صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن عجل الزكاة ودفعها إلى فقير فمات الفقير أو ارتد قبل الحول لم يجزئه المدفوع عن الزكاة وعليه أن يخرج الزكاة ثانيا . فإن لم يبين عند الدفع أنها زكاة معجلة لم يرجع . وإن بين رجع . واذا رجع فيما دفع نظرت ، فإن كان من الذهب أو الفضة واذا ضمه إلى ما عنده بلغ النصاب - وجبت فيه الزكاة ; لأنه قبل أن يموت الفقير كان كالباقي على [ حكم ] ملكه . ولهذا لو عجله عن النصاب سقط به الفرض عند الحول . فلو لم يكن كالباقي على حكم ملكه لم يسقط به الفرض . وقد نقص المال عن النصاب ; ولأنه لما مات صار كالدين في ذمته . والذهب والفضة إذا صار دينا لم ينقطع الحول فيه . فيضم إلى ما عنده [ وزكاه ] وإن كان الذي عجل شاة ففيه وجهان : ( أحدهما ) يضم إلى ما عنده كما يضم الذهب والفضة .

( والثاني ) لا يضم ; لأنه لما مات صار كالدين . والحيوان إذا كان دينا لا تجب فيه الزكاة . وإن عجل الزكاة ودفعها إلى فقير فاستغنى قبل الحول نظرت ، فإن استغنى بما دفع إليه أجزاه ; لأنه دفع إليه ليستغني به . فلا يجوز أن يكون غناه به مانعا من الإجزاء ; ولأنه زال شرط الزكاة من جهة الزكاة فلا يمنع الإجزاء . كما لو كان عنده نصاب فعجل عنه شاة . فإن المال قد نقص عن النصاب . ولم يمنع الإجزاء عن الزكاة . وإن استغنى من غيره لم يجزه عن الزكاة . وعليه أن يخرج الزكاة ثانيا . وهل يرجع ؟ على ما بيناه .

وإن دفع إلى فقير ثم استغنى ثم افتقر قبل الحول وحال الحول وهو فقير ففيه وجهان : ( أحدهما ) لا يجزئه . كما لو عجل زكاة ماله ثم تلف ماله . ثم استفاد غيره قبل الحول .

( والثاني ) أنه لا يجزئه ; لأنه دفع إليه وهو فقير . وحال الحول عليه وهو فقير ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : شرط كون المعجل زكاة مجزئا بقاء القابض بصفة الاستحقاق إلى آخر الحول ، فلو ارتد أو مات أو استغنى بغير [ ص: 125 ] المال المعجل قبل الحول لم يحسب عن الزكاة بلا خلاف ، وإن استغنى بالمدفوع من الزكوات أو به وبغيره لم يضر . ويجزئه المعجل بلا خلاف . قال القاضي أبو الطيب في المجرد : قال أبو إسحاق : وهكذا لو تصرف في المدفوع فاستغنى بربحه ونمائه أجزأ بلا خلاف ; لأنا دفعنا إليه ليفعل ذلك ويستغني به . قال أصحابنا : فإن عرض مانع في أثناء الحول ثم زال في أثنائه ، وصار عند تمام الحول بصفة الاستحقاق أجزأ المعجل على أصح الوجهين ; لأنه من أهل الزكاة في الطرفين ، وممن صححه القاضي أبو الطيب والرافعي . ويشترط في الدافع بقاؤه إلى آخر الحول بصفة من تلزمه الزكاة ، فلو ارتد وقلنا : الردة تمنع وجوب الزكاة أو مات أو تلف كل ماله أو نقص هو والمعجل عن النصاب أو باعه ، لم يكن المعجل زكاة ، وإن أبقينا ملك المرتد وجوزنا إخراج الزكاة في حال الردة أجزأه المعجل ، وقد سبق في إجزائها في حال الردة خلاف في أول كتاب الزكاة ، وهل يحسب في صورة الموت عن زكاة الوارث ؟ قال الأصحاب : إن قلنا الوارث يبني على حول الموروث أجزأه وإلا فلا ، على أصح الوجهين ، وبه قطع السرخسي وآخرون ; لأنه تعجيل قبل ملك النصاب .

( والثاني ) يجزئه ; لأنه قائم مقامه ، وذكر البندنيجي وصاحب البيان أن هذا هو المنصوص قالا : ومن قال بالأول حمل النص على أنه تفريع على القديم .

( فإن قلنا ) : يحسب فتعددت الورثة حكم بالخلطة إن كان المال ماشية أو غير ماشية ، وقلنا بثبوت الخلطة في غيرها ، فأما إن قلنا : لا تثبت ونقص نصيب كل واحد عن النصاب ، أو اقتسموا ونقص نصيب كل واحد عن النصاب فينقطع الحول ولا تجب الزكاة على الصحيح ، وفيه وجه ضعيف أنهم يصيرون كشخص واحد . قال أصحابنا : والمعجل مضموم إلى ما عند الدافع ، نازل منزلة ما لو كان في يده فلو عجل شاة من أربعين ثم حال الحول ولم يطرأ مانع أجزأه ما عجل ، وكانت تلك الشاة بمنزلة الباقيات عنده ، في شيئين : في إتمام النصاب بها وفي إجزائها ، [ ص: 126 ] وسواء كانت باقية في يد الفقير أو تالفة ، ثم إن تم الحول بعد التعجيل والمال على حاله أجزأه كما ذكرناه ، وفي تقديره إذا كان الباقي دون النصاب بأن أخرج شاة من أربعين وجهان ( الصحيح ) الذي قطع به الأصحاب أن المعجل كالباقي على ملكه حتى يكمل به النصاب ويجزئ . وليس بباق في ملكه حقيقة ، وقال صاحب التقريب : يقدر كأن الملك لم يزل لينقضي الحول وفي ملكه نصاب ، واستبعد إمام الحرمين هذا ، وقال : تصرف القابض نافذ بالبيع والهبة وغيرهما ، فكيف يقال ببقاء ملك الدافع ؟ ، قال الرافعي : وهذا الاستبعاد صحيح إن أراد صاحب التقريب بقاء ملكه حقيقة ، وإن أراد ما قاله فقوله صواب .

( وأما ) إذا طرأ مانع من كون المعجل زكاة فينظر ، إن كان الدافع أهلا للوجوب وبقي في يده نصاب - لزمه الإخراج ثانيا ، وإن كان دون نصاب فحيث لا يثبت الاسترداد أو يثبت ولا يبلغ الباقي مع المسترد نصابا لا زكاة بلا خلاف وكأنه تطوع بشاة قبل الحول . وحيث ثبت الاسترداد فاسترد وتم بالمسترد النصاب ، فيه ثلاثة أوجه مشهورة في كتب العراقيين والسرخسي وغيرهم .

( أحدها ) يستأنف الحول ولا زكاة للماضي ، لنقص ملكه عن النصاب ، ( والثاني ) إن كان ماله نقدا زكاه ; لما مضى . وإن كان ماشية فلا ; لأن السوم شرط في زكاة الماشية ، وذلك لا يتصور في حيوان في الذمة ، ( وأصحها ) عندهم تجب الزكاة لما مضى مطلقا ; لأن المدفوع كالباقي على ملكه ، وبهذا قطع البغوي بل لفظه يقتضي وجوب الإخراج ثانيا قبل الاسترداد - إذا كان المخرج بعينه باقيا في يد القابض . وقال صاحب التقريب : إذا استرد وقلنا : كأن ملكه زال ، لم يلزمه زكاة الماضي .

( وإن قلنا ) : يتبين أن ملكه لم يزل ، لزمه زكاة الماضي ، قال إمام الحرمين : وعلى هذا التقدير الثاني الشاة المقبوضة حصلت الحيلولة بين المالك وبينهما ، فيجيء فيها الخلاف في المغصوب والمجحود . قال الرافعي : وكلام العراقيين يشعر بجريان الأوجه الثلاثة مع تسليم زوال الملك عن المعجل ، قال : وكيف كان ، فالأصح عند الجمهور وجوب الزكاة للماضي قال البغوي : فلو عجل من ألف شاة عشرا فتلف ماله قبل الحول إلا ثلاثمائة وتسعين ، وكانت العشرة باقية [ ص: 127 ] في يد القابض ، ضمت إلى ما عنده حيث ثبت الاسترداد . فيصير المال أربعمائة . وواجبه أربعة شياه فيحسب أربعا عن الزكاة . ويسترد ستا إن كان القابض بصفة الاستحقاق ، وإلا فيسترد العشر ويخرج أربعا هذا كله إذا كان المدفوع باقيا في يد القابض ، أما إذا كان المدفوع تالفا في يد القابض .

فإن كان الباقي في يد المالك نصابا لزمته الزكاة لحوله بلا خلاف . وإلا فقد صار الضمان دينا في ذمته ، فإن أوجبنا تجديد الزكاة إذا كان باقيا جاء هنا قولا وجوب الزكاة في الدين ( الأصح ) الوجوب ، هذا إن كان المزكى نقدا ، فإن كان ماشية لم تجب الزكاة بحال ; لأن الواجب على القابض القيمة ، فلا يكمل بها نصاب الماشية ، وقال أبو إسحاق المروزي : تقام القيمة مقام العين هنا ، نظرا للمساكين ، والصحيح الأول ، وبه قطع الأكثرون . والله أعلم .

( فرع ) لو كان المدفوع إليه الزكاة المعجلة يوم الدفع غنيا ، ويوم الوجوب فقيرا ، لم تقع عن الزكاة بلا خلاف ، نقل الاتفاق عليه البندنيجي وغيره .

( فرع ) : لو عجل بنت مخاض عن خمس وعشرين بعيرا فبلغت بالتوالد ستا وثلاثين قبل الحول لم يجزئه بنت المخاض المعجلة ، وإن كانت قد صارت بنت لبون في يد القابض بل يستردها ويخرجها ثانيا أو بنت لبون أخرى وهكذا ذكروه ، وذكره البغوي ثم قال لنفسه : فإن كان المخرج تالفا والنتاج لم يزد على أحد عشر ، لم تكن إبله ستا وثلاثين إلا بالمخرج ، ينبغي ألا تجب بنت لبون ; لأنا إنما نجعل المخرج كالباقي في يد الدافع إذا حسبناه ، أما إذا لم يقع محسوبا عنها فلا ، بل هو كهلاك بعض المال قبل الحول ، قال الرافعي : الوجه الثالث السابق عن العراقيين وصححوه ينازع في هذا .

( فرع ) : لو عجل الزكاة فمات المدفوع إليه قبل الحول قفد سبق أنه لا يقع المدفوع زكاة ، ويسترد من تركة الميت ، وتجب الزكاة ثانيا على المالك إن بقي معه نصاب ، وكذا إن تم نصابا بالمرجوع به على الخلاف السابق ، هذا إذا كان الميت موسرا فلو مات معسرا لا شيء له ، ففيه ثلاثة أوجه حكاها السرخسي : ( أحدها ) وهو القياس [ ص: 128 ] الذي يقتضيه كلام الجمهور أنه يلزم المالك دفع الزكاة ثانيا إلى المستحقين ; لأن القابض ليس من أهل الزكاة وقت الوجوب .

( والثاني ) يجزئه هذا المعجل هنا للمصلحة مراعاة لمصلحة التعجيل والرفق بالمساكين ، فلو لم نقل بالإجزاء نفر الناس عن التعجيل خوفا من هذا .

( والثالث ) أن الإمام يغرم للمالك من بيت المال قدر المدفوع ، ويلزم المالك إخراج الزكاة جمعا بين المصلحتين والدليلين .

التالي السابق


الخدمات العلمية