صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن ملك مائتي شاة فعجل عنها وعما يتوالد من سخالها أربع شياه ، فتوالدت وصارت أربعمائة أجزأه زكاة المائتين وفي زكاة السخال وجهان : ( أحدهما ) لا يجوز ; لأنه تقديم زكاة على النصاب .

( والثاني ) يجوز ; لأن السخال جعلت كالموجودة في الحول في وجوب زكاتها فجعلت كالموجودة في تعجيل زكاتها ، وإن ملك أربعين شاة فعجل عنها شاة ، ثم توالدت أربعين سخلة وماتت الأمهات وبقيت السخال فهل يجزئه ما أخرج عن الأمهات من زكاة السخال ؟ فيه وجهان : ( أحدهما ) لا يجزئه ; لأنه عجل الزكاة عن غير السخال ، فلا يجزئه عن زكاة السخال .

( والثاني ) يجزئه ; لأنه لما كان حول الأمهات حول السخال كانت زكاة الأمهات زكاة السخال ، وإن اشترى بمائتي درهم عرضا للتجارة فأخرج منها زكاة أربعمائة درهم ثم حال الحول - والعرض يساوي أربعمائة - [ ص: 116 ] أجزأه ; لأن الاعتبار في زكاة التجارة بآخر الحول ، والدليل عليه أنه لو ملك سلعة تساوي مائة فحال الحول - وهي تساوي مائتين - وجبت فيها الزكاة ، وإن ملك مائة وعشرين شاة ، فعجل عنها شاة ثم نتجت شاة سخلة قبل الحول ، لزمته شاة أخرى . وكذلك لو ملك مائتي شاة فأخرج شاتين ، ثم نتجت شاة سخلة أخرى قبل الحول ، لزمته شاة أخرى ; لأن المخرج كالباقي على ملكه ، ولهذا يسقط به الفرض عن الحول ، فجعل كالباقي على ملكه في إيجاب الفرض ) .


( الشرح ) قوله : الأمهات ، هذه إحدى اللغتين فيها ، والأصح والأشهر الأمات بحذف الهاء ، وفي الآدميات الأمهات بالهاء أفصح ، وقد سبق بيان هذا في أوائل كتاب الزكاة ، ( وقوله ) : ملك سلعة تساوي مائة أي ملكها للتجارة وقوله : ( نتجت ) ، هو بضم النون وكسر التاء أي ولدت ، وقوله : ( سخلة ) منصوب مفعول ثان لنتجت .

( أما أحكام الفصل ) فقال أصحابنا : إذا ملك نصابا فعجل زكاة نصابين ، فإن كان ذلك في التجارة بأن اشترى عرضا للتجارة بمائتين فعجل زكاة أربعمائة فحال الحول وهو يساوي أربعمائة أجزأه عن زكاة الجميع ، هذا هو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور ، وقيل في المائتين الزائدتين الوجهان كمسألة السخال ، حكاه الدارمي والرافعي وغيرهما . وإن كانت زكاة عين بأن ملك مائتي درهم وتوقع حصول مائتين أيضا من جهة أخرى فعجل زكاة أربعمائة فحصل له المائتان الأخريان لم يجزئه ما أخرجه عن الحادث بلا خلاف ، وإن توقع النصاب الثاني من نفس الذي عنده بأن ملك مائة وعشرين شاة ، فعجل شاتين ، ثم حدثت سخلة أو ملك مائتي شاة فعجل أربعا فتوالدت وبلغت أربعمائة ، أو عجل شاتين وله خمس من الإبل فتوالدت وبلغت عشرا فهل يجزئه ما أخرج عن النصاب الذي كمل الآن ؟ فيه وجهان مشهوران ذكر المصنف دليلهما . قال الرافعي ( أصحهما ) عند الأكثرين من العراقيين وغيرهم لا يجزئه .

ولو عجل شاة عن أربعين فهلكت الأمات بعد أن ولدت أربعين سخلة فهل يجزئه ما أخرج من السخال ؟ فيه وجهان ، وذكر المصنف دليلهما ( والأصح ) في الجميع المنع وجمع الدارمي في مسألتي الربح [ ص: 117 ] والنتاج أربعة أوجه : ( أحدها ) جواز تعجيل زكاة النصاب الثاني فيهما .

( والثاني ) المنع .

( والثالث ) يجوز في الربح دون النتاج .

( والرابع ) عكسه . قال صاحب البيان : ولو عجل شاة عن خمسة أبعرة فهلكت الأبعرة قبل الحول وعنده أربعون شاة فأراد أن يجعل الشاة المعجلة عنها فقد أومأ ابن الصباغ فيه إلى وجهين ، ( قلت ) : الصواب أنها لا تجزئ . قال الماوردي : إذا ملك عرضا بمائتي درهم ، فعجل زكاة ألف عنها وعن ربحها فباعها عن الحول بألف أجزأه المعجل عن الألف . قال : فإن باعها في أثناء الحول بألف - فإن قلنا : يستأنف للربح حولا ، لم يجزئه التعجيل عن الربح ; لأنه ليس بتابع الأصل .

( وإن قلنا ) : يبني على حول الأصل ، أجزأه المعجل عن الجميع ; لأنه تبع . قال : ولو ملك ألفا فعجل زكاته فتلف ثم ملك ألفا آخر ، لم يجزئه المعجل عن زكاة الألف الثاني ; لأنه تعجيل قبل الملك ، ولو كان له ألفان متميزان فعجل زكاة ألف ثم تلف أحد الألفين ، أجزأه المعجل عن زكاة الألف الآخر ; لأنه موجود حال التعجيل . والله أعلم .

أما إذا ملك مائة وعشرين شاة فعجل عنها شاة ، ثم ولدت شاة منها قبل الحول ، أو ملك مائتي شاة فعجل شاتين عنها ، ثم ولدت شاة منها قبل الحول فيلزمه شاة أخرى بلا خلاف عندنا ; لما ذكره المصنف ، وقال أبو حنيفة : لا يلزمه شاة أخرى ، والخلاف بيننا وبينه مبني على أصل وهو أن عندنا المعجل كالباقي على ملك الدافع في شيئين : ( أحدهما ) في إجزائه عند انقضاء الحول . ( والثاني ) في ضمه على المال وتكميل النصاب به ، وعند أبي حنيفة ليس له حكم الباقي على ملكه . قال أصحابنا : فلو كانت المعجلة معلوفة في هاتين الصورتين ، أو كان المالك اشتراها وأخرجها ، وليست من نفس النصاب لم يجب شاة أخرى ; لأن المعلوفة والمشتراة لا يتم بهما النصاب . وإن جاز إخراجهما عن الزكاة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية