صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ويجب أن يسوي بين الأصناف في السهام ولا يفضل صنفا على صنف ; لأن الله تعالى سوى بينهم ، والمستحب أن يعم كل صنف إن أمكن ، وأقل ما يجزئ أن يصرف إلى ثلاثة من كل صنف ; لأن الله تعالى أضاف إليهم بلفظ الجمع وأقل الجمع ثلاثة ، فإن دفع إلى اثنين ضمن نصيب الثالث ، وفي قدر الضمان قولان : ( أحدهما ) القدر المستحب وهو الثلث .

( والثاني ) أقل جزء من السهم ; لأن هذا القدر هو الواجب فلا يلزمه ضمان ما زاد ) .


( الشرح ) فيه مسائل : ( إحداها ) يجب التسوية بين الأصناف ، فإن وجدت الأصناف الثمانية - وجب لكل صنف ثمن ، وإن وجب منهم خمسة وجب لكل صنف خمس ، ولا يجوز تفضيل صنف على صنف بلا خلاف عندنا سواء اتفقت حاجتهم وعددهم أم لا ، ولا يستثنى هذا إلا العامل فإن حقه مقدر بأجرة عمله ، فإن زاد سهمه أو نقص فقد سبق بيانه وإلا المؤلفة ففي قول : يسقط نصيبهم كما سبق .

( الثانية ) التسوية بين آحاد الصنف ليست واجبة ، سواء استوعبهم أو اقتصر على ثلاثة منهم أو أكثر ، وسواء اتفقت حاجاتهم أو اختلفت ، لكن يستحب أن يفرق بينهم على قدر حاجتهم فإن استوت [ ص: 206 ] سوى ، وإن تفاضلت فاضل بحسب الحاجة استحبابا ، فرق الأصحاب بين التسوية بين الأصناف حيث وجبت وآحاد الصنف حيث استحبت ، بأن الأصناف محصورون ، فيمكن التسوية بلا مشقة بخلاف آحاد الصنف ، قال البغوي : وليس هذا كما لو أوصى لفقراء بلد محصورين فإنه يجب تعميم التسوية بينهم ، وهنا في الزكاة لو كانوا محصورين وجب تعميمهم ولا تجب التسوية بينهم ; لأن الحق في الوصية لهم على التعيين حتى لو لم يكن هناك فقير تبطل الوصية ، وها هنا لم يثبت الحق لهم على التعيين ، وإنما تعينوا لفقد غيرهم ، ولهذا لو لم يكن في البلد مستحقون لا تسقط بل يجب نقلها إلى بلد آخر . وهذا الذي ذكرناه من التسوية بين آحاد الصنف ، وأنها ليست واجبة ، هكذا أطلقه الجمهور .

وقال المتولي : هذا إذا قسم المالك ، فأما إذا قسم الإمام فلا يجوز له التفضيل عند تساوي الحاجات ; لأن عليه تعميم جميع آحاد الصنف كما سنوضحه إن شاء الله تعالى فلزمه التسوية ، والمالك لا يلزمه التعميم فلا يلزمه التسوية .

( الثالثة ) أطلق المصنف وكثيرون أنه يستحب تعميم كل صنف أمكن . وقال ابن الصباغ وكثيرون : إن قسم الإمام لزمه استيعاب آحاد الصنف ; لأنه يمكنه ، وليس المراد أنه يستوعب بزكاة كل شخص جميع الآحاد ، ولكن يستوعبهم من الزكوات الحاصلة في يده ، وله أن يخص بعضهم بنوع من المال وآخرين بنوع ، وله صرف زكاة شخص واحد إلى صنف واحد ، وإلى شخص واحد ، وإن قسم المالك ولم يمكنه الاستيعاب فليس هو بواجب ولا مندوب ، وإن أمكنه ، قال المصنف وكثيرون : هو مستحب ، وقال المتولي : يجب إن كانوا محصورين ، وقال البغوي : يجب إن لم نجوز نقل الزكاة ، وإن جوزناه استحب . وقال الرافعي : إن قسم الإمام لزمه الاستيعاب وإن قسم المالك ففيه كلام المتولي والبغوي ، وجزم الرافعي في المحرر بوجوب الاستيعاب إن قسم الإمام : وكذا إن قسم المالك وكانوا محصورين ، وهذا هو المذهب وينزل إطلاق الباقين عليه ، والله تعالى أعلم .

[ ص: 207 ] وحيث لا يجب الاستيعاب ، قال أصحابنا : يجوز الدفع إلى المستحقين المقيمين بالبلد والغرباء الموجودين حال التفرقة ، ولكن المستوطنون أفضل ; لأنهم جيرانه . قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى : وحيث لا يجب الاستيعاب يشترط أن لا ينقص عن ثلاثة من كل صنف ، لما ذكره المصنف ، إلا العامل فيجوز أن يكون واحدا بلا خلاف ، وعجب كون المصنف لم يستثنه هنا مع أنه استثناه في التنبيه ، ولا خلاف في اشتراط ثلاثة من كل صنف من الباقين إلا ابن السبيل ففيه طريقان ( المذهب ) وبه قطع الجمهور يشترط ثلاثة ( والثاني ) فيه وجهان ( أصحهما ) ثلاثة ( والثاني ) يجوز واحد ; لأن الله تعالى لم يذكره بالجمع بخلاف باقي الأصناف ، وهذا الوجه حكاه القاضي أبو الطيب عن شيخه أبي الحسن الماسرجسي وحكاه آخرون بعده . قال القاضي أبو الطيب : لم يقل أحد من أصحاب الشافعي رضي الله عنه هذا غير الماسرجسي ، قال : قال أبو إسحاق وابن السبيل ، وإن كان موحدا فهو اسم جنس كباقي الأصناف . قال الرافعي : قال بعضهم : ولا يبعد طرد الوجه في الغزاة ; لقول الله سبحانه وتعالى { وفي سبيل الله } بغير جمع ، والله تعالى أعلم . قال أصحابنا : ولو صرف جميع نصيب الصنف إلى اثنين مع وجود ثالث غرم لثالث بلا خلاف ، وفي قدر الغرم قولان مشهوران ذكرهما المصنف ( أصحهما ) أقل جزء ; لأنه القدر الذي كان يجب عليه ( والثاني ) الثلث وصححه القاضي أبو الطيب في المجرد ، قال : لأن المفاضلة باجتهاده ما لم يظهر خيانته ، فإذا ظهرت خيانته سقط اجتهاده فلزمه الثلث ، ولو صرف جميع نصيب الصنف إلى واحد ، فعلى الأول يلزمه أقل ما يجوز صرفه إليهما ، وعلى الثاني الثلثان ، ثم إن الجمهور أطلقوا القولين .

وقال صاحب العدة : إذا قلنا يضمن الثلث ففيه وجهان : ( أحدهما ) المراد إذا استووا في الحاجة ، فلو كانت حاجة الثالث حين استحقوا التفرقة مثل حاجة الآخرين جميعا ضمن له نصف السهم .

( والثاني ) أنه لا فرق وهذا الثاني هو الصحيح . ومراده إذا كان الثلاثة متعينين ولو لم يوجد إلا دون ثلاثة من [ ص: 208 ] صنف أعطي لمن وجده ، وهل يصرف باقي السهم إليه إذا كان مستحقا ؟ أم ينقل إلى بلد آخر ؟ قال المتولي : هو كما [ لو ] لم يوجد بعض الأصناف في بلد ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى هذا آخر كلامه ، والصحيح أنه يصرف إليه . وممن صححه الشيخ نصر المقدسي ونقله هو وصاحب العدة وغيرهما عن نص الشافعي رضي الله عنه ودليلهما ظاهر . قال أصحابنا : وهذان القولان في أصل المسألة كالخلاف في أضحية التطوع إذا أكلها كلها كم يضمن ؟ وفي الوكيل إذا باع بغبن فاحش كم يضمن ؟ وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية