صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن اجتمع في شخص واحد سببان ففيه ثلاثة طرق ، من أصحابنا من قال : لا يعطى بالسببين ، بل يقال : اختر أيهما شئت فنعطيك به ، ( ومنهم ) من قال : إن كانا سببين متجانسين مثل أن يستحق بكل واحد منهما لحاجته إلينا - كالفقير الغارم - لمصلحة نفسه ، أو يستحق بكل واحد منهما لحاجتنا إليه - كالغازي الغارم لإصلاح ذات البين - لم يعط إلا بسبب واحد ، وإن كانا سببين مختلفين وهو أن يكون بأحدهما يستحق لحاجتنا إليه ، وبالآخر يستحق لحاجته إلينا أعطي بالسببين كما قلنا في الميراث : إذا اجتمع في شخص واحد جهتا فرض لم يعط بهما وإن اجتمع فيه جهة فرض وجهة تعصيب أعطي بهما ( ومنهم ) من قال : فيه قولان : ( أحدهما ) يعطى بالسببين ; لأن الله تعالى جعل للفقير سهما ، وللغارم سهما ، وهذا فقير وغارم .

( والثاني ) يعطى بسبب واحد ; لأنه شخص واحد فلا يأخذ سهمين كما لو تفرد بمعنى واحد ) .


( الشرح ) هذه الطرق الثلاثة مشهورة ( وأصحها ) طريقة القولين صححها أصحابنا ، ونقلها صاحب الشامل عن أكثر الأصحاب وأصح القولين أنه لا يعطى إلا بسبب واحد يختار أيهما شاء ، ممن صححه القاضي أبو الطيب في المجرد ، وصاحب العدة ، والشيخ نصر المقدسي في تهذيبه والرافعي وآخرون ، وقطع به جماعة من أصحاب المختصرات [ ص: 209 ] منهم سليم الرازي في الكفاية ونصر المقدسي في الكافي ، وهو المنصوص في المختصر ، والقول الآخر وهو مذهب أبي حنيفة ، وحكى الدارمي طريقا رابعا أنه يعطى بهما إلا بالفقر والمسكنة لاستحالة وجودهما في حالة واحدة ، وهذا الطريق لا حقيقة له ; لأن الأصحاب تكلموا في الممكن ، والله تعالى أعلم . قال الرافعي : إذا جوزنا إعطاءه بسببين جاز بأسباب أيضا ، قال : وقال الحناطي : ويحتمل أن لا يعطى إلا بسببين قال الخراسانيون : فإن قلنا : لا يعطى بسببين بأن كان عاملا فقيرا فوجهان مبنيان على الوجهين فيما يأخذ العامل هل هو أجرة أم زكاة ؟ إن قلنا : أجرة ، أعطي بهما وإلا فلا . قال الشيخ نصر المقدسي إذا قلنا : لا يعطى إلا بسبب واحد فأخذ بالفقر . وكان لغريمه أن يطالبه بدينه ، ويأخذ ما حصل له ، وكذا إن أخذ بكونه غارما ، فإذا أخذه وبقي فقيرا وجب إعطاؤه من سهم الفقراء ; لأنه الآن محتاج ، والله تعالى أعلم .

( فرع ) قال أصحابنا : إذا فقد بعض الأصناف فلم يوجدوا في البلد ولا غيره قسمت الزكاة بكاملها على الموجودين من باقي الأصناف بلا خلاف ، وعجيب كون المصنف ترك هذه المسألة مع ذكره لها في التنبيه ، قال أصحابنا : والفرق بين هذا وبين ما لو أوصى لرجلين فرد أحدهما الوصية فإن المردود يكون للورثة لا للموصى له الآخر ; لأن المال للورثة لولا الوصية ، والوصية تبرع ، فإذا لم تتم أخذ الورثة المال ( وأما ) الزكاة فدين لزمه فلا يسقط بفقد المستحق ولهذا لو لم يجد أحدا من الأصناف لم يسقط ، بل يصبر حتى يجدهم أو بعضهم بخلاف ما لو ردت الوصايا كلها ، فإنها ترجع إلى الورثة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية