صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وسهم للغارمين وهم ضربان : ضرب غرم لإصلاح ذات البين ، ضرب غرم لمصلحة نفسه ، فأما الأول فضربان ( أحدهما ) من تحمل دية مقتول فيعطى مع الفقر والغنى ; لقوله صلى الله عليه وسلم { لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله ، أو لعامل عليها ، أو لغارم ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين إليه } ( والثاني ) من حمل مالا في غير قتل لتسكين فتنة ، ففيه وجهان : ( أحدهما ) يعطى مع الغنى ; لأنه غرم لإصلاح ذات البين ، فأشبه إذا غرم دية مقتول .

( والثاني ) لا يعطى مع الغنى ; لأنه مال حمله في غير قتل ، فأشبه إذا ضمن ثمنا في بيع . وأما من غرم لمصلحة نفسه ، فإن كان قد أنفق في غير معصية ، دفع إليه مع الفقر ، وهل يعطى مع الغنى ؟ فيه قولان . قال في الأم : لا يعطى ; لأنه يأخذ لحاجته إلينا ، فلم يعط مع الغنى كغير الغارم . وقال في القديم والصدقات من الأم : يعطى ; لأنه في غير معصية ، فأشبه إذا غرم لإصلاح ذات البين فإن غرم في معصية لم يعط مع الغنى ، وهل يعطى مع الفقر ؟ ينظر فيه ، فإن كان مقيما على المعصية لم يعط ; لأنه يستعين به على المعصية وإن تاب ففيه وجهان : ( أحدهما ) [ ص: 191 ] يعطى ; لأن المعصية قد زالت ( والثاني ) لا يعطى ; لأنه لا يؤمن أن يرجع إلى المعصية ، ولا يعطى الغارم إلا ما يقضي به الدين ، فإن أخذ ولم يقض به الدين أو أبرئ منه أو قضى قبل تسليم المال أو استرجع منه ، وإن ادعى أنه غارم لم يقبل إلا ببينة ، فإن صدقه غريمه فعلى الوجهين كما ذكرنا في المكاتب إذا ادعى الكتابة وصدقه المولى ) .


( الشرح ) هذا الحديث حسن أو صحيح رواه أبو داود من طريقين ( أحدهما ) عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ( والثاني ) عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وإسناده جيد في الطريقين ، وجمع البيهقي طرقه وفيها أن مالكا وابن عيينة أرسلاه ، وأن معمرا والثوري وصلاه وهما من جملة الحفاظ المعتمدين ، وقد تقررت القاعدة المعروفة لأهل الحديث والأصول أن الحديث إذا روي متصلا ومرسلا كان الحكم للاتصال على المذهب الصحيح ، وقدمنا أيضا عن الشافعي رضي الله عنه أنه يحتج بالمرسل إذا اعتضد بأحد أربعة أمور : ( إما ) حديث مسند ( وإما ) مرسل من طريق آخر ( وإما ) قول صحابي ( وإما ) قول أكثر العلماء ، وهذا قد وجد فيه أكثر ، فقد روي مسندا وقال به العلماء من الصحابة وغيرهم .

( وأما ) الغارم فهو الذي عليه دين ، والغريم يطلق على المدين وعلى صاحب الدين ، وأصل الغرم في اللغة اللزوم ، ومنه قوله سبحانه وتعالى { إن عذابها كان غراما } وسمي كل واحد منهما غريما لملازمته صاحبه . وقوله : لإصلاح ذات البين ، وقال الأزهري : معناه لإصلاح حالة الوصل بعد المباينة ، قال : والبين يكون فرقة ويكون وصلا وهو هنا وصل ، ومنه قوله سبحانه وتعالى { لقد تقطع بينكم } أي وصلكم ، وقولهم في الدعاء : اللهم أصلح ذات البين أي أصلح الحال التي بها تجتمع المسلمون .

( أما أحكام الفصل ) فقال الشافعي والأصحاب : الغارمون ضربان ( الضرب الأول ) من غرم لإصلاح ذات البين ، ومعناه أن [ ص: 192 ] يستدين مالا ويصرفه في إصلاح ذات البين ، بأن يخاف فتنة بين قبيلتين أو طائفتين ، أو شخصين ، فيستدين مالا ويصرفه في تسكين تلك الفتنة ، فينظر إن كان ذلك في دم تنازع فيه قبيلتان أو غيرهما ، ولم يظهر القاتل أو نحو ، ذلك وبقي الدين في ذمته فهذا يصرف إليه من سهم الغارمين من الزكاة ، سواء كان غنيا أو فقيرا ، ولا فرق بين غناه بالنقد والعقار وغيرهما ، وهذا هو المذهب ، وبه قطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين . وقال أكثر الخراسانيين : إن كان فقيرا دفع إليه ، وكذا إن كان غنيا بالعقار بلا خلاف ، فإن كان غنيا بنقد ، ففيه عندهم وجهان ( الصحيح ) يعطى ( والثاني ) لا يعطى إلا مع الفقر ، ولو كان غنيا بالعروض غير العقار فهو كالغني بالعقار على المذهب ، وقيل : كالنقد ، ذكره السرخسي في الأمالي . وإن استدان لإصلاح ذات البين في غير دم ، بأن تحمل قيمة مال متلف فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب ( أصحهما ) عند المصنف في التنبيه والأصحاب : يعطى مع الغنى ; لأنه غارم لإصلاح ذات البين فأشبه بالدم .

( والثاني ) لا يعطى إلا مع الفقر ; لأنه غرم في غير قتل فأشبه الغارم لنفسه ، وقاسه المصنف على ما لو ضمن مالا ، وهذا فيه تفصيل طويل سأذكره في المسائل المنثورة قريبا إن شاء الله تعالى في فصل الغارمين . قال أصحابنا : إنما يعطى الغارم لإصلاح ذات البين ما دام الدين باقيا عليه ، سواء كان الدين لمن استدانه منه ، ودفعه في الإصلاح ، أو كان قد تحمل الدية مثلا لأهل القتيل ولم يؤدها بعد ، فيدفع إليه ما يؤديه في دينه ، أو إلى ولي القتيل فلو كان قضاه من ماله أو أداه ابتداء من ماله لم يعط بلا خلاف ; لأنه ليس بغارم إذ لا شيء عليه .

( الضرب الثاني ) من غرم لصلاح نفسه وعياله ، فإن استدان ما أنفقه على نفسه أو عياله في غير معصية ، أو أتلف شيئا على غيره سهوا ، فهذا يعطى ما يقضي به دينه بشروط : ( أحدها ) أن يكون محتاجا إلى ما يقضي به الدين ، فلو كان غنيا قادرا بنقد أو عرض على ما يقضي به فقولان مشهوران ، ذكرهما [ ص: 193 ] المصنف والأصحاب أحدهما ونقله المصنف والأصحاب عن نصه في القديم والصدقات من الأم أنه يعطى مع الغنى ، لأنه غارم فأشبه الغارم لذات البين ( وأصحهما ) عند الأصحاب وهو نصه في الأم أيضا أنه لا يعطى كما لا يعطى المكاتب وابن السبيل مع الغنى بخلاف الغارم لذات البين ، فإن مصلحته عامة ، فعلى هذا لو وجد ما يقضي به بعض الدين قال أصحابنا : يعطى ما يقضي به الباقي فقط . فلو لم يملك شيئا وقدر على قضائه بالاكتساب فوجهان ( أحدهما ) لا يعطى كالفقير ( والصحيح ) وبه قطع الجمهور أنه يعطى ; لأنه لا يمكنه قضاؤه إلا بعد زمان وقد يعرض ما يمنعه من القضاء بخلاف الفقير ، فإنه يحصل حاجته بالكسب في الحال ، وما معنى الحاجة المذكورة ؟ قال الرافعي : عبارة الأكثرين تقتضي كونه فقيرا لا يملك شيئا ، وربما صرحوا به ، قال : وفي بعض شروح المفتاح أنه لا يعتبر المسكن والملبس والفراش والآنية ، وكذا الخادم والمركوب إن اقتضاهما حاله ، بل يقضي دينه وإن ملكها قال : وقال بعض المتأخرين : لا يعتبر الفقر والمسكنة هنا ، بل لو ملك قدر كفاية وكان لو قضى دينه مما معه لنقص ماله عن كفايته ، ترك له ما يكفيه ، وأعطي ما يقضي به الباقي .

قال الرافعي : وهذا أقرب . ( الشرط الثاني ) أنه يكون دينه لطاعة أو مباح ، فإن كان في معصية كالخمر ونحوه ، وكالإسراف في النفقة لم يعط قبل التوبة ، هذا هو المذهب ، وبه قطع المصنف والجمهور ، وفيه وجه شاذ حكاه الحناطي والرافعي أنه يعطى ; لأنه غارم والصواب الأول ; لأنه في إعطائه إعانة له على المعصية ، وهو متمكن من الأخذ بالتوبة ، فإن تاب فهل يعطى ؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب ( أصحهما ) عند صاحبي الشامل والتهذيب لا يعطى ، وبه قال أبو علي بن أبي هريرة ; لأن في إعطائه إعانة له ولغيره على المعصية ( وأصحهما ) عند الأكثرين يعطى ، وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وبه قطع أبو علي الطبري في الإفصاح والجرجاني في التحرير ، وصححه المحاملي في المقنع ، وأبو خلف السلمي ، والمصنف في التنبيه والروياني وغيرهم وهو الصحيح المختار ; لقول الله سبحانه وتعالى { والغارمين } ; ولأن التوبة تجب [ ص: 194 ] ما قبلها . قال الرافعي : ولم يتعرض الأصحاب هنا لاستبراء حاله ومضي مدة بعد توبته يظهر فيها صلاح الحال إلا أن الروياني قال : يعطى على أصح الوجهين إذا غاب على الظن صدقه في توبته فيمكن أن يحمل عليه ، هذا كلام الرافعي ، والظاهر ما قاله الروياني : إنه إذا غلب على الظن صدقه في توبته أعطي ، وإن قصرت المدة ، والله تعالى أعلم .

( الشرط الثالث ) أن يكون الدين حالا ، فإن كان مؤجلا ففي إعطائه ثلاثة أوجه : ( أصحها ) لا يعطى . وبه قطع صاحب البيان ; لأنه غير محتاج إليه الآن ( والثاني ) يعطى ; لأنه يسمى غارما .

( والثالث ) حكاه الرافعي أنه إن كان الأجل يحل تلك السنة أعطي وإلا فلا يعطى من صدقات تلك السنة . قال الرافعي : والوجهان هنا كالوجهين في المكاتب إذا لم يحل عليه النجم هل يعطى ؟ قال : وقد يترتب هذا الخلاف على ذلك الخلاف ثم تارة يجعل الغارم أولى بأن يعطى ; لأن ما عليه مستقر بخلاف المكاتب ، وتارة يجعل المكاتب أولى بأن يعطى ; لأن له التعجيل لغرض الحرية ( قلت ) : وجمع الدارمي مسألتي المؤجل في الغارم والمكاتب . وذكر فيهما أربعة أوجه : ( أحدها ) يعطيان في الحال ( والثاني ) لا ( والثالث ) يعطى المكاتب لا الغارم ( والرابع ) عكسه ، والله تعالى أعلم .

( فرع ) قال أصحابنا : إنما يعطى الغارم ما دام الدين عليه فإن وفاه أو برئ منه لم يعط بسببه . وإنما يعطى قدر حاجته . فإن أعطي شيئا فلم يقض الدين منه بل أبرئ منه أو قضي عنه أو قضاه هو ، لا من مال الزكاة بل من مال غيره فطريقان ( أحدهما ) وبه قطع المصنف وآخرون أنه يسترجع منه لاستغنائه عنه ( والثاني ) حكاه الرافعي وغيره أنه على الخلاف السابق في المكاتب إذا قضي عنه الدين أو أبرئ منه . ولو أعطي شيئا من الزكاة فقضى الدين ببعضه ، ففي الباقي الطريقان ، والله تعالى أعلم . قال ابن كج في التجريد : لو تحمل دية قتيل فأعطيناه فبان القاتل وضمن الدية استرد من الغارم القابض ما أخذ وصرف إلى غارم آخر . فإن كان قد سلمها إلى مستحق الدين لم يرجع عليه ، ولا يطالب القاتل بالدية ; لأنها سقطت عنه بالدفع . قال : فإن تطوع بأدائها [ ص: 195 ] أخذت وجعلت في بيت المال ، ولو أعطيناه ليدفع إلى أولياء القتيل فأبرءوا الناس قبل قبضهم منه استرد منه .

( فرع ) إذا ادعى أنه غارم لم يقبل قوله إلا ببينة ، وسبق في فصل المكاتب بيان هذه البينة ، ولو صدقه غريمه ففي قبوله الوجهان السابقان في تصديق السيد المكاتب في الكتابة . هكذا قاله المصنف وجميع الأصحاب ، والأصح قبول تصديق السيد والغريم . هكذا صححه الجمهور وخالفهم الجرجاني في التحرير ، فقال : الأصح لا يقبل تصديقهما ، والله تعالى أعلم .

( فرع ) قال أصحابنا الخراسانيون : إذا ضمن رجل عن رجل مالا من ثمن مبيع ونحوه فلهما أربعة أحوال : ( أحدها ) أن يكونا معسرين فيعطى الضامن ما يقضي به الدين ، ويجوز إعطاء المضمون عنه . قال المتولي : وهو أولى ; لأن الضامن فرعه ، ولأنه إذا أخذ الضامن وقضى بالمأخوذ الدين رجع على المضمون عنه ، واحتاج الإمام أن يعطيه ثانيا . قال الرافعي : وهذا الذي قاله ممنوع ، بل إذا أعطيناه فقضى به لا يرجع ، وإنما يرجع الضامن إذا قضى من عنده . وهذا الذي قاله الرافعي فيه نظر ، وما قاله المتولي محتمل أيضا .

( الحال الثاني ) أن يكونا موسرين فلا يعطى الضامن ; لأنه إذا غرم رجع على المضمون عنه ، فلا يضيع عليه شيء . هذا إذا ضمن بإذنه ، فإن ضمن بغير إذنه فهل يعطى ؟ فيه وجهان بناء على الرجوع على المضمون عنه ، إن قلنا : لا يرجع عليه وهو الأصح أعطي وإلا فلا .

( والثالث ) أن يكون الضامن معسرا دون المضمون عنه ، فإن ضمن بإذنه لم يعط ; لأنه يرجع عليه ، وإلا فعلى الوجهين ( أصحهما ) يعطى .

( الرابع ) أن يكون الضامن موسرا دون المضمون عنه ، فيجوز إعطاء المضمون عنه . وفي الضامن وجهان : ( أحدهما ) يعطى ; لأنه غارم لمصلحة غيره ، فأشبه الغارم لإصلاح ذات البين .

( وأصحهما ) لا يعطى ; لأن الصرف إلى المضمون عنه ممكن ، وإذا برئ الأصيل برئ الكفيل ، بخلاف الغارم لذات البين ، والله تعالى أعلم .

[ ص: 196 ] فرع ) قال أصحابنا : يجوز صرف سهم الغارمين إلى من عليه الدين بإذن صاحب الدين وبغير إذنه ، ولا يجوز صرفه إلى صاحب الدين إلا بإذن من عليه الدين ، فلو صرف بغير إذنه لم يجزئ الدافع عن زكاته ، ولكن يسقط من الدين بقدر المصروف ، كما سبق في فصل المكاتب . قال أصحابنا : والأولى أن يدفع إلى صاحب الدين بإذن الغريم ليتحقق وقوعه عن جهة الدين كما سبق في المكاتب . قال أصحابنا : إلا إذا كان لا يفي بالدين ، وأراد المدين أن يتصرف فيه بالتجارة والتنمية ليبلغ قدر الدين .

( فرع ) قال أصحابنا : يجوز للغارم أن يتجر فيما قبض من سهم الزكاة إذا لم يف بالدين ليبلغ قدر الدين بالتنمية ، وهل يجوز إنفاقه ويقضي من غيره ؟ فيه خلاف سبق في فصل المكاتب ، الأصح لا يجوز .

( فرع ) حكى صاحب البيان عن الصيمري أنه لو ضمن دية قتيل عن قاتل مجهول أعطي من سهم الغارمين مع الفقر والغنى ، وإن ضمنها عن قاتل معروف أعطي مع الفقر دون الغنى ، وهذا ضعيف ولا تأثير لمعرفته وعدمها . وذكر الدارمي في الضمان عن قاتل معروف وجهين . قال الدارمي : ولو كانت دعوى الدم بين من لا يخشى فتنتهم فتحملها وجهان .

( فرع ) ذكر السرخسي أن ما استدانه لعمارة المسجد وقرى الضيف فهو كما استدانه لنفقته ومصلحة نفسه . وحكى الروياني في الحلية عن بعض الأصحاب أنه يعطى من سهم الغارمين مع الغنى بالعقار ، ولا يعطى مع الغنى بالنقد . قال الروياني : وهذا هو الاختيار .

( فرع ) ذكر إمام الحرمين أنه لو أقام بينة بأنه غارم وأخذ الزكاة فبان كذب الشهود ، ففي سقوط الفرض القولان المشهوران فيمن أخذ الزكاة بالفقر فبان غنيا ، الأصح : لا تجزئ .

( فرع ) إذا كان لرجل على معسر دين فأراد أن يجعله عن [ ص: 197 ] زكاته وقال له : جعلته عن زكاتي فوجهان حكاهما صاحب البيان : ( أصحهما ) لا يجزئه وبه قطع الصيمري ، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد ; لأن الزكاة في ذمته فلا يبرأ إلا بإقباضها .

( والثاني ) يجزئه ، وهو مذهب الحسن البصري وعطاء ; لأنه لو دفعه إليه ثم أخذه منه جاز ، فكذا إذا لم يقبضه ، كما لو كانت عنده دراهم وديعة ودفعها عن الزكاة فإنه يجزئه سواء قبضها أم لا . أما إذا دفع الزكاة إليه بشرط أن يردها إليه عن دينه فلا يصح الدفع ولا تسقط الزكاة بالاتفاق ولا يصح قضاء الدين بذلك بالاتفاق ، ممن صرح بالمسألة القفال في الفتاوى وصاحب التهذيب في باب الشرط في المهر ، وصاحب البيان هنا والرافعي وآخرون . ولو نويا ذلك ولم يشرطاه جاز بالاتفاق وأجزأه عن الزكاة ، وإذا رده إليه عن الدين بريء منه . قال البغوي : ولو قال المدين : ادفع إلي عن زكاتك حتى أقضيك دينك ، ففعل أجزأه عن الزكاة وملكه القابض ولا يلزمه دفعه إليه عن دينه ، فإن دفعه أجزأه قال القفال : ولو قال رب المال للمدين : اقض ما عليك على أن أرده عليك عن زكاتي ، فقضاه صح القضاء ولا يلزمه رده إليه . وهذا متفق عليه . وذكر الروياني في البحر أنه لو أعطى مسكينا زكاة وواعده أن يردها إليه ببيع أو هبة أو ليصرفها المزكي في كسوة المسكين ومصالحه ففي كونه قبضا صحيحا احتمالان " قلت " : الأصح لا يجزئه كما لو شرط أن يرد إليه عن دينه عليه . قال القفال : ولو كانت له حنطة عند فقير وديعة فقال : كل منها لنفسك كذا . ونوى ذلك عن الزكاة ففي إجزائه عن الزكاة وجهان ، وجه المنع أن المالك لم يكله وكيل الفقير لنفسه لا يعتبر . ولو كان وكله بشراء ذلك القدر فاشتراه وقبضه ثم قال له الموكل : خذه لنفسك ، ونواه زكاة أجزأه ; لأنه لا يحتاج إلى كيله . والله تعالى أعلم .

( فرع ) لو مات رجل وعليه دين ولا تركة له هل يقضى من سهم الغارمين ؟ فيه وجهان حكاهما صاحب البيان : ( أحدهما ) لا يجوز ، وهو قول الصيمري ومذهب النخعي وأبي حنيفة وأحمد ( والثاني ) يجوز ; لعموم الآية ، ولأنه يصح التبرع بقضاء دينه كالحي ، ولم يرجح واحدا من الوجهين ، وقال الدارمي : إذا مات الغارم لم يعط ورثته عنه . وقال ابن كج : إذا مات وعليه دين فعندنا لا يدفع في دينه من [ ص: 198 ] الزكاة ولا يصرف منها في كفنه ، وإنما يدفع إلى وارثه إن كان فقيرا ، وبنحو هذا قال أهل الرأي ومالك . قال : وقال أبو ثور : يقضى دين الميت وكفنه من الزكاة ، ثم قال ابن كج بعد هذا بأسطر : إذا استدان لإصلاح ذات البين ثم مات دفع ما يفك به تركته ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية