صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى ( ويجب أن ينوي بقلبه لأن النية هي القصد ، تقول العرب : نواك الله بحفظه أي قصدك الله بحفظه ، فإن تلفظ بلسانه وقصد بقلبه فهو آكد ) .


( الشرح ) النية الواجبة في الوضوء هي النية بالقلب ولا يجب اللفظ باللسان معها ، ولا يجزئ وحده وإن جمعهما فهو آكد وأفضل ، هكذا قاله [ ص: 359 ] الأصحاب واتفقوا عليه ، ولنا قول حكاه الخراسانيون أن نية الزكاة تجزئ باللفظ من غير قصد بالقلب وهو ضعيف ، ووجه مشهور ذكره المصنف وغيره أن نية الصلاة تجب بالقلب واللفظ معا وهو غلط ، وقد أشار الماوردي إلى جريانه في الوضوء وهو أشذ وأضعف ، والفرق بين الوضوء والزكاة على هذا القول الضعيف الذي ذكرناه أن الزكاة وإن كانت عبادة فهي شبيهة بأداء الديون بخلاف الوضوء ، والفرق بين الصلاة والوضوء في وجوب اللفظ في الصلاة على الوجه الضعيف دون الوضوء أن نية الوضوء أخف حكما ، ولهذا اختلف العلماء في وجوبها وأجمعوا على وجوب نية الصلاة ، واختلف أصحابنا في جواز تفريق نية الوضوء على الأعضاء والأصح جوازه ، واتفقوا على منع ذلك في الصلاة .

وأما قول المصنف : لأن النية هي القصد فصحيح كما سبق بيانه ، وقوله : تقول العرب : نواك الله بحفظه أي قصدك بحفظه ، هكذا عبارة شيخه القاضي أبي الطيب وابن الصباغ ، وكذا قاله قبلهم الأزهري كما قدمته عنه ، وعبارة الأزهري وإن لم تكن بلفظ عبارة المصنف فهي بمعناها . وأنكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح على المصنف هذه العبارة والنقل عن العرب ، قال : لأن القصد مخصوص بالحادث لا يضاف إلى الله تعالى ، وفي ثبوت ذلك عن العرب نظر ; لأن الذي في صحاح الجوهري يقول : نواك الله أي صحبك في سفرك وحفظك ، ثم ذكر كلام الأزهري ثم قال : وكأن الذي في المهذب تحريف من ناقل . هذا كلام أبي عمرو ، وهذا الذي أنكره غير منكر بل صحيح ، وأبو عمرو ممن صححه واعتمده فإنه في القطعة التي شرحها من أول صحيح مسلم في قول مسلم رحمه الله : ( وظننت حين سألتني تجشم ذلك أن لو عزم لي عليه ) قال أبو عمرو : يقدم على هذا أن الأمر في إضافة الأفعال إلى الله تعالى واسع لا يتوقف فيه على توقيف كما يتوقف عليه في أسماء الله تعالى وصفاته ، ولذلك توسع الناس في ذلك في خطبهم وغيرها . قال : فإذا ثبت هذا فمراد مسلم : " لو أراد الله لي ذلك " على وجه الاستعارة لأن الإرادة والقصد والعزم والنية متقاربة ، فيقام بعضها مقام بعض مجازا ، وقد ورد عن العرب أنها قالت : نواك الله بحفظه فقال فيه بعض الأئمة : معناه [ ص: 360 ] قصدك الله بحفظه .

هذا كلام أبي عمرو وهو راد لكلامه هنا ، ومعلوم أن من أطلق " قصدك الله بحفظه " لم يرد القصد الذي هو من صفة الحادث بل أراد الإرادة ، وقد استعمل المصنف " قصد " في حق الله تعالى فقال في فضل ترتيب الوضوء : الدليل عليه قوله تعالى : " { فاغسلوا وجوهكم وأيديكم } " الآية فأدخل المسح بين الغسل فدل على أنه قصد إيجاب الترتيب ، ومراده بالقصد الإرادة . والله أعلم . ويقال عرب بضم العين وإسكان الراء وعرب بفتحهما لغتان الثانية أشهر ، والعرب مؤنثة ، والله أعلم .

( فرع ) قال أصحابنا رحمهم الله : لو قال بلسانه : نويت التبرد ونوى بقلبه رفع الحدث أو بالعكس فالاعتبار بما في القلب بلا خلاف ، ومثله ما قاله الشافعي والمصنف والأصحاب في الحج : لو نوى بقلبه حجا وجرى على لسانه عمرة أو عكسه انعقد ما في قلبه دون لسانه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية