صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ويجب صرف الزكاة إلى الأصناف في البلد الذي فيه المال ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال : صلى الله عليه وسلم { أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم } فإن نقل إلى الأصناف في بلد آخر ففيه قولان : ( أحدهما ) يجزئه ; لأنهم من أهل الصدقات فأشبه أصناف البلد الذي فيه المال .

( والثاني ) لا يجزئه ; لأنه حق واجب لأصناف بلد ، فإذا نقل عنهم إلى غيرهم لا يجزئه كالوصية بالمال لأصناف بلد . ومن أصحابنا من قال : القولان في جواز النقل ففي أحدهما يجوز والثاني لا يجوز . فأما إذا نقل فإنه يجزئ قولا واحدا والأول هو الصحيح فإن كان له أربعون شاة عشرون في بلد وعشرون في بلد . آخر قال الشافعي رضي الله عنه : إذا أخرج الشاة في أحد البلدين كرهت وأجزأه ، فمن أصحابنا من قال : إنما أجاز ذلك على القول الذي [ يقول ] : يجوز نقل الصدقة ، فأما على القول الآخر فلا يجوز حتى يخرج في كل بلد نصف شاة . ومنهم من قال : يجزئه ذلك قولا واحدا ; لأن في إخراج نصف شاة في كل بلد ضررا في التشريك بينه وبين الفقراء ، والصحيح هو الأول ; لأنه قال : ( كرهت وأجزأه ) فدل على أنه أحد القولين ولو كان قولا واحدا لم يقل : كرهت . وفي الموضع الذي ينقل إليه طريقان من ، أصحابنا من قال : القولان فيه إذا نقل إلى مسافة لا تقصر فيها الصلاة ، فأما إذا نقل إلى مسافة لا تقصر فيها الصلاة ، فإنه يجوز قولا [ ص: 212 ] واحدا ; لأن ذلك في حكم البلد ، بدليل أنه لا يجوز فيه القصر [ والفطر ] والمسح . ومنهم من قال : القولان في الجميع وهو الأظهر ) .


( الشرح ) حديث معاذ رواه البخاري ومسلم من رواية ابن عباس رضي الله عنهما ، وينكر على المصنف قوله فيه : روي بصيغة التمريض . وقوله : لا يجوز فيه القصر والفطر والمسح - يعني المسح على الخف ثلاثة أيام - وهذا متفق عليه . وقد نبه عليه المصنف هنا وفي آخر الحضانة وفي تغريب الزاني ولم يذكره في مظنته ، وهما باب المسح على الخف وباب صلاة المسافر .

( أما الأحكام ) فحاصل المذهب أنه ينبغي أن يفرق الزكاة في بلد المال ، فلو نقلها إلى بلد آخر مع وجود المستحقين فللشافعي رضي الله عنه في المسألة قولان . وللأصحاب فيها ثلاثة طرق ( أصحها ) عندهم أن القولين في الإجزاء وعدمه ( أصحهما ) لا يجزئه ( والثاني ) يجزئه . ولا خلاف في تحريم النقل .

( والطريق الثاني ) أنهما في التحريم وعدمه ( أصحهما ) يحرم ( والثاني ) لا يحرم ولا خلاف أنه يجزئ . وهذان الطريقان في الكتاب ( والثالث ) حكاه صاحب الشامل أنهما في الجواز والإجزاء معا ( أصحهما ) لا يجوز ولا يجزئه ( والثاني ) يجوز ويجزئه ، وتعليل الجميع في الكتاب ، والأصح عند الأصحاب الطريق الأول ( والأصح ) من القولين أنه لا يجزئه ، وهو محكي عن عمر بن عبد العزيز وطاوس وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي والثوري ومالك وأحمد ، وبالإجزاء قال أبو حنيفة : ( والصحيح ) أنه لا فرق بين النقل إلى مسافة القصر ودونها كما صححه المصنف وكذا صححه الجمهور . فحصل من مجموع الخلاف أربعة أقوال ( أصحها ) لا يجزئ النقل مطلقا ولا تجوز ( والثاني ) يجزئ ويجوز ( والثالث ) يجزئ ولا يجوز ( والرابع ) يجزئ ويجوز لدون مسافة القصر ، فسواء نقل إلى قرية بقرب البلد أم بعيدة صرح به صاحب العدة .

واعلم أن صاحب الشامل ذكر المسألة في أول قسم الصدقات في موضعها ، كما ذكرها المزني والأصحاب ، وذكر في النقل إلى دون مسافة القصر الطريقين وذكر أن الأصح أنها على القولين . ثم ذكر [ ص: 213 ] في أواخر الباب في مسألة أصحاب الخيام الذين لا يرتحلون أن أصحاب الخيام الذين لا يرتحلون يجوز الصرف إلى من بينه وبينه ما لا تقصر فيه الصلاة . قال وكذلك البلد إذا كان في سواده في موضع لا تقصر فيه الصلاة ، كأهل البلد قال : واحتج الشافعي بأن من هو من الحرم على مسافة لا تقصر فيها الصلاة فهو من حاضريه . قال : فأما إذا كان بلدان بينهما مسافة لا تقصر فيها الصلاة فلا ينقل من أحدهما إلى الآخر ; لأن أحدهما لا يضاف إلى الآخر ولا ينسب . هذا كلام صاحب الشامل ، وذكر مثله الشيخ أبو حامد ، وهو مخالف في ظاهره ; لما قاله صاحب العدة ، والله تعالى أعلم ( فرع ) قال أصحابنا : في نقل الكفارات والنذور عن البلد الذي وجبت فيه ونقل وصية أوصى للفقراء وغيرهم ، ولم يذكر بلدا طريقان ( أحدهما ) وبه قطع جماعة من العراقيين لها حكم الزكاة فيجري فيها الخلاف كالزكاة وأصحهما عند الخراسانيين وتابعهم الرافعي عليه القطع بالجواز ; لأن الأطماع لا تمتد إليها إلى امتدادها إلى الزكوات . وهذا هو الصحيح ( فرع ) حيث جاز النقل أو وجب فمؤنته على رب المال .

قال الرافعي : ويمكن تخريجه على الخلاف السابق في أجرة الكيال ، وهذا الذي قاله محتمل فيما إذا وجب النقل ، أما إذا لم يجب ونقله رب المال فيجب الجزم بأنها على رب المال .

( فرع ) قال الرافعي : الخلاف في جواز النقل وعدمه ظاهر فيما إذا فرق رب المال زكاته ، أما إذا فرق الإمام فربما اقتضى كلام الأصحاب طرد الخلاف فيه وربما دل على جواز النقل له والتفرقة كيف شاء . قال : وهذا أشبه . هذا كلامه ، وقد ذكر المصنف في أوائل هذا الباب في أواخر الفصل الأول قبل وسم الماشية أن الساعي ينقل الصدقة إلى الإمام إذا لم يأذن له في تفرقتها ، وهذا نقل وقدمنا هناك أن الراجح القطع بجواز النقل للإمام والساعي ، وهو ظاهر الأحاديث ، والله أعلم . [ ص: 214 ] فرع ) قال أصحابنا : لو كان المالك ببلد والمال ببلد آخر فالاعتبار ببلد المال لأنه سبب الوجوب ويمتد إليه نظر المستحقين فيصرف العشر إلى الأصناف بالأرض التي حصل منها العشر وزكاة النقدين والمواشي والتجارة إلى أصناف البلد الذي تم فيه حولها .

( فرع ) لو كان ماله عند تمام الحول ببادية وجب صرفه إلى الأصناف في أقرب البلاد إلى المال ، فإن كان تاجرا مسافرا صرفها حيث حال الحول .

( فرع ) إذا كان له مال في مواضع متفرقة - وحال الحول وهي متفرقة - صرف زكاة كل طائفة من ماله ببلدها ، ولا يجوز أن يصرف الجميع في بلد واحد إذا منعنا النقل ، هذا إذا لم يقع تشقيص ، فإن وقع بأن ملك أربعين شاة عشرين ببلد وعشرين ببلد آخر فأدى شاة في أحد البلدين . قال الشافعي رضي الله عنه : كرهت ذلك وأجزأه وللأصحاب فيه طريقان حكاهما المصنف بدليلهما : ( أحدهما ) وهو قول أبي حفص بن الوكيل من أصحابنا أن هذا جائز إن جوزنا نقل الصدقة ، وعليه فرعها الشافعي رضي الله عنه ، وإن منعنا نقلها وجب في كل بلد نصف شاة ، ورجح المصنف هذا الطريق بما ليس بمرجح واستدل من كلام الشافعي رضي الله عنه بما لا دلالة فيه .

( والطريق الثاني ) هو المذهب وهو ظاهر النص وقطع به أكثر المتقدمين وكثير من المصنفين ، ورجحه جمهور الباقين أنه يجوز قولا واحدا ، سواء منعنا نقل الصدقة أم لا ، وعلله الأصحاب بعلتين : ( أحدهما ) أن له في كل بلد مالا فيخرج في أيهما شاء ; لأنه يصدق عليه أنه أخرج في بلد ماله .

( والثانية ) أن عليه ضررا في التشقيص . قال الرافعي : وفرعوا عليهما ما لو كان له مائة ببلد ومائة ببلد ، فعلى الأولى له إخراج الشاتين في أحد البلدين ، وعلى الثانية لا يجوز ذلك بل يجب في كل بلد شاة . وهذا هو المذهب في هذه الصورة ، وبه قطع جماعة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية