذكر المسألة السرخسي .

فرع فيما يدخله التحمل . ذكر إمام الحرمين منه هنا أربع صور ( إحداها ) : أداء الزكاة صرفا إلى الغارم قال : وهذا تحمل حقيقي وارد على وجوب مستقر .

( الثانية ) : تحمل الدية عن القاتل ، وهل تجب على العاقلة ابتداء ؟ أم على الجاني ثم تحملها العاقلة ؟ فيه خلاف مشهور .

( الثالثة ) : الفطرة وفيها الخلاف الذي ذكرناه ( الرابعة ) : كفارة جماعه زوجته في نهار رمضان - إذا قلنا بالمذهب : إنه يجب عليه كفارة واحدة - فهل هي عنه أو عنه وعنها فيه القولان المشهوران .

التالي السابق


الخدمات العلمية