صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ولا يجوز دفع زكاة إلى هاشمي ; لقوله صلى الله عليه وسلم : { نحن أهل بيت لا تحل لنا الصدقة } ولا يجوز دفعها إلى مطلبي ; لقوله صلى الله عليه وسلم { إن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد ، وشبك بين أصابعه } ; ولأنه حكم واحد يتعلق بذوي القربى فاستوى فيه الهاشمي والمطلبي كاستحقاق الخمس . وقال أبو سعيد الإصطخري : إن منعوا حقهم من الخمس جاز الدفع إليهم ; لأنهم إنما حرموا الزكاة لحقهم في خمس الخمس ، فإذا منعوا الخمس وجب أن يدفع إليهم ، والمذهب الأول ; لأن الزكاة حرمت عليهم لشرفهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا المعنى لا يزول بمنع الخمس ، وفي مواليهم وجهان ( أحدهما ) يدفع إليهم ( والثاني ) لا يدفع إليهم وقد بينا وجه المذهبين في سهم العامل ) .


( الشرح ) الحديث الأول رواه البخاري ومسلم بمعناه ، ولفظ روايتهما عن أبي هريرة رضي الله عنه { أن الحسن بن علي رضي الله عنهما أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كخ كخ ، ليطرحها ثم قال : أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة } وفي رواية لمسلم { أنا لا تحل لنا الصدقة } وفي رواية البخاري { أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة } وعن المطلب بن ربيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : { إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وأنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد } رواه مسلم ، وسبق بيانه بطوله في أول هذا الباب في بعث الإمام السعاة .

( وأما ) الحديث الآخر { أن بني هاشم وبني المطلب شيء [ ص: 220 ] واحد وشبك بين أصابعه } فرواه البخاري في صحيحه من رواية جبير بن مطعم ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " شيء واحد " روي - بشين معجمة مفتوحة وهمز آخره - وروي سي - بسين مهملة مكسورة وياء مشددة بلا همز - والسيء بالمهملة المثل . وأما الحديث الذي رواه أبو داود في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : { بعث بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل أعطاه إياها من الصدقة يبدلها } فجوابه من وجهين أجاب بهما البيهقي : ( أحدهما ) أن يكون قبل تحريم الصدقة على بني هاشم ، ثم صار منسوخا بما ذكرناه ( والوجه الثاني ) أن يكون قد اقترض من العباس للفقراء إبلا ثم أوفاه إياها من الصدقة ، وقد جاء في رواية أخرى ما يدل على هذا ، وبهذا الثاني أجاب الخطابي ، والله تعالى أعلم .

أما قوله : وقد بينا وجه المذهبين في سهم العامل فمراده أنه بينه في أول الباب في فصل بعث السعاة ، ولم يذكره في سهم العامل ، وعبارته موهمة ، ولو قال في أول الباب لكان أجود .

( أما الأحكام ) فالزكاة حرام على بني هاشم وبني المطلب بلا خلاف ، إلا ما سبق فيما كان أحدهم عاملا ، والصحيح تحريمه ، وفي مواليهم وجهان ( أصحهما ) التحريم ، ودليل الجميع في الكتاب ، ولو منعت بنو هاشم وبنو المطلب حقهم من خمس الخمس هل تحل الزكاة ؟ فيه الوجهان المذكوران في الكتاب ( أصحهما ) عند المصنف والأصحاب لا تحل ( والثاني ) تحل ، وبه قال الإصطخري ، قال الرافعي : وكان محمد بن يحيى صاحب الغزالي يفتي بهذا ، ولكن المذهب الأول ، وموضع الخلاف إذا انقطع حقهم من خمس الخمس لخلو بيت المال من الفيء والغنيمة أو لاستيلاء الظلمة واستبدادهم بهما والله تعالى أعلم .

هذا مذهبنا ، وجوز أبو حنيفة صرف الزكاة إلى بني المطلب ، ووافق على تحريمها على بني هاشم ، ودليلنا ما ذكره المصنف ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية